الصراع بعد الضربة الأطلسية المحدودة... إغلاق جبهات وكسر توازنات

28.04.2018

نفذت كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا هجوما محدودا وقصيرا على دمشق ومحيطها، عبر شن ضربة عسكرية صاروخية "ذكية" كما قال ترامب، بعد أن تم دفع الفاتورة كاملة وسلفا، لكل منهم على حدا ...!

فحجم التعويل الكبير على مفاعيل ونتائج شن ضربة ثلاثية على سوريا، والذي دفع حلفاء واشنطن الإقليمين في كل من السعودية وقطر للتمويل، لم يكن أقل من حجم التهويل الذي ظهر لدى كل من ترامب وشركاؤه الغربيين في سلسلة التغريدات الشهيرة، التي سبقت قيام العدوان بأسبوع من الزمن، مترافقة بإتخام شرق المتوسط بقطعهم الحربية والعسكرية، وصولا لتنفيذ هذا العدوان في 14 من ابريل / نيسان الجاري.

ولكن ماذا بعد؟ وما هي نتائج هذا العدوان على الساحة السورية والإقليمية والدولية؟

إن قراءة المشهد العام من خلال التطورات التي أعقبت العدوان على كامل الساحات تخلص بنا لجملة نتائج هي: 

أولا- على الساحة السورية: كان من أهم نتائج هذا العدوان الثلاثي ميدانيا، هو زيادة التحرك مع السرعة والإصرار لدى الجيش السوري وحلفائه، في ضرورة الحسم العسكري وإغلاق كافة الجيوب والجبهات الباقية والمتناثرة - خاصة بعد إغلاق جبهة الغوطة الشرقية نهائيا - في محيط العاصمة دمشق وريفها، لتفويت الفرصة على أطراف العدوان في إمكانية استخدام ما تبقى من العناصر المسلحة التابعة لهم، حيث ظهر من نتائج ذلك حتى الآن:

إعلان الجيش السوري استعادة السيطرة الكاملة على بلدات وقرى القلمون الشرقي، بعد استكمال  التسوية والمصالحة التي بدأت فيها، من خلال إخلاء المسلحين الرافضين لها، وتسليم السلاح إلى القوى الأمنية التي دخلت كل من الرحيبة وجيرود والناصرية، تمهيداً لعودة تدريجية للمؤسسات الحكومية والخدمية  إلى العمل، كسابق عهدها في هذه المناطق.

استمرار الجيش وقواته الرديفة في عملياته العسكرية المكثفة في جنوب العاصمة دمشق، للسيطرة على جيب تنظيم "داعش" بين مخيم اليرموك وحيي الحجر الأسود والقدم، وصولا حتى تحريرها وإعلانها مناطق خالية من الإرهاب قريبا، حسبما تشير وتيرة العملية العسكرية هناك.

ثانيا- على الساحة الإقليمية: نجد أن هذا العدوان دفع لمزيد من التخبط بين أطراف العدوان الإقليمين – السعودية قطر وإسرائيل – وحلفائهم الغربيين وخاصة حليفهم الأمريكي:

- فالسعودية اليوم تسعى لتشكيل جيش "وهابي" آخر على غرار "جيش الإسلام" السابق والمهزوم في منطقة دوما، تحت اسم قوات عربية مشتركة، لإحلالها مكان القوات الأمريكية التي يكرر ترامب عزمه سحبها من شرق الفرات في كل ظهور له، رفضت مصر – والتي يعول عليها أطراف العدوان بشكل أساسي – عروض واشنطن للمشاركة فيها، أيمانا من مؤسستها العسكرية – كما يبدو - بأن الحرص على سلامة الأرض السورية ووحدتها، هو في صلب أمنها القومي الاستراتيجي.

- أما قطر الغارقة في أزمتها الخليجية المتفاقمة وبشكل يومي، هي اليوم تحاول اللعب على الحبال، وتعمل على إرضاء كافة الأطراف في سبيل حمايتها من نيران الأشقاء، حيث رمت السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير أول أمس الثلاثاء الكرة في ملعبها، بقوله "إن على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات العسكرية الأمريكية في سورية"، ما يعني أمرين الأول: عدم قدرة السعودية وحيدة على المضي قدما في دفع كامل فواتير استمرار الحرب على سورية، والتي يطالبهم بها ترامب على مدار الساعة، والثاني: الرغبة السعودية في زج قطر في خيارات المشاركة في الدفع وإرسال وتجنيد مرتزقة جدد إلى سورية، مقابل استمرار الحماية الأمريكية لها عبر قاعدة العديد الجوية الموجودة فوق أراضيها!

- بالنسبة لإسرائيل يبدو أنه وقع أكثر مما تخشاه، فإسرائيل التي اعتدت على مطار التيفور في 9 ابريل / نيسان الجاري - أي قبل وقوع العدوان الثلاثي بأيام - رغبة منها في جر واشنطن إلى حرب مفتوحة في المنطقة غير مضمونة النتائج، للحد – على حسب زعمها - من تعاظم النفوذ الإيراني العسكري في الساحة السورية، حصدت من اعتدائها ومن العدوان الثلاثي الذي هللت له ما يلي:

هي اليوم بانتظار الرد الإيراني، نتيجة استهدافها عسكريين إيرانيين في عدوانها الأخير على مطار التيفور، ما أدى إلى استشهادهم، ما يعني أنها اليوم باتت في حرب مباشرة ومفتوحة وجها لوجه مع إيران، والمراقب للتصريحات الإسرائيلية الشبه يومية عن انتظار الرد الإيراني، ومحاولة تبرير فعل الاعتداء، يعلم جيدا مدى حالة التوتر التي تعيشها القيادة الإسرائيلية. 

من نتائج العدوان الثلاثي على سورية، إعلان موسكو أن مثل هذا الاعتداء يدفع بروسيا لتسليم دمشق منظومة الصواريخS.300" " في سبيل التزامها في حماية ودعم حليفها السوري، ضد مثل هكذا اعتداءات خارج الشرعية الدولية، هذه المنظومة التي تثير المخاوف الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، فبعد أن أسقطت لها الدفاعات الجوية السورية فبراير/ شباط الماضي طائرة "F16"، وبعد أن أسقطت معظم صواريخ العدوان الثلاثي الأخير، باتت إسرائيل اليوم تخشى وصول هذه المنظومة الحديثة إلى يد الجيش السوري، أكثر من أي وقت مضى، لما يعنيه هذا الأمر من كسر توازنات إستراتيجية على الساحة العسكرية التسلحية في المنطقة، حيث تفقد إسرائيل بذلك أية إمكانية لتهديد سورية، بل ربما يفرض وصول هكذا منظومة للجيش السوري على إسرائيل الانكفاء التام ضمن حدود كيانها.

ثالثا- على الساحة الدولية: حالة الذهول التي اعترت أطراف العدوان ممثلة بزعمائه الثلاثة ترامب ماكرون وماي، تلخص نتائجه على الساحة الدولية، ظهوراتهم الكثيفة وحركاتهم المكوكية وتصريحات مسؤولييهم على اختلاف مستوياتهم، كمحاولة لتصريف هذا العدوان على إنه نصر وإنجاز حقق كامل أهدافه، جميعها أسقطها الرد الروسي الذي قام بعرض كامل لتفاصيل إسقاط صورايخهم الذكية من قبل الدفاعات الجوية السورية، وبمنظومات صواريخ قديمة مطورة سوريا.

يأتي في هذا السياق أيضا اللقاء الأخير الذي جمع كل من ترامب وماكرون، تترجم ذلك تنقلات وتصريحات المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا حول إمكانية إعادة تفعيل مسار جنيف، حيث يسعى جاهدا لإجهاض آستانة كحلا مثاليا مدعوما من الطرف الروسي وحلفاؤه مقابل جنيف، لكن على ما يبدو أن سقوط جنيف بكامل عناوينه كمنصة دولية سياسية معلقة، من قبل أطراف المحور السوري – الإيراني – الروسي، أمسى أمرا واقعا حتى الآن.

وأوضح الرئيس بشار الأسد "إن تلك الدول ومعها مجموعة من أدواتها من دول المنطقة كانت تدعم الإرهابيين منذ اليوم الأول للحرب على سورية، وعدوانها المباشر مؤخرا، لن ينجح في وقف الحرب على الإرهاب، التي ستتواصل حتى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية." وذلك خلال استقباله حسين جابري أنصاري، كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة، في 23 أبريل/ نيسان الجاري.

بالمحصلة نجد أن هذا العدوان بأهدافه المزعومة سقط بشكل كامل، ولم يحقق لأطرافه من نتائج إلا مزيدا من العماه الاستراتيجي سياسيا وعسكريا، بالمقابل فإن الجيش السوري وحلفاؤه هم اليوم أكثر إصرار على الاستمرار في معركتهم ضد الإرهاب، حتى تطهير كامل الأرض السورية، فلا مساومة على ذلك، مهما كانت التطورات القادمة،  فالنصر قرار، والحسم انتصار ...