التحول في الشرق الأوسط على المستوى الدولي
تتحول جميع الصراعات في الشرق الأوسط تقريبا لتصبح بسرعة صراعات دولية. وقد أبرز التدخل العسكري في كل من أفغانستان والعراق وليبيا دور القوى العالمية، التي يبدو أن لها تأثيرا متزايدا في وضع دول المنطقة على حساب نفوذ الجهات الفاعلة الإقليمية. وقد تراجع وجود الجهات الدولية، وخاصة الولايات المتحدة، في المنطقة في السنوات الأخيرة. التجربة السلبية لعام 2000 أجبرتهم في وقت مبكر على اتخاذ موقف أكثر حذرا تجاه التدخل في الشرق الأوسط. الاستعداد لتقديم أي دعم عسكري لأية معارضة للأنظمة الاستبدادية (وليس هناك أية حكومات أخرى في الشرق الأوسط)، وعدم الرغبة في تحمل مسؤولية التطورات اللاحقة حولت التدخل الأجنبي إلى وصفة لتدمير الدول. على سبيل المثال، في ليبيا دعمت منظمة حلف شمال الأطلسي العصابات المحلية ذات التنظيم السيئ، والتي لا تملك إستراتيجية سياسية واضحة، وهي تتألف من جهات فاعلة تقليديا وذات نوايا غير واضحة تجاه الحلفاء الغربيين. تتفق الأطراف الفاعلة العالمية على ضرورة إنشاء نظام مستقر في العلاقات الدولية يخص منطقة الشرق الأوسط، ولكن الجهود المشتركة لتحقيق هذا الهدف تتم إعاقتها بسبب العديد من القضايا. ومنها ما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، واستمرار الخلافات بشأن قضايا أخرى وعدم الثقة المتبادلة والمقاربة المختلفة لاختيار التكتيكات والاستراتيجيات التي تخص دول المنطقة.
الصراع الاقليمي والدولي للتأثير
في نفس الوقت، أظهر الصراع السوري أن الجهات العالمية مثل روسيا والولايات المتحدة تريد الحفاظ على قدرتها على التأثير في أحداث المنطقة، مع أن هناك قدرة على التعاون المثمر في حالات الطوارئ. وقد أصبحت الجهات الفاعلة الإقليمية، بما في ذلك تلك الجهات غير التابعة للدولة، أكثر نشاطا في الشرق الأوسط منذ مطلع العام 2010. مناقشة القضية الليبية في مجلس الأمن الدولي التي بدأت من قبل جامعة الدول العربية، التي أصبحت جهة فاعلة رئيسية في الأزمات السورية واليمنية والليبية. المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة من بين المطالبين بالقيادة الإقليمية مع إيران وتركيا وإسرائيل. تاريخ طويل من العلاقات المعقدة بين القوى الإقليمية والعالم العربي تمنعه من عرض طلباته المشروعة. ونظرا لتقلب الأوضاع بما فيه الكفاية، يمكن لبعض الدول الأخرى أن تدعي هذا الدور، على سبيل المثال قطر. كل قوة في الشرق الأوسط لديها مصالحها الوطنية التي تتعارض مع اللاعبين الإقليميين والعالميين الآخرين. كانت العلاقات بين إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وإسرائيل متوترة لفترة طويلة وتدهورت في بعض الأحيان إلى درجة كبيرة. نحن نرى اليوم المزيد من النشاط من جانب الدول الطرفية - إيران وتركيا - التي زادت التوترات بينها بشأن مشاكل طويلة الأمد وخلقت أسبابا جديدة للمواجهة. في نفس الوقت، أصبحت العلاقات بين بعض الخصوم السابقين ودية، على سبيل المثال، في حين أن العلاقات الإسرائيلية التركية قد تدهورت، يبدو أنها بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية أفضل ، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن دول الخليج الأخرى. المحرك الرئيسي هنا ليس تشابه المصالح الجوهرية وإنما الحاجة إلى عدو مشترك، سواء أكان إيران أو حزب الله أو الأسد، وهذا هو السبب أن هذا الاتجاه غير مستقر ويعتمد بشكل كبير على الظروف. وعموما، فإن غياب الرؤية الإستراتيجية للمنطقة، يجعل القوى الإقليمية تسعى في المقام الأول إلى تعزيز مواقعها، وعدم الاعتراف ب "الخطوط حمراء" والحدود المقبولة مما جعلها تعتمد في الغالب على القوة العسكرية. هذه السلوكيات تميل إلى سلوك سياسة حافة الهاوية أو المواجهة العسكرية. ولأن جزءا كبيرا من المنطقة في حالة حرب منذ فترة طويلة فإن المستوى العام للصراع في العالم يزداد، ولكن عتبة العنف أصبحت أقل، كما يتضح من تصرفات المنظمات المتطرفة وحتى الجهات الحكومية.
ميزان القوى وتبادل المنافع
ميزان القوى بين القوى الإقليمية والقوى العالمية يتغير. تعترف القوى الإقليمية بقدراتها المحدودة وتستمر في الاعتماد على الشركاء الدوليين. ومع استمرار نمو الطموحات بحصص أكبر في المعركة الإقليمية فهي تستخدم القوى العالمية لصالحها. خلال الحرب الباردة، حاولت دول المنطقة إشراك حلفائها الدوليين في الإقليم. التنافس الدائر في الشرق الأوسط يسبب التشتت، حيث تتقاتل الدول للحفاظ على النظام القديم أو خلق نظام جديد، مما جعل القوى العالمية مرة أخرى تؤثر بحلفائها الإقليميين. في نفس الوقت فإن غرور القوى العظمى، ومحاولاتها حكم المنطقة من خلال وضع جدول الأعمال المناسب لها في الشرق الأوسط قد زاد من التوتر. ومن المعروف أن الجهات الفاعلة الإقليمية تعمل على استخدام العلاقات الشخصية لتحقيق مكاسب على حساب الشركاء العالميين وخاصة عندما تكون العلاقات الشخصية جيدة، ومع ذلك، يمكن أن يحدث العكس، وبالتالي يمكن أن تتعقد الشراكة الإستراتيجية الموثوقة عندما لا تتطور العلاقات بين القادة. قد تؤدي محاولات القوى الإقليمية لتحقيق أهدافها إلى زعزعة استقرار العلاقات الدولية بشكل جدي أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي نظرا للدرجة العالية من الترابط بين القوى الإقليمية والعالمية، على الرغم من القدرات غير المتماثلة بينها. يجب أن نعترف أن بعض قادة المنطقة لم يحاولوا الاستعداد للعبة سياسية أفضل مع الشركاء العالميين، الذين يفشلون أحيانا في توقع ردود أفعال شركائهم حول قضايا حاسمة بالنسبة لبعض الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط ، على الجهات الفاعلة أن تتخذ قرارات سياسية مع مراعاة رأي الخبراء وخدمات العملاء وتاريخ المجتمعات المحلية. في ضوء عدم قدرة الاتحادات الإقليمية القديمة: مثل الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع مشاكل المنطقة التي تزداد تعقيدا، بذلت محاولات لخلق تحالفات واتحادات جديدة. ومع ذلك، فقد تم تصميمها فقط للتعامل مع القضايا الراهنة بدلا من تنسيق الجهود الإقليمية. على سبيل المثال، التحالف الذي تقوده السعودية من حوالي 40 بلدا يتطلع فقط ليكون معاديا للشيعة بدلا من مكافحة داعش. مسألة التعاون بين القوى الإقليمية والعالمية ليست فقط حول الشرق الأوسط. ولكن يجب وضع قواعد أكثر وضوحا وأكثر أمانا لكي لا يتحول الصراع إلى ردة فعل مبالغ فيها، أو استخدام القوة العسكرية في حالات الأزمات، أو إنفاذ القرارات على الآخرين.