مشروع "تمرّدٍ إسلامي" على الهيمنة التاريخية للغرب!
هذا عنوان غير قابل للتصديق ربطاً بالتبعية الكاملة لـ»العالم الإسلامي» إزاء غرب صناعي أوروبي هيمن عليه الأميركيون منذ ستين عاماً تقريباً، لكنها ابتدأت قبل ثلاثة قرون كاملة استحوذت فيها القوتان البريطانية والفرنسية على كل ما هو إسلامي.
للإشارة فإن سبعاً وخمسين دولة إسلامية فيها نحو مليار وسبع مئة مليون نسمة، تخضع للغرب في السياسة والاقتصاد والقضايا الاستراتيجية والاصطفافات الإقليمية والدولية، باستثناء دولتين رافضتين هما إيران وسورية، وبلدان أخرى، تستاء من الأميركيين حيناً وتصمت دهراً خوفاً من ردود فعل أميركية قد تنسف استقرارها بأشكال متعددة.
لماذا هذا التمرّد وما هي أشكاله؟
ثلاث دول هي تركيا وإيران وماليزيا وجدت نفسها في مواجهة رفض أميركي كبير لسياساتها الداخلية والإسلامية والعالمية.
كما تبين لها أن بعض الآليات الأميركية على غرار مجلس التعاون الإسلامي تضغط في اتجاه سياسات رتيبة تحول دون تعاون عميق بين الدول الإسلامية وتؤكد على الولاء المطلق للسياسات الأميركية.
والدليل أن عقوداً مضت على تأسيس هذا المجلس ولم يُصدر قراراً واحداً بتعاون اقتصادي او سياسي بين اعضائه، مكتفياً ببيانات ختامية لمؤتمراته تؤيد التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وإدانة كل من يعاديها.
هذا مع الإشادة في هذه البيانات برعاية هذا المجلس وهي المملكة العربية السعودية وملكها الذي يطلقون عليه خادم الحرمين الشريفين، وذلك لتبرير قيادة بلاده لمجلس التعاون الإسلامي وتوأمه الخليجي.
والثابت في هذين المجلسين أنهما سعوديا القيادة وأميركيا الولاء والتبعية وأنهما لم ينتجا أي شيء مفيد لا للعالم الإسلامي المفترَض ولا للخليج الذي يحافظ على قسمات القرون الوسطى، فليس هناك أي مشروع صناعي بين دوله السبع والخمسين باستثناء التحيات والمكرمات الخليجية المتناثرة على الدول الموالية للأميركيين.
لعل هذه من الأسباب التي دعت إيران اولاً على التمرد على الوصاية الأميركية، ببناء تحالفات وازنة من افغانستان الى اليمن والعراق وسورية ولبنان وتقاطعات مع تركيا وباكستان وماليزيا ودعم كبير ادرك حدود إجهاض المشروع الأميركي الخليجي بنسف القضية الفلسطينية ما أثار خلافاً كبيراً متواصلاً مع السعودية والإمارات وكيلتي الأميركيين في المنطقة.
بدورها تركيا، أرادت تنفيذ طموحات استراتيجية خاصة بها، فاصطدمت بالأميركيين دولياً وبالسعودية التي استشعرت خطراً على زعامتها للعالم الإسلامي.
الواضح هنا، أن هناك خلافاً أميركياً – تركياً وصراعاً سعودياً تركياً يمنع انقرة من تحقيق مشاريعها، فاتجهت نحو التأفف والتذمر وصولاً الى التمرد على الرغم من إصرار الرئيس الأميركي ترامب على الامتناع عن اتخاذ أي قرار يؤدي الى التفجير النهائي مع تركيا، فهذه قد تنتج خسارة في الاستراتيجية والجيوبوليتيك.
لجهة الطرف الثالث في التمرّد فهي ماليزيا المملكة الصغيرة التي تضرّرت من الإقفال الأميركي لأسواق إيران في وجهها، فلم تعد تستورد منها أو تصدّر اليها، التزاماً بالحصار الأميركي الخانق عليها.
لذلك دعت هذه الدول الى قمة لرؤساء الدول الإسلامية تختتم أعمالها اليوم ببرنامج عمل يشكل تحدياً مباشراً للزعامة السعودية والوصاية الأميركية على العالم الإسلامي، حتى أن الملك سلمان وولي عهده أعلنا فيه أنهما لا يعترفان بقمة كوالالمبور، مؤكدين أن مكان مناقشة حاجات العالم الإسلامي هو حصرياً مجلس التعاون الإسلامي الذي تترأسه السعودية.
لكن القمة انعقدت بمزيد من التحديات لوصاية واشنطن وبرنامج عمل يبتدئ بضرورة إحداث تغيير في المرجعيات الأساسية في منظمة الأمم المتحدة، وذلك بإلغاء النتائج السياسية للحرب العالمية الثانية التي حصرت إنتاج القرار الأممي في مجلس الأمن بخمس دول هي أميركا وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين. وتُصرُ قمة ماليزيا على عضوية إسلامية في مجلس الأمن لأن المسلمين الذين يزيدون عن مليار وسبع مئة مليون نسمة يشكلون اكثر من ربع العالم، سكاناً ومساحات، داعين الى اتفاقات تجارية وصناعية بين بلدان هذا العالم وآليات مصرفية ومالية تنقذه من هيمنة الدولار ونظامه المالي الأميركي، وذلك بالتبادل بواسطة عملات الدول الإسلامية.
ولاكتساب المزيد من شمولية الدور، تطرّقت هذه الدول الى ضرورة إيجاد حلول لأزمات سورية واليمن وأقليات الرهينغا وميانامار والإيغور الصينيين، واستنكرت صعود الإسلاموفوبيا بالدعوة الى القضاء على حواضنها الفكرية وذلك في إشارة خفية للوهابية السعودية.
والطريف أنها أصرّت على إصلاحات في انظمة الحكم في الدول الإسلامية لتتلاءم مع العصر الحديث.
ماذا يعني هذا الكلام؟ إنه خطير جداً وخصوصاً في تصديه للأميركيين والسعوديين في آن معاً.
والدليل رفضه للسيطرة الغربية في المؤسسات الدولية والإقليمية، ودعوته الى حصر التعاون بين دول إسلامية، وعلى أساس استبعاد الهيمنة الأميركية المتجسّدة في هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي.
فتكون هذه الدول الثلاث ومعها عشرون دولة إسلامية أخرى تحضر المؤتمر، قد بدأت تمرداً على السيطرة الغربية على العالم الإسلامي منذ ثلاثة قرون وربما أكثر إذا جرى ربطها بالاحتلال الروماني قبل الإسلام والفرنجة منذ ثمانية قرون.
يكفي أن هؤلاء المجتمعين دعوا الى دراسة أسباب تراجع الحضارة الإسلامية، معتبرين ان العالم المعاصر أكبر من أحجام الدول الخمس المسيطرة على مجلس الأمن.هذا لا يعني أن العالم الإسلامي بدأ بالانقلاب على الغربيين نظراً للأسلاك الرهيبة التي تربط دوله بالسيطرة الغربية، لكنه يجسّد في أدنى الاحتمالات مشروعاً مستقبلياً لإنقاذ المنطقة من براثن الغرب، ويفتح الآفاق على صراعات داخل هذا العالم تدفع باتجاه إنهاء العصر السعودي المتخلف الذي يسيطر على العرب والمسلمين بالنفط والناقة والنفوذ الأميركي الإسرائيلي