تمرين أطلسي فاشل... والصواريخ السورية خيبت أمل إسرائيل

16.04.2018

ثلاث دول أطلسية كبرى حاولت «تأديب» سورية مباشرةً وروسيا وإيران وحزب الله مداورةً، فانتهت محاولتها تمريناً عسكرياً مدوّياً بالفشل. لعلّ أدقّ وأطرف توصيف للعدوان الثلاثي الأطلسي الفاشل ما أوردته صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية: «أطلقت أميركا صواريخ جميلة وحديثة وذكية على سورية والنتيجة صفر»!

الفشل مدوٍّ، وعلى جميع المستويات: الإعلامية والعسكرية والسياسية. أخفقت أميركا وحلفاؤها إعلامياً في إلصاق تهمة استعمال سلاح كيميائي بسورية بدليل مسارعتها إلى تنفيذ العدوان قبل ساعات قلائل من مباشرة بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الدولية تحقيقاً في دوما بشأن اتهامٍ لسورية مجردٍّ من أي إثبات.

أخفقت عسكرياً بنجاح الدفاعات الجوية السورية في اعتراض وإسقاط 71 صاروخاً من مجموع 103 أطلقتها طائراتها وسفنها الحربية من مواقع وقواعد برية وجوية وبحرية قائمة في دول عربية «شقيقة».

أخفقت سياسياً ببقاء سورية، نظاماً ورئيساً وجيشاً وشعباً، متماسكةً ما مكّنها من ترجمة صمودها تأييداً جماهيرياً واسعاً في الداخل وفي عالم العرب والعالم الأوسع.

فشل العدوان الأطلسي الثلاثي يطرح سؤالاً مفتاحياً على أميركا وحلفائها، كما على سورية وحلفائها: ماذا بعد؟

ثمة ثماني حقائق سيجد اطراف الصراع الإقليمي والدولي أنفسهم مضطرين الى أخذها في الحسبان عند اجتراح مواقف وسياسات جديدة:

اولاً، «اسرائيل» تشعر بخيبة عميقة. كانت قيادتها السياسية والعسكرية تمنّي النفس بأن تشمل أميركا بعدوانها مواقع عسكرية إيرانية في سورية، تمهيداً لتعاون ثنائي يستهدف إيران ذاتها في قابل الأيام. الحقيقة أن أميركا هاجمت بصواريخها مطاري الضمير و T-4العسكريين، لكن الدفاعات الجوية السورية اعترضتها ومنعتها من تحقيق أغراضها. وكان نتنياهو برّر قيام «اسرائيل» قبل نحو اسبوع بغارةٍ صاروخية على مطار T-4 بقوله: «يحق لك أن تقتل من يعمل على قتلك»، فهل يعمد لاحقاً الى استعمال سلاح دمار شامل وقاتل ضد إيران بدعوى استباق قيامها بردٍّ قاسٍ على مقتل 7 من جنودها خلال الاعتداء الصاروخي الإسرائيلي على المطار المذكور؟

ثم، هل يشارك حزب الله من خلال قواعده في سورية ولبنان بالردّ الإيراني المحتمل على «اسرائيل»؟ وهل تُقدم «اسرائيل» في حال تعرّضها لأضرار بشرية ومادية جسيمة، الى استعمال اسلحة دمار شامل كيميائية او نووية ضد إيران بقصد تدميرها وإخراجها من حومة الصراع؟ وماذا ستكون طبيعة الردّ الروسي، إذا جاء الفعل العسكري الإسرائيلي على درجة عالية من الضخامة والقسوة؟ هل تتدخّل موسكو في الحرب للحؤول دون هزيمة حليفيها السوري والإيراني؟ وفي هذه الحالة، كيف ستكون ردة فعل أميركا؟ هل ستكون مستعدّة فعلاً للانزلاق الى حرب كونية مدمرة قد تمتد مسارحها من غرب آسيا الى شرقها، ومن شواطئ شرق المتوسط الى شواطئ بحر قزوين وربما الى غرب اوروبا ايضاً؟

ثانياً، إيران استنكرت العدوان الثلاثي وكررت التزامها دعم سورية وقوى المقاومة الحليفة. غير أن تحدياً طارئاً يستحوذ على قادتها قبل العدوان الأخير وبعده. إنه الاعتداء الإسرائيلي على قاعدة «شاهد» قرب مطار T-4 قبل أسبوع ما اودى بحياة 7 من جنودها. مسؤولون إيرانيون عدّة نددوا بالاعتداء وبعضهم توّعد بردٍّ ثأري. هل تنتقم إيران من «اسرائيل»، وكيف؟ خبير استراتيجي قريب من سورية ومن قوى المقاومة المتحالفة معها أكد أن إيران ستردّ عاجلاً أو آجلاً.

ثالثاً، السعودية أيدت العدوان الثلاثي عشية افتتاح القمة العربية الـ 29 في الظهران. ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان كان أبدى استعداد بلاده للمشاركة في ضربةٍ أميركية لسورية رداً على استخدامها المزعوم لسلاح كيميائي. أميركا تجاهلت عرضه العسكري مفضلةً عليه دعمه المالي. الأرجح أن الرياض لن تتأخر في بذل المزيد من المال لواشنطن شريطة مراعاة سياستها ومصالحها في اليمن وسورية.

رابعاً، تركيا فاجأت روسيا وإيران بدعمها المكشوف للعدوان الثلاثي على سورية. لا يُخفى عن الرئيسين بوتين وروحاني أن تركيا عضو قديم في حلف شمال الاطلسي، لكنهما لم يتوقّعا ان يذهب اردوغان هذا المذهب السلبي من سورية بعد قمة انقرة الأخيرة. لعلهما يدركان الآن أن ثمة اتفاقاً ضمنياً بين انقرة وواشنطن على مستقبل شمال سورية في ظل تصميم أردوغان على ترسيخ وجود تركي هناك بدعوى منع الكرد السوريين من إقامة كيان منفصل عن حكومة دمشق يكون مقدّمة لإقامة دولة كردية مستقلة. المقول إن روسيا وإيران لن تراعيا تركيا على حساب سورية ومصالحها وتصميمها على استعادة سيادتها على كامل ترابها الوطني. ولعل نهجهما في المستقبل القريب سيتمثل في تصعيد المطالبة بسحب القوات الأميركية من منطقة التنف ومن شمال شرق محافظة دير الزور، كما من كامل محافظتي الرقة والحسكة. ولا شكّ في أن إخراج أميركا من سورية يسهّل إخراج تركيا لاحقاً.

خامساً، الفلسطينيون في حالٍ بالغ الصعوبة. صحيح أن غالبيتهم الساحقة متضامنة مع سورية ضد دول العدوان الثلاثي، لكنهم مضطرون الى مراعاة مصر بما هي منفذ قطاع غزة البري الوحيد الى عالم العرب من جهة، كما الى مراعاة متطلبات مواجهة «اسرائيل» من جهة اخرى. الى ذلك، فإن قوى المقاومة الفلسطينية، ولا سيما «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، مضطرة الى مراعاة إيران بما هي الحليف الجدّي الداعم لهما ولسورية وحزب الله، فهل يجدا نفسيهما منخرطتين في الحرب عند اندلاعها بين إيران والكيان الصهيوني؟

سادساً، أميركا اعتبرت، بلسان ترامب، أن المهمة المطلوبة من وراء «العملية» أنجزت. هل أنجزت حقاً؟ ماذا سيكون موقفها من إيران وقواتها في سورية إذا قامت بإلغاء الاتفاق النووي؟ هل تسحب قواتها من سورية كما لمّح ترامب مراراً ام تجاري «إسرائيل» بضرورة التصدي لإيران وتدميرها حمايةً لأمن الكيان الصهيوني ولمستقبل النفوذ والمصالح الأميركية في منطقة غرب آسيا؟ لذا لا يمكن تلمّس مفاصل سياسة أميركا بعد العدوان إلاّ في ضوء المواقف التي سيتخذها ترامب من التحديات السابقة الذكر.

سابعاً، روسيا وسورية نجحتا في توجيه لطمة قاسية جداً لأميركا في بلاد الشام، ستنعكس سلباً على نفوذها في منطقة غرب آسيا. غير أن موسكو تعلم أن واشنطن لن تكتفي بلعق جراحها وأنها ستعاود ضغوطها على سورية من خلال الكرد المتعاونين معها، كما تركيا الراغبة في التعاون أيضاً في اطار تسوية تراعي مصالح الطرفين. في ضوء هذه التحديات ستجد روسيا نفسها مضطرة الى تكثيف تسليح سورية بمنظومة S-300 للدفاع الجوي تحسباً لأي عدوانٍ اطلسي جديد او لعدوان إسرائيلي يتم بالتواطؤ مع أميركا لمهاجمة إيران.

ثامناً، محور المقاومة بأطرافه جميعاً، ولا سيما حزب الله، حريص على مقاربة التحديات التي تواجه سورية والعراق في سياق التصدّي لاحتلال «اسرائيل» لفلسطين واعتداءاتها المتواصلة على دول الجوار، وخاصة سورية ولبنان الأمر الذي يضطرها الى مطالبة إيران وروسيا بتكثيف تسليحها لصد الإعتداءات الإسرائيلية من جهة ولوضع حدٍّ لاستباحة سلاح الجو الإسرائيلي أجواء لبنان عند مهاجمته سورية من جهة أخرى.

بكلمة، الصراع في سورية وعليها سيزداد ويتعقّد نتيجةَ العدوان الثلاثي، وقد يتطوّر إلى صراع ساخن بين أميركا وروسيا.

المصدر: البناء اللبنانية، مقال للكاتب عصام نعمان بعنوان "تمرين أطلسي مدو بالفشل.. ماذا بعد".