الحلف الروسي ــ الإيراني بديلٌ من انهيار الاتحاد السوفياتي!!

05.08.2017

أدّى انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 إلى استباحة أميركية كاملة للعالم، فسقطت في سلالها الشرهة المنظّمات الإقليمية والدولية، ودول حلف وارسو ومعظم شرق أوروبها وغربها و«الشرق الأوسط» وجنوب شرق آسيا.

لم تصمد إلا إيران… ظلّت تكافح محاولات إسقاط نظامها الإسلامي، فتصدّت بدايةً للحرب الأميركية الخليجية عليها بواسطة جيش صدام حسين من 1980 حتى 1990، وأجهضت مشاريع عسكرية أميركية داخل أراضيها، كما احتوت عقوبات هائلة ما كان يمكن لأيّة دولة أن تتحمّلها فرضتها عليها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيّون ومعهم روسيا أيضاً… التي لم تعد روسيا السوفياتية، بل بلاد «السكّير» يلتسين الذي كاد أن يحوّل وطنه ولاية أميركية كاملة على وقع كؤوس الفودكا.

وهكذا استغلّ الأميركيون انهيار منافسهم الدوليّ، فدمّروا أفغانستان والعراق وسورية واليمن والصومال وليبيا، خانقين ما تبقّى من العالم ومحاولين إعادة تشكيل كيانات سياسية صغيرة تقوم على أنقاض الدولة الوطنيّة في محاولة لاستباق صعود مرجعيات دولية جديدة، قد تنافسهم على الأهميّة الدوليّة آنفاً.

أتاح الصمود الإيراني الفرصة لقيام قوى معترضة على الهيمنة الأميركية، فكان حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق.. والجيش السوري الذي حمى بلاده مانعاً التمدّد الإرهابي في العالم بأسره.

ضمن هذه المناخات البطولية، سقط يلتسين «المدمن» لمصلحة انتصار بوتين المؤمن بأهميّة روسيا ذات الماضي السوفياتي الذي انتسب إليه الرئيس الروسي الجديد سابقاً.

أدرك بوتين منذ وصوله إلى الكرملين أنّ واشنطن لا تقبل موسكو إلا جرماً يدور في فلكها، وبإمكانات ضعيفة لا تسمح لها باسترداد فضاءاتها السوفياتية السابقة. ولأنّ روسيا بالنسبة للأوروبيّين والأميركيّين حصان أسود يحاول دائماً أن يكون في طليعة السباق، أصرّوا على التعاقد معها في إطار روابط لا تؤدّي إلى عداوة، لكنّها لا تنتج صداقة. مع مواصلة حصارها في حدائقها الخلفية السابقة في أوروبا الشرقية والبلقان والقوقاز، ومنعها من تحقيق تقدّم كبير على المستويين العسكري والاقتصادي، متلاعبين بأسعار النفط والغاز للحدّ من صعودها، فموسكو تراجعت صناعياً وأصبحت تعتمد على بيع موارد أوّلية وطاقة هي منتجة أساسية فيها.

هذا ما جمع بين روسيا وإيران، وهو الضغط الأميركي عليهما في آن معاً. الأمر الذي استولد خطة روسية لإعادة الاهتمام بتطوير سلاحها، باعتبار أنّ تطوير الاقتصاد يحتاج إلى تخفيف حدّة الهيمنة الأميركية على العالم. أمّا طهران، فظلّت تقاتل حتى بنت تحالفات شعبية من آسيا الوسطى حتى لبنان في المشرق العربي، مروراً بدوله كاملة. فإذا كانت واشنطن ومعها الرياض تسيطر على رئيس يمنيّ معزول ليس له أيّ تأثير في بلاده، هو عبد ربّه منصور هادي، الذي ينام في الاجتماعات، فلإيران تحالف مع أنصار الله اليمني أصحاب الحلّ والربط في صنعاء.

وإذا كانت واشنطن قد نجحت في الاستثمار عبر شركائها الأتراك والسعوديين والقطريين في الإرهاب في سورية والعراق، فإنّ موسكو متحالفة مع الجيش السوري وإيران وحزب الله الذين ألحقوا بالإرهاب ضربات شبه قاتلة.

وإذا كانت واشنطن تتباهى بنفوذها التركي، فها هي اليوم على علاقة سيّئة بأنقرة، كما أنّ موسكو لم تعد بـ«حاجة ماسّة» إلى خط المياه الدافئة من بحر ازوف إلى بحار: الأسود مرمرة إيجة المتوسط… باعتبار أنّ طهران فرضت لها بديلاً استراتيجياً متمكّناً من بحر قزوين إيران الخليج، واتجاه آخر هو بحر قزوين إيران العراق سورية.

وهكذا تفتح إيران لروسيا فرصة التحرّر من خط تركي بحري مراقب من الحلف الأطلسي، وذلك باستحداث بديلين لها بواسطة تحالفاتها في العراق وسورية ولبنان.

لقد أظهرت مرحلة بوتين تقدّماً عسكرياً روسياً على مستوى التصنيع العسكري الحديث وعلوم غزو الفضاء، تواكبت مع إصرار بوتيني على حماية سورية من خطة أميركية أوروبيّة تركية خليجية لإطاحة نظامها السياسي، ما شكّل مزيداً من التلاقي الروسي الإيراني في وجه الحرب العالمية على سورية، فنظامها صديق للطرفين وموقعها يفتح الدرب على المشرق العربي بكامله، وتاريخها يشكّل قلب المنطقة العربية. الأمر الذي دفع موسكو إلى بناء قواعد بحريّة وجوّية فيها، مع إرسال أسرابها الجويّة لتدمير خطوط الإرهاب، وكذلك فعلت طهران التي تشارك بقوّاتها وتدعم حزب الله والمنظّمات الإقليمية المتأثرة به لشنّ أعنف هجمات مثمرة أصابت الإرهاب في قلبه.

أدّى هذا الاهتمام الروسي الإيراني المشترك إلى تعميق التحالف، وصولاً إلى فتح إيران مدرّجات مطاراتها لأسراب السوخوي التي كانت تنطلق منها لتقصف الإرهاب في سورية، بالإضافة إلى موافقتها على عبور صواريخ باليستية روسيّة أجواءها لتدمّر أهدافاً في سورية.

وبالنتيجة، لا بدّ من الاعتراف بأنّ البلدين نجحا في الصمود أمام هجمات أميركية متواصلة لا تزال تستهدفهما حتى اليوم، بدءاً من 2005 بالنسبة لروسيا و1980 بالنسبة لإيران. وتمكّن البلدان من المضيّ في عالم التصنيع العسكري، رغم العقوبات الأميركية، مسجّلين قدرات هامّة في الصمود الاقتصادي.

أمّا نجاحها في سورية، فواضح في هذا الانهيار الإرهابي المتدحرج الذي فرض على المستثمرين به ومشغّليه، التبرّؤ منه ومحاولة تشكيل «آليات إرهاب جديدة» للمضيّ في لعبة تدمير الدول الوطنية.

الواضح إذن أنّ التحالف الروسي الإيراني ينتج قدرات هائلة بوسعها فرض توازن مع واشنطن التي تزيد موازنتها عن موازنات أوروبا وروسيا معاً، ولا تزال تتفوّق على ميزانية الصين بنحو أربعة آلاف مليار دولار فقط. ومثل هذا التحالف له القدرة أيضاً على جذب سورية والعراق والجزائر وحزب الله وأنصار الله والمعارضات المصرية والسودانيّة والخليجية، ويضبط أوروبا الشرقية مفرملاً الغربية أيضاً. كما أنّه يفسح المجال لعشرات الدول المذعورة من ردود فعل واشنطن على التمرّد عليها، وقد يجذب الصين التي تتّهمها واشنطن بأنّها تقف خلف تمرّد كوريا الشمالية.

هناك إذن مشروع «تشكيل اتحاد سوفياتي جديد» من اجتماع قوى روسيا وإيران والعراق وسورية، على مشروع سياسي اقتصادي عنوانه إجهاض العدوانيّة الأميركية والهيمنة الاقتصادية. أمّا الصين، فلن تبقى طويلاً بمنأى عن الانضمام إليه للاستهدافات الأميركية التي تصيبها أيضاً، وحاجاتها إلى أسواق بديلة لسلعها. فهل يولد هذا الحلف؟ غطرسة ترامب وإطلاقه العقوبات ذات اليمين وذات الشمال، وجنوحه إلى سياسات الابتزاز والسمسرة، وتهديده بالحروب والأزرار النوويّة، هي أفضل الوسائل المشجّعة على نموّ الأحلاف المعادية لسياساتها.

وهناك إصرار على أحادية أميركية تظهر في المؤامرات والعقوبات والدفع باتجاه تدمير العلاقات الدولية واستنزاف مقدرات «الدول الصديقة»، فيبدو المشهد وكأنّ الرئيس الأميركي «شخصية مسعورة» تعمل في البورصة والسمسرة وتريد تحقيق أكبر كميّة من المال بأقصر وقت ممكن… بأسلوب التهديد والوعيد والقدرات النوويّة والحروب والاستتباع. ولأنّ هذا الحلف المرتقب ليس إيديولوجياً، بل هو سياسي، فإنّه قابل للنجاح والعالم يترقّبه للتحرر من براثن وحش أميركي يكاد يلتهم العالم وما عليه من بشر وحجر وشجر.