ليبيا تدخل مرحلة خطيرة.. المنطقة الجنوبية تشتعل!
تزامناً مع انطلاق العمليات العسكرية التمهيدية في محيط مدينة درنة التي تحاصرها قوات الجيش الوطني الليبي، دخل الملف الليبي في مرحلة جديدة وخطيرة بتدهور ملحوظ في الأوضاع الأمنية في المنطقة الجنوبية بشكل عام، وفي محيط مدينة سبها جنوب غرب البلاد بشكل خاص.
هذا التدهور كانت له مقدمات عديدة منذ أواخر العام الماضي، تتعلق بنشاط مجموعات معارضة سودانية وتشادية تتخذ من المنطقة الجنوبية مقراً لها، ففي أيلول/ سبتمبر من العام الماضي دارت اشتباكات بين قبيلة التبو ومسلحين تابعين لمجموعات سودانية معارضة، وفي شهر كانون الأوَّل/ ديسمبر حدثت اشتباكات مماثلة بين قبيلة القذاذفة وعناصر من المعارضة التشادية في مدينة سبها.
كذلك شهدت هذه المنطقة سلسلة من عمليات خطف الأجانب كان آخرها اختطاف عمال دوليين في مطار أوباري في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وعامل آخر وشخص أوكراني الجنسية من سبها في كانون الأول/ يناير الماضي، ومؤخراً اختطف عناصر تابعين لجماعة العدل والمساواة السودانية ثمانية عشر شخصاً جنوبي مدينة الكفرة، و12 سائق شاحنة في منطقة سيف البرلي جنوبي الكفرة.
بشكل عام، تتمركز في هذه المنطقة عشرات المجموعات المعارضة من السودان وتشاد ومالي والنيجر، منها فصيل الحركة من أجل العدالة والديموقراطية في تشاد، والقوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء، وجبهة الوفاق من أجل التغيير، والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية، وتجمع القوى من أجل التغيير، وحركة العدل والمساواة السوداني.
الاشتباكات الحالية تتداخل فيها أطراف عديدة، حيث تشارك فيها عناصر من قبيلتي التبو وأولاد سليمان، ومجموعات سودانية وتشادية معارضة. الاشتباكات دارت بشكل أساسي في مدينة سبها وتحديداً أحياء حازورة والناصرية والطيوري ومحيط مطار المدينة ومدخلها الجنوبي. كان تحرك الجيش الوطني سريعاً لتطويق هذه الاشتباكات، فأعلن عن بدء عملية "فرض القانون" في المنطقة الجنوبية، وتدفقت التعزيزات العسكرية إلى مناطق عدة في الجنوب منها قاعدة براك الشاطئ الجوية التي وصلت إليها مقاتلتان تابعتان لسلاح الجو الليبي وتعزيزات من المشاة والمدرعات تتبع للكتيبة 25 مشاة، إلى جانب تعزيزات أخرى وصلت لمدينة الكفرة ومحيط مطار تمنهنت. ومن ثم بدأت الطلعات الجوية من قاعدة براك الشاطئ واستهدفت مواقع تابعة للمعارضة التشادية جنوبي منطقة جبل الهروج شرقي سبها، ومناطق جنوبي سبها، منها تمسه وغابة النخيل وجبل بني غنيمة وشرقي جبل تربو، كما نفذت كتيبة "سبل السلام" التابعة للجيش الوطني اشتباكات عديدة مع المجموعات المعارضة التشادية والسودانية جنوبي الكفرة.
بالتوازي مع هذه التحركات من قبل الجيش الوطني، أرسلت وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس تعزيزات تتبع للواء المشاة السادس إلى سبها، وخاضت معارك استعادت فيه مبنى كتيبة شهداء سبها.
كان من الأشياء اللافتة في هذا السياق تنفيذ طائرة أميركية دون طيار غارة على مبنى في مدينة أوباري نتج عنها مقتل عدد من الأشخاص، وأفادت قيادة القوات الأميركية في أفريقيا أنهم ينتمون لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
في مدينة درنة، بدأت قوات غرفة عمليات عمر المختار في عمليات إزالة الألغام من محاور الهجوم المرتقب الخمسة، وبدأت عمليات تمشيط تمهيدية ركزت على المحاور الجنوبية والغربية، واستهدفت بدعم جوي ومدفعي من الكتيبة 321 مناطق حجاج تمسكت ومدرسة الشرطة الثانوية ومقر الشركة الصينية، وأحبطت محاولة هجومية من جانب عناصر مجلس شورى مجاهدي درنة للالتفاف حول مواقع تابعة للكتيبة 128 في منطقة وادي الناقة غرب درنة.
ويتوقع خلال الأيام القادمة بدء العملية على المحاور الخمسة للهجوم وهي محاور مرتوبة، النوار، الظهر الحمر، عين مارة والساحل، بالتزامن مع بدء عمليات جوية لتدمير نحو 160 هدفاً تم تحديدها في داخل المدينة ومحيطها.
ومن أجل دعم هذه العملية، أقامت قوات الجيش الوطني نقطة بحرية جديدة شرق المدينة على بعد 55 كم في منطقة خليج البمبة، للدعم البحري في حالة بدء العمليات، وللمساعدة في حماية وتأمين منطقة الحظر البحري المفروضة قبالة سواحل درنة، والتي تم فيها خلال هذا الشهر اعتراض سفينتي صيد مصريتين وسفينة شحن تركية وناقلة نفط يونانية.
منذ أواخر الشهر الماضي، لوحظ تصاعد نشاط عناصر تنظيم داعش في مناطق جنوب بني وليد وسرت وخليج السدرة، بالتزامن مع سلسلة من الهجمات على نقاط تفتيش تابعة للجيش الوطني أو لحكومة الوفاق، من هذه الهجمات هجوم بسيارة مفخخة على منطقة بوابة الستين جنوبي مدينة أجدابيا، وهي بوابة ترابط فيها قوة من الكتيبة 152 مشاة التابعة للجيش الوطني، وتربط بين جنوب وشمال المنطقة الشرقية.
ثم تعرضت مدينة أجدابيا لهجوم آخر بسيارة مفخخة استهدف هذه المرة بوابتها الشرقية وتبناه تنظيم داعش.
تعرّض الجيش الوطني لهجومين آخرين، الأول انتحاري استهدف موقع تمركز للكتيبة 127 مشاة في بوابة الكنشيلو الواقعة على بعد 22 كم غربي مدينة ودان، والهجوم الآخر استهدف تمركزاً للكتيبة 165 التابعة لغرفة عمليات سرت الكبرى على بعد 90 كم شرق المدينة. يضاف إلى ذلك هجوم تعرضت له قوة تابعة لحكومة الوفاق في طرابلس في بلدة أم الأرانب جنوبي سبها.
هذا النشاط المتزايد لتنظيم داعش، دفع قوات تأمين وحماية سرت التابعة لحكومة الوفاق الوطني إعلان النفير العام في سرت ومحيطها، كذلك الحال في منطقة الهلال النفطي، حيث وصل إلى أجدابيا تعزيزات تابعة للواء 210 المنضوي تحت لواء الجيش الوطني، وبدأت سرية مرازة وزلة في تسيير دوريات لتأمين الطريق ما بين حقل المبروك النفطي وبوابة التسعين شرقي سرت.
وفي السياق نفسه، قام قائد الجيش الوطني بعدة تعديلات في المناصب القيادية بالجيش، حيث قام بعزل قائد القوات الخاصة ونيس بوخمادة من قيادة غرفة عمليات بنغازي المركزية، وأسند إليه قيادة عملية درنة، وعين الفريق الناظوري كقائد جديد للغرفة. إلى جانب تعيين قائدين جديدين لغرفتي عمليات الكفرة وسبها.
في بنغازي، استمرت التفجيرات التي تضرب المساجد داخل المدينة، فانفجرت سيارة مفخخة قرب مسجد سعد بن عبادة في منطقة الماجوري، وتم إبطال مفعول عبوة ناسفة قرب مسجد ومحطة للوقود جنوب غرب المدينة. كذلك استمرت عمليات الاغتيال والاستهداف التي يتعرض لها عناصر الجيش الوطني داخل المدينة، وكان آخرها اغتيال عضو لجنة الجرحى بالقوات الخاصة في منطقة عين زيانة شمالي المدينة.
واشتبكت قوات تابعة لغرفة عمليات بنغازي المركزية في منطقة قنفوذة غربي المدينة مع عناصر كتيبة "على الثمن" التابعة للجيش الوطني وسيطرت على مقرها، بعد رصد مخالفات ارتكبتها هذه الكتيبة تجاه أهالي المدينة.
أما عن الوضع في طرابلس، فلم يتوقف مسلسل اختطاف الموظفين الحكوميين، وكان آخرهم عميد بلدية طرابلس والمدعي العام العسكري، كذلك تتجه المدينة إلى موجة جديدة من الاشتباكات الداخلية، مماثلة لما تمّ خلال الشهور الماضية في مناطق الرقيعات وسوق الخميس والسبيعة، حيث تحشد ميليشيا "الكاني" عناصرها جنوبي غرب المدينة للاشتباك مع قوات وزارة الداخلية، في معركة ربما تتدخل فيها كتيبة ثوار طرابلس التي اشتبكت عدة مرات سابقاً مع ميليشيا الكاني.
على الرغم من تأكيد كافة الأطراف الليبية، وعلى رأسها الجيش الوطني أنّ الأولوية الحالية هي للانتقال السياسي وللانتخابات المقبلة، إلا أنّ اندلاع الاشتباكات في المنطقة الجنوبية، واستمرارها بشكل متقطّع من حين لآخر في مناطق أخرى مثل صبراتة، إلى جانب الغارة الأميركية على مدينة أوباري، كلها مؤشرات تشير إلى أن ليبيا ما زالت بعيدة جداً عن الحل السياسي، وأن بدء عمليات درنة ربما كان حافزاً لدى البعض لإشعال الأحداث في الجنوب لتشتيت مجهودات الجيش الوطني. لكن على الجانب الآخر، ربما تكون هذه الظروف فرصة للجيش كي يكمل فرض سيطرته على الجنوب، وهي سيطرة كانت قد تزايدت بعد دخول قاعدة براك الشاطئ ومدن أخرى في الجنوب منتصف العام الماضي، هذه السيطرة ضرورية في هذا التوقيت نظراً لأن الجنوب الليبي بات مسرحاً لعدد كبير من اللاعبين، أكبر حتى من أن يحتمله ميدان واسع وممتد مثل الميدان الليبي.
المصدر: الميادين