إيجابيات وسلبيات الديمقراطية... و"الشغف الديمقراطي" لدى الشعوب العربية

14.07.2019

لطالما أبدت الشعوب شغفها للديمقراطية ، وحلمت ببلدان تجرى فيها انتخابات حرة ونزيهة، ثم تعاظم  هذا الحلم الذي أطلقنا عليه تسمية " الشغف الديمقراطي" أكثر منذ عام 2000 الى يومنا هذا، غير أن المتتبع لمسار الديمقراطية العالمي يجد أنه عرف تراجعا وعدة انتكاسات.
لقد تعمقت مشاكل الديمقراطية أكثر بعد حرب العراق وظهور مايسمى "بالربيع العربي" ولم تعد في نظر الكثيرين إلا وجهة أخرى للاستبداد لهذا فإن الأشكال الذي يطرح نفسه أمامنا هو:
هل نحن ديمقراطيين؟ 
 

أولا يجب علينا أن نفهم ماهي الديمقراطية ؟
مصطلح الديمقراطية مصطلح أغريقي الأصل يتألف من كلمتين: "ديموس"  وتعني الشعب، و"كراتوس" وتعني السلطة الحاكمة، أو الحكم .

انطلاقا من هذا المفهوم فإن الديمقراطية في معناها تعني  حكم الشعب لنفسه، ويعرفها لنكولن أنها حكم الشعب من قبل الشعب ومن أجل الشعب، لكن هل الأنظمة السياسية جسدت هذا المفهوم؟
يرى المفكر الأمريكي توماس جيفرسون  أن الديمقراطية ليست أكثر من حكم الغوغاء حيث يسلب واحد وخمسون في المئة حقوق الآخرين التسعة والأربعين، وأنها من بين الأكاذيب الكثيرة التي بيعت للأجيال والشعوب منذ مطلع القرن 20  وفي نفس السياق يرى المفكر الكسندر بوت أن الديمقراطية في شكلها الحالي تخون التراث السياسي للمسيحية، وأنها فقدت دورها السابق كعنصر مهم في المزيج السياسي، وماهي الا شعار فارغ وخدعة ملتوية.

إذا كانت أمريكا تمثل ديمقراطية ناضجة تعترف على لسان توماس جيفرسون والعديد من الدراسات التي أجريت أن الديمقراطية من أكثر الأكاذيب التي بيعت للأجيال، وأن نظام الحكم الذاتي الخاص بأمريكا عبارة عن جمهورية تمثيلية دستورية تختلف عن الديمقراطية فلماذا نشهد هذا الشغف الديمقراطي. 

إن من بين أسرار تجليات الشغف الديمقراطي هو البحث عن قيم الديمقراطية الحقيقية، بمعنى أدق اختيار شكل الديمقراطية الذي تريده الشعوب، وليس الشكل الذي يتم تصديره، أو فرضه، وهو المعنى الذي شكل الأزمة الحقيقية للديمقراطية في القرن 21 ، ففرض قيم وممارسات الديمقراطيبة الليبرالية انبرى عنه ديمقراطيات شكلية تحافظ على المظهر الخارجي المتمثل في الحفاظ على الانتخابات بينما تقوم بتهميش الحقوق، ودور المؤسسات.

لذلك لو نتأمل انتكاسات الديمقراطية التي شهدها العالم منذ عام 2000  كانت في الديمقراطيات الغربية الناضجة، وتعد الحرب على العراق 2003 - باسم الحرية والديمقراطية-  إحدى الخيبات التي عاشتها الشعوب، وأظهرت أنها تكرس للهيمنة الأمريكية، والغربية لتحقيق المصالح، وهو المعنى الذي عبر عنه فرانسيس فوكوياما " الديمقراطية لا يمكن أن تضع جذورها في أرض صخرية.
ومن بين النماذج الأخرى لانتكاسات الديمقراطية ماحدث في مصر، وليبيا، وسوريا، فلم نشهد الوصفة السحرية للديمقراطية داخل هذه الدول.

ومن منطلق آخر لم تكن الديمقراطية عن منأى التعقيدات والتحديات التي عرفها العالم من أزمات العولمة، وبروز فواعل جديدة، وصعود قوى اقتصادية جديدة شكلت نظاما متعدد الأقطاب يهدد الهيمنة الأمريكية،ومشاكل المناخ، كلها عوامل قوضت جاذبية الديمقراطية وأنهت فكرة أن الديمقراطية ستسود في النهاية، أنتج مايسمى بالديمقراطية الفوضوية – شكل من أشكال تكريس الاستبداد- والتطرف الديمقراطي .

"الربيع العربي" والشغف الديمقراطي 

في سياق التحولات السياسية التي شهدتها عديد الدول العربية خاصة التي احتضنت مايسمى "الثورات العربية" أبدت الشعوب رغبتها القوية في التحرر من أنظمتها الاستبدادية، - التي كتمت على أنفاسها لعقود من الزمن- ، وبناء دول ديموقراطية، ورغم ذلك، وبعيدا عن العاطفة الجياشة والشعارات المنادية بالحرية والمساواة وضمان حقوق الانسان وحق الشعوب في تسيير دولها، يتوجب علينا تبرير النتائج المخيبة التي أتت عكس توقعات هذه الشعوب خاصة في ليبيا وسوريا ومصر، والتي آل التحول الديمقراطي فيها إلى سيناريوهات العنف والتدخلات الخارجية.

فلو تتبعنا التاريخ نجد أن مسار الثورات من أجل الحرية والديمقراطية لم يخلو من دائرة العنف، وأنه سنة طبيعية للتغيير، لكن مع ذلك لا نسلم تماما بحتمية العنف، ونشجب النظرة التفاؤلية اتجاه هذه الثورات، ولعل الأمثلة حاضرة في التجربة التونسية، والثورة السلمية التي تشهدها الجزائر، و سبقتها السودان تؤكد على مؤشر تفاؤلي أن "الربيع العربي" يسير بخطى ثابتة نحو إنشاء مجتمعات ديمقراطية بما يناسب هذه الدول ليبقى الطموح الديمقراطي أملا لهذه الشعوب قد يستغرق عقودا من الزمن في بعض منها. 

فماذا تحتاج الديمقراطية اليوم؟
هندسة الديمقراطيات الجديدة
- تحتاج الديمقراطية اليوم الى هندسة دقيقة خاصة لدى الديمقراطيات الناشئة من خلال تحديث الأنظمة السياسية، وإزالة التطرف اتجاه قيم وممارسات الديمقراطية، ثم استرجاع ثقة شعوبها في الديمقراطية.
- إجراء إصلاحات حقيقية ومعمقة  في تجسيد ديمقراطية سليمة سواء المتعلقة بالأنظمة، أو الأحزاب، أو من يستولي على عمليات الديمقراطية.
- إصلاح نظام التسليم للديمقراطية، والذي من شأنه أن يعزز قيم الديمقراطية بدل أن يغذي التطرف الديمقراطي- تكريس الاستبداد-