هل تأخذ سياسة ترامب الصراع إلى مزيد من التصعيد

30.04.2018

"علاقتنا مع روسيا هي اليوم في أسوأ مراحلها، وهذا يتضمن الحرب الباردة. لا سبب لذلك. روسيا بحاجة لمساعدتنا في اقتصادها، وهو أمر يسهل القيام به ونحن نحتاج كلّ الأمم للقيام بذلك. أوقفوا سباق التسلح!".

كانت هذه إحدى تغريدات الشهيرة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 11 ابريل / نيسان الجاري قبل العدوان الثلاثي  على سورية بثلاثة أيام.

"أوقفوا سباق التسليح.. ! ..Stop the arms race" هذا ما يجب الوقوف عنده، وقراءة الغاية من مثل هكذا دعوة، أطلقها ترامب الرئيس الأمريكي لروسيا العائدة إلى مكانتها العالمية بمظلة نووية إستراتيجية لا تضاهى، حسبما أعلن رئيسها فلاديمير بوتين في خطابه مارس/ آذار الفائت.

فهل أدى هذا العدوان عملاتيا إلى وقف سباق التسلح؟

إن استعراض بسيط للنتائج التي تلت نية شن العدوان، وأعقبت تنفيذه، يخلص بنا إلى الآتي:

جراء إعلان أطراف العدوان نيتهم شن ضربة عسكرية على سورية، رتب ذلك قيام روسيا الاتحادية الحليف الاستراتيجي للدولة السورية، بزيادة قدرتها وتواجدها العسكري في شرق المتوسط بشكل شبه مضاعف، حيث أعلنت البحرية الروسية في الحادي عشر من الشهر الحالي عن بدء مناورات بحرية قبالة الساحل السوري، وعلى المستوى الجوي نفذّت القوات الجوية الروسية قبل بدء الهجوم عمليات مراقبة للساحل السوري، نفذّها تشكيل من قاذفات السوخوي 34 ومقاتلات سوخوي 30، وقد لوحظ تسلّح هذه الطائرات بتسليح كامل، كما طلب سلاح الجو الروسي من إيران استخدام قاعدة همدان الجوية للتمركز مؤقت لقاذفاتها بعيدة المدى وطائرات التزود بالوقود عند الحاجة.

تم العدوان، واستهدفت الضربة العسكرية عدة مواقع صغيرة، ويقال إعلاميا أن مجموع ما تم إطلاقه من صواريخ خلال هذا الهجوم الذي أستمر لمدة 50 دقيقة بلغ ما يزيد عن 100 صاروخ، تم إطلاقها على 3 دفعات، كان لصواريخ التوماهوك فيها النصيب الأكبر بنحو 65 صاروخ.

تمكنت وسائط الدفاع الجوي السورية بكامل أنواع منظوماتها، وفي مقدمتها منظومتي بانتسير القصيرة المدى وبوك أم متوسط المدى، من إسقاط 71 صاروخ، ما يعني فشل العدوان في تحقيق الأهداف التي قام لأجلها.

ولكن ماذا بعد العدوان؟ 

الرد الأول يوم العدوان من قبل الجانب الروسي أتى دبلوماسيا على لسان سفيرهم لدى واشنطن أناتولي أنطونوف بقوله: "حذرنا من أن مثل هذه الإجراءات لن تمر دون عواقب، والمسوؤلية عنها كلها تقع على عاتق واشنطن ولندن وباريس".

سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية قال لقناة "  BBC"، في 16 أبريل / نيسان عقب الضربة العسكرية: "سيكون هناك عواقب بالتأكيد للضربة الثلاثية، وفي الواقع، نحن نفقد آخر بقايا الثقة بأصدقائنا الغربيين".

أما وزارة الدفاع الروسية فقد أشارت في نفس اليوم الذي تم فيه العدوان، إلى أن موسكو ستعيد إلى الواجهة إمكانية تسليم سوريا لصواريخ ""S-300 بعد الضربة.

أعقب ذلك وفي وقت لاحق من الشهر الحالي بتاريخ 25 ابريل/ نيسان الحالي، إعلان وزارة الدفاع الروسية أن موسكو ستسلم سورية قريبا منظومات دفاع جوية متطورة، من دون أن تحدد طبيعتها، حيث قال رئيس إدارة العمليات في قيادة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي في مؤتمر صحافي له: "إن الخبراء العسكريين الروس سوف يستمرون في تدريب زملائهم السوريين فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الجديدة".

ثم تعددت بعد ذلك التقارير الصحفية والأخبار، التي ترجح وصول منظومة صواريخ ""S-300 واستلامها من قبل الجيش السوري، ولكن حتى الآن لاشيء معلن من قبل أصحاب العلاقة في كلا الجانبين الروسي والسوري، حول حقيقة هذا الأمر.

بناء عليه فإن كل ما سبق يدفعنا لطرح حزمة من الأسئلة هي:

- هل تحقق لأمريكا ممثلة برئيسها ترامب ما دعا روسيا لأجله، في تغريدته تلك؟

- وهل من دعا لاعتماد إستراتيجية عقيدة نووية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية، وفسرها في أعقاب توقيعه مرسوم السياسة الدفاعية للعام الحالي - والبالغة قيمتها حوالي 700 مليار دولار- بقوله: "اليوم بتوقيع الميزانية الدفاعية نحن نسرع عملية استعادة القوة العسكرية للولايات المتحدة بالكامل." هو حقا جاد بدعوته لوقف هذا السباق؟

-وهل من ظهر في 20 مارس/ آذار الماضي، لدى استقباله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كمندوب مبيعات، وبيده لوحات كرتونية تعرض تفاصيل الاتفاقيات العسكرية بين الجانبين، والتي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات، هو اليوم يرغب بوقف التسلح؟

إن حزمة الأسئلة السابقة والهامة بعد كل هذا العرض لما سبق العدوان وما تلاه من نتائج، تجيبنا عن جوهر سؤالنا الرئيس والذي مفاده: هل أدى هذا العدوان عملاتيا إلى وقف سباق التسلح؟

فالجواب حتما لا، لم ولن يؤدي إلى ذلك، ولن يكون يوما هناك وقف لسباق التسلح في هذا العالم، ما دامت هناك قوى كبرى مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والشرائع الدولية، وتنتهك سيادة دول مؤسسة في الأمم المتحدة، مستخدمة حجج واهية غير قادرة على إثبات صحتها، ولا بأي شكل من الأشكال.

نعم قد يكون ترامب تاجر، ويتعامل مع كل شيء حوله بمبدأ تجاري بحت قائم على الربح والخسارة، ولكن من يطلق هذه التغريدات حتما يعلم جيدا جدوى وفعالية إطلاقها.

فترامب هو رئيس مرحلة في أمريكا، مرحلة مطلوب فيها وجود رجل بهكذا عقلية مالية، وبعيون ترى العالم عبارة عن صفقات على هيئة الدولار الأمريكي، ليس إلا، ولكن هل ستترك له وحلفاؤه الفرصة في النجاح روسيا وحلفاؤها ...!

الواضح حتى الآن يبدو لا، لن تترك لهم أيتها فرصة، فلا شيء يعود للوراء، وروسيا الاتحادية اليوم غير الأمس، ولكن يبقى كل شيء رهن التطورات في القادم من الأيام...