نتائج الضربة المحدودة على سوريا فشلت...والتهويل الإعلامي كان هو الضرر
في 14نيسان 2018، شنت قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية هجوما صاروخيا على الدولة السورية - وهي دولة ذات سيادة ومؤسسة للأمم المتحدة – بذريعة استخدام السلاح الكيمياوي في دوما قبل أسبوع، منتهكين القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومن دون الرجوع لمجلس الأمن أو انتظار نتيجة تقرير منظمة حضر الأسلحة الكيمياوية.
وهذا الهجوم كانت قد بدأته إسرائيل بقصف مطار التيفور في 9 نيسان 2018، وغذته السعودية بأموالها، وفتحت دولة قطر قاعدة "العديد" له، وبمساندة ودعم من تركيا وألمانيا والإمارات، فهو ليس ثلاثي، وهو عدوان كبير على سورية تمكنت من إحباطه، فأسقطت 71 صاروخا من أصل 103 صواريخ الأكثر ذكاءً وحداثة حسب تغريدات الرئيس الأمريكي على تويتر، وسقط ما تبقى من هذه الصواريخ على منشئات أغلبها مدمرة ومهجورة مع تحريف مسار بعضها بفعل الدفاعات السورية.
إن هذا التصدي من سوريا - التي تعيش حرب كونية منذ سبع سنوات بمشاركة أكثر من 80 دولة -لهجوم أطلسي يمثل نصرا كبيرا، خصوصا وأن الأضرار تكاد تكون معدومة ومن دون خسائر بالأرواح باستثناء بعض الجرحى.
لقد كان الهجوم المقرر أكبر من هذا بكثير، وكان يستهدف الدولة والقيادة السورية وتحجيم دور روسيا في العالم، وهذا ما أكده مندوب روسيا في مجلس الامن يوم 13 نيسان 2018، ولكن الوقفة الروسية الصلبة إلى جانب الدولة السورية أحبطت هذا الاعتداء. وبهذا تأكد للعالم كله الدور الروسي المتعاظم في العالم، والذي سيزداد أكثر بعد هذا الهجوم، خصوصا وإن أحدث الأسلحة الأمريكية وأكثرها دقة وذكاء حسب قول قادتهم، قد ثبت عدم جدواها، وهذا يعني إن ظهر أميركا والدول الغربية قد أصبح مكشوفا الان.
فبعد أن انتصرت قوات الدولة السورية بتحرير كامل الغوطة الشرقية من الإرهابيين والقضاء عليهم، افتعلت هذه الدول ذريعة الكيماوي. فقاموا بضغط إعلامي ودبلوماسي كبير قبل أسبوع من الهجوم، لغرض جس نبض القيادة الروسية ومعرفة ردة فعلهم في حال شن هجوم كبير لتدمير الدولة السورية، وقد فشلوا في ذلك، وفشلوا في خداع القيادة الروسية مرة أخرى. وكلنا نتذكر أن التلويح بورقة الكيمياوي قد بدأ مع بداية تحرير الغوطة قبل أكثر من شهر، والغاية عرقلة تقدم الجيش السوري فيها والحيلولة دون تحريرها، وقد نبهت القيادتين السورية والروسية لذلك في أكثر من مناسبة.
ولكن هل المنتصر ومن حرر كامل الغوطة في 7 نيسان 2018 يحتاج أن يستخدم الكيمياوي بعد ذلك؟ وإن كان الكيمياوي قد استعمل فعلا من قوات مقاتلة في حرب فهي تستخدمه على نطاق واسع وبكل قسوة - لكي تنتصر على عدوها – مما يؤدي إلى ضحايا قد يصل عددهم عشرات الآلاف كما يؤدي إلى قتل كل أشكال الحياة في المنطقة وإلى انتشار السموم حتى على الحجر والأبنية، فهل هذا ما حصل؟ وهل الجيش السوري الذي انتصر على مئات الآلاف من الإرهابيين والمسلحين المدعومين من واشنطن والرياض لا يستطيع التغلب على بضع عشرات منهم فيضربهم بالكيمياوي؟
وأيضا لماذا هذا الاستعجال بالقصف؟ فمثل هكذا اتهامات خطيرة تحتاج إلى وقت وتحقيق مطول. إن تهديد الأمن والسلم العالمي من خلال الهجوم على دولة يجب ألا يستند إلى شكوك أو أفلام تنشر على مواقع التواصل الاجتماعية من قبل منظمات معروف دعمها من لندن كالخوذ البيضاء، خصوصا وأن الطفل "حسن دياب" قد فضح هذه المسرحية قبل أيام.
إن الاعتماد على اتهام الخوذ البيضاء قد جعل من لندن خصما وحكما في وقت واحد، وهذا غير عادل من الناحية القانونية للهجوم.
لقد ادعت الدول الثلاثة محاربتها للإرهاب، فهل قصف منشئات القوات السورية والبنية التحتية تمثل مكافحة للإرهاب؟ أم أنها دعما له من خلال إضعاف الدولة؟ والكل يعلم أن الدولة السورية تخوض الحرب على الإرهاب منذ سبع سنوات وهي بالكاد بدأت تتعافي بعد تحرير أغلب مناطق الدولة منه.
والحقيقة الأكثر وضوحا في هذا المجال، لو أن دول العدوان فعلا قد قصفت منشئات كيمياوية كما تدعي، لتضررت القرى والمدن المجاورة لمكان القصف، وانتشرمفعول المواد السامة في مناطق واسعة، ولشهدنا ضحايا كثر من جراء ذلك، ولا يمكن إخفائهم، وهذا لم يحصل بعد القصف.
وسؤال آخر يطرح نفسه هنا، كيف لم تخشى هذه الدول على حياة المواطنين العزل في تلك المناطق التي ضربت من انتشار المواد السامة وهي تدعي دوما الدفاع عنهم؟ لا يوجد جواب لهذا السؤال غير أن تلك الدول تعلم جيداً أنه لا وجود للكيمياوي في المنشآت التي تم استهدافها، حيث من غير المعقول أن تجازف تلك الدول بانتشار السموم الكيمياوية على مساحات واسعة فتكون عند ذاك فضيحة دولية كبرى. وبهذا يمكننا القول إن الهجوم قد بني على باطل بالأساس وبالتالي فهو باطل من الناحية القانونية.
كل غاية هذا الهجوم كانت إعادة الروح وحقن بعض المعنويات لهم ولعملائهم الإرهابيين في سوريا وفي المنطقة، وهم قد فشلوا حتى في هذا، حيث تحول الهجوم إلى وبال على أمريكا وحلفائها، والى خيبة أمل كبيرة من خلال انفضاح أسلحتهم التي لم تنجح وتبخر كل أمانيهم من القصف.
إن التهويل الإعلامي والتطبيل للحرب قبل العدوان ربما يكون قد شكل ضررا أكثر من العدوان نفسه، حيث إن نتيجة الهجوم على أرض الواقع "معدومة"، ولم يتمكن هذا الاعتداء من تغيير ساكنا على الأرض لصالح تلك الدول أطلاقا.
إن نتيجة هذا القصف وكما حصل بعد قصف مطار الشعيرات العام الماضي، سوف تكون بتقدم قوات الدولة السورية وحلفائها بشكل متسارع لاستعادة كامل التراب السوري من الجماعات الإرهابية، وتداعيات كثيرة في المنطقة والعالم، فمشاهد التصدي الناجح للدفاعات السورية لصواريخ ترامب وماي الذكية جدا، كصاروخ "JASSM-ER"الحديث، لن تمر من دون محاسبة شعوب هذه الدول لحكامهم، الذين أرهقوا شعوبهم بالضرائب وضيعوا أموالهم وأموال دول الخليج على أسلحة عديمة الجدوى لم تنجح بتخطي منظومات دفاع لدولة من الشرق الأوسط كسورية.
إن تكرار مثل هذا الهجوم أمر في غاية الخطورة، ولذا فإن كل الشعوب الحرة في العالم مدعوة اليوم لعدم السكوت وإلى التحرك ومن دون التفكير بالعواقب، فمهما تكون النتائج فهي أفضل من التضحية بملايين الأبرياء في حرب عالمية ثالثة سيشعلها قادة تل أبيب وواشنطن ولندن وباريس، وعلى هذه فإن الدول تستوعب الرسالة جيدا من فشل عدوانها.