الأتراك ينحسرون في سورية بفعل التوازنات الجديدة

24.10.2019

يبذل الأتراك جهوداً ميدانية وسياسية لوراثة التراجع الأميركي والغربي والخليجي معتقدين بأن انهيار المشروع الكردي هو الوسيلة لتمددهم في الشمال والشرق السوريين.

ميدانياً باشروا بتنفيذ عملية عسكرية أسموها «نبع السلام» للتقدم بعمق 32 كيلومتراً وطول 480 كيلومتراً مستولين على قسم منها، لكنهم أصيبوا بصدمة جراء مسارعة الجيش العربي السوري الى التقدم نحو الحسكة ودير الزور والقامشلي وصولاً الى منبج وعين العرب.

ولم يتوقف إلا بطلب روسي يراهن على تفاهمات مع الترك تؤدي الى عودة الدولة السورية الى هذه المناطق والمحافظة على مؤتمري آستانا وسوتشي مرجعيتين اساسيتين لحل الازمة السورية.

يستمد الأتراك أدوارهم في سورية من الجوار الجغرافي الكبير بحدود مشتركة تبلغ 910 كيلومترات وبتداخل ايديولوجي مع تنظيم الاخوان المسلمين وفروعه العربية والسورية.

هناك ايضاً عناصر أخرى لا تقل قوة واولها اضطرار الأميركيين الى تأييد مشروعهم التركي بعد انسحابهم من معظم مناطق سورية تدريجياً، مقدّمين انفسهم حاجة استراتيجية للاميركيين والاسرائيليين لانهم باتوا طرفاً وحيداً معادياً للدولة السورية ولديه طموحاته التاريخية فيها.

لقد بات المشهد السوري اليوم مفروزاً بين دولة سورية جسورة تتحالف مع الروس والإيرانيين ميدانياً من جهة والأتراك المدعومين من الاميركيين والإسرائيليين معنوياً وسط تقدم كردي يسعى للعودة الى الدولة السورية.

اما السعودية والامارات فتعارضان الدور التركي الاخواني على زعامة العالم الإسلامي مع خشيتهما من تسلل الاخوان الى بلديهما فكرياً وبالتالي سياسياً.

ضمن هذه المعطيات تبدو نتائج اللقاء الأخير بين الرئيسين الروسي بوتين والتركي اردوغان هامة لجهة تطبيقه لموازنات القوى الجديدة على اساس ان الحلف السوري الروسي هو الوحيد القادر على تنظيف منطقة حدودية وداخلية في سورية بزعم اردوغان انها مليئة بحزب العمال الكردستاني الارهابي في القانون التركي.

لذلك انتزع الروس من انقرة تأييدها وحدة الاراضي السورية وتأييد سوتشي وآستانة لجهة انعقاد اللجنة الدستورية المكلفة بتطوير آلية دستورية جديدة لسورية.

لجهة الجانب الأمني، فقد تمكن الروس من إقناع الأتراك بالجيش السوري والشرطة الروسية قوى أساسية في سحب الكرد من المنطقة الآمنة، وبذلك يفصل الجيش السوري بين «قوات سورية الكردية» وبين الجيش التركي، وبما أن اتفاقية أضنة الموقعة بين سورية وتركيا في 1998 تلحظ حق ملاحقة الجيش التركي للإرهابيين الكرد كما يصفونهم الى عمق سورية بين 5 وعشرة كيلومترات، فقد وافق الروس على هذا المدى إنما بمشاركة شرطتهم ووحدات من الجيش السوري.

إن لهذا الاتفاق اهميات سياسية تؤكد على تراجع تركيا عن أهدافها بإسقاط الدولة السورية ورئيسها بشار الأسد. وهذا يعني انكفاء المشروع التركي كحال المشاريع الغربية والخليجية الاسرائيلية.

يفتح أيضاً الباب على تفاهمات في ادلب وعفرين تذهب نحو انسحاب تدريجي تركي منها، لكن أردوغان يطلب مقابلاً في إطار اللجنة الدستورية على مستوى دمج مؤيديه من تركمان سورية وبعض المعارضات في نتائج الآليات الدستورية الجديدة.

يتبين إذاً ان هذا الاتفاق يؤمن وحدة الاراضي والاستقرار ناسفاً امكانية الصدام السوري التركي ملبياً مشروع وحدة الأراضي السورية ومتعاملاً بإيجابية مع الرعب التركي من المشروع الكردي في سورية الذي ينشغل في حال نجاحه وبشكل آلي الى شرق تركي حيث يوجد 15 مليون كردي دفعة واحدة مستعدين للانفصال الفوري وتشكيل الدولة الاولى المرتقبة لهم في المنطقة، فالمشاريع الكردية المتعددة للانفصال في مراكز انتشارهم في إيران والعراق وتركيا وسورية فشلت منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم.

فهل ترعى روسيا حواراً سورياً تركياً مباشرة بعد تطبيق المرحلة الأولى من المنطقة الآمنة؟

الأسباب التي ترغم الاتراك على هذا الحوار تتعلق بالتغيير الكبير في موازنات القوى بعد انهيار التمرد الكردي على الدولة بتغطية أميركية وخسارة الارهاب في مجمل مناطق الدولة وتراجع المشروع الأميركي وإنهاء التآمر الخليجي والانكفاء الاسرائيلي، لهي عناصر هامة تجعل التركي يشعر بمحدودية دوره، فيعمل بموجب الانتهازية المسيطرة على أدائه السياسي بفتح حوار مع الدولة السورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من طموحاته، وبذلك يكسب اردوغان تأييداً من طرف روسي أصبح جزءاً اساسياً من توازنات دولية وتتعمّق علاقاته مع إيران بما يؤدي الى تشكيل خط روسي ايراني تركي يربط بحر قزوين بحدود تركيا مع أوروبا والمتوسط الى جانب خط روسي إيراني عراقي سوري يستكمل مشهد شرق أوسط متحرّر من الوصاية الأميركية والطموحات الطورانية العثمانية.

هل ينجح الاتفاق الروسي الإيراني؟

يحمل كل إمكانات النجاح لجهة تقلص امكانات المنافسين بما يؤسس لدور اقليمي سوري بتنسيق عراقي بوسعه تأدية دور كبير يحجب عصر الظلام المنبثق من مغامرة كامب ديفيد التي كادت أن تطيح بقضية فلسطين لولا الصمود السوري ومقاومة غزة وحزب الله وبسالة اليمنيين الشجعان.