الغوطة نموذج متقدّم عن حلب

27.02.2018

نموذج مسلحي حلب سيبدو تمريناً أمام ما يبدو بانتظار مسلحي الغوطة، فالخبرات التي راكمتها موسكو في التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية، والجماعات المسلحة التي تشغّلها، منذ معركة حلب جعلتها في موقع مختلف عن الذي كانت فيه قبل معركة حلب وأثناءها، والذي يتابع حجم الشراكة العسكرية الروسية في حرب الغوطة من جهة، واللغة والنبرة اللتين يتحدّث بهما الرئيس الروسي فلايديمر بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف من جهة موازية، مقارنة بمثيلتيهما في معارك حلب سيكتشف بسهولة ووضوح حجم الفارق.

 كان الروس في كل تصرّف عسكري في حلب وفي كل خطاب سياسي وموقف إعلامي يحرصون على حساب رد الفعل التركي، ويجسون نبض الغرب على التحرك البدلوماسي والسياسي، وهم الآن غير آبهين بأحد. فعندما يتحدث الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية مع الرئيس الروسي عن آليات تطبيق القرار يكون سقف ما يقبله هو هدنة خمس ساعات يومية لضمان خروج آمن للمدنيين بعد تأمين ممرات آمنة لهم، ويكلفهما إبلاغ الرئيس التركي بأن عفرين مرتبطة بالنسبة للدولة السورية بالغوطة، ولا هدنة في الغوطة ودخول للمساعدات الإنسانية بلا ما يعادل ذلك في عفرين والفوعة وكفريا.

حسمت موسكو من خبرتها في حلب وما بعدها، معادلات جديدة على ضفتي الخصوم والحلفاء، فعلى ضفة الخصوم ثبت لموسكو أن واشنطن وحلفاءها لا يضمرون لروسيا ورئيسها أفضل مما يضمرونه لسورية وإيران ورئيسيها، وأن الرهان على جذب الأتراك واحتوائهم ومثلهم الأكراد بغير إغلاق الأبواب للبدائل عبر لغة القوة، في غير مكانه فسيبقى الخداع والتلاعب سيدَيْ الموقف إلا عندما يبدو الحسم العسكري خياراً جدياً، وخبرة روسيا مع السعودية و«إسرائيل» تقول إن أخذ مصالحهما بالحساب ومحاولة تحييد روسيا عما يسمّيانه بالمواجهة مع إيران وحلفائها، لا أساس له في الواقع، لأن واشنطن تبقى سيدة قرار الرياض وتل أبيب، وطالما أن واشنطن تتبنى استراتيجية تعطيل الحلول في سورية فإسرائيل والسعودية أداتان أميركيتان لضرب المشروع الذي تلتزمه روسيا في سورية.

 الرؤية الروسية للهدنة تطابق ما قاله السفير الجعفري فهي تسقط بأي تمادٍ عسكري لأميركا و«إسرائيل» وتركيا، ولا تعني إلا توفير فرص خروج آمن للمدنيين ومواصلة الضرب بقسوة على رأس الجماعات المسلحة، والدخول في السياسة مشروط بسماع كلام ذي معنى من الأطراف المعنية، من نوع الاستعداد لمقاتلة الفصائل بعضها البعض لتجنيب الغوطة استمرار الحرب، والاستعداد لدمج الباقي منهم بتسوية مقبولة من الدولة السورية، والمعادلة الواقعية بالنسبة لموسكو هي استحالة بقاء المسلحين والمدنيين معاً في الغوطة، فإما أن يخرج المدنيون، أو يخرج المسلحون، ومع بدء تطبيق فسحات الأمان والطرق الآمنة على المسلحين أن يطلقوا النار على المدنيين الذين طلبوا الهدنة بذريعة حمايتهم، كي يمنعوهم من الخروج، وتدريجاً سيخرج المدنيون ما لم يظهر المسلحون حرصاً على بقاء الناس في الغوطة بإعلان استعداد المسلحين للخروج، والبداية هي خروج النصرة.

 الفك والتركيب في الغوطة سياسياً وعسكرياً يبدأ من اليوم، وروسيا الغوطة هي غير سورية حلب، وسورية وجيشها وحلفاؤها عسكرياً في الغوطة غير حلب، ومَن حسم حلب يسهل عليه وقد تحسّن كل شيء وتغيّر أن يحسم الغوطة.