4 هزائم ألحقها الأسد بواشنطن... والخامسة قريبا .. طبيب العيون الجراح والانتصار
بدأت عملية غزو العراق في 20 آذار/مارس 2003م، من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية، عندما كان جورش دبليو بوش هو الرئيس الأمريكي، ودخلت القوات الأمريكية بغداد بعد ما يعرف بمعركة سقوط بغداد، وهي المعركة التي حصلت بين القوات المسلحة العراقية السابقة والجيش الأمريكي في أوائل شهر أبريل/نيسان 2003.
وبعد إعلان الرئيس جورج بوش أنّ "المهمة قد أُنجزت" في العراق، وصل وزير الخارجية كولن باول إلى دمشق في يوم الجمعة 2 أيار 2003، وقد أعلن في المطار عند وصوله قائلاً: "سأوضح للرئيس بشار الأسد جلياً كيف تنظر الولايات المتحدة إلى تبدل الوضع في المنطقة مع رحيل نظام صدام حسين". وعند سؤاله عن عواقب تواجهها سوريا في حال عدم تجاوبها مع واشنطن، أجاب: "هذه قرارات سنتخذها بعد أن نرى الأداء وهل سيتغيرون أو لا" ("السفير"، 3 أيار 2003). وعند عودة باول إلى واشنطن أوضح أكثر ما جرى في دمشق قائلا: في سلسلة مقابلات تلفزيونية بواشنطن أنه أبلغ الرئيس السوري قائلاً: "إنك تستطيع أن تكون جزءاً من مستقبل إيجابي، أو أن تبقى في الماضي مع السياسات التي تتبعها… الخيار لك" ("السفير"، 5 أيار 2003).
توقع البعض أن تتحمل دمشق أول نتائج الغزو الأمريكي للعراق وأن الأسد سيرضخ للمطالب الأمريكية المتجسدة بالوقوف مع المحور الأمريكي وأهمها قطع العلاقة ووقف دعم "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" وقطع العلاقات مع إيران وغيرها من المطالب، وقيل آنذاك، إن باول قدم ثلاثة وثلاثين مطلباً داخليا وخارجيا، إلا أنّ ما طفا على السطح الإعلامي، وعند الرسميين الأمريكيين، كان ثلاثة مطالب تتعلق بالعراق وفلسطين ولبنان ،من دون أن تصل الأمور آنذاك للمطالبة بانسحاب سوري من لبنان، لكن بالتركيز على وقف تزويد "حزب الله" بالسلاح. (جريدة "الحياة"، 4 أيار2003.).
بالمختصر.. رفض الأسد الشاب الذي كان عمره آنذاك 38 سنة الشروط والمطالب الأمريكية، وبدأت سوريا بدعم كافة أنواع المقاومة العراقية (على اختلاف توجهاتها) ضد الوجد الأمريكي، وفي المحصلة، وبعد 9 سنوات من الاحتلال، انسحبت القوات الأمريكية بالكامل من العراق صباح الأحد 18 ديسمبر 2011، بعد أن تكلفت آلاف القتلى من جنودها. وهي المرة الأولى التي يهزم فيها الأسد واشنطن.
المرة الثانية التي هزم فيها الأسد واشنطن كانت عام 2006، عندما فتحت واشنطن جسرا عسكريا ودبلوماسيا لدعم إسرائيل في حربها ضد لبنان "وحزب الله" في حرب تموز بينما فتحت سوريا جسرا من الدعم اللوجستي الصاروخي لمقاتلي "حزب الله" الذي تمكن من الانتصار في الحرب على إسرائيل وفرض شروطه في نهاية المعركة التي استمرت 33 يوما تساقطت فيها الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية وعلى حيفا وقتل مئات الجنود الإسرائيليين ودمر "حزب الله" عشرات دبابات الميركافا الإسرائيلية، انتهت المعركة بانتصار واضح لا لبس فيه لـ"حزب الله" على عكس ما تنشره بعض وسائل الإعلام من تخفيف لحجم انتصار الحزب، وفرضت بعدها معادلة التوازن الاستراتيجي في جنوب لبنان.
ثالثا… سوريا احتضنت حركة "حماس" الفلسطينية على اعتبار أن هذه الحركة من ضمن حركات المقاومة، وبقيت قيادة "حماس" في سوريا حتى عام 2011 ولم يمسها أي سوء، وفي حرب 2008 التي شنتها إسرائيل على غزة، كانت قيادة "حماس" في سوريا، وأيضا فشلت إسرائيل في كسر "حماس"، التي أعلنت لاحقا في عام 2011 مواقفا ضد حكومة دمشق.
الهزيمة الرابعة كانت في سنوات الحرب السورية، التي تم افتعالها وتأجيجها بسبب كل ما ذكرناه سابقا، فبدأت واشنطن خطتها لكسر الأسد وتدمير الدولة السورية، واستغلت بعض العوامل المحلية والإقليمية المساعدة لخطتها، وانضمت لواشنطن مجموعة كبيرة من الدول الإقليمية والغربية، وبدأ آلاف المقاتلين المتشددين يتوافدون من كل بلدان العالم لقتال الجيش السوري، بالإضافة لمجموعات محلية "مؤدلجة" أيضا متشددة تعتبر الجيش السوري والرئيس الأسد هو عدوها الأول، وبدأت التصريحات في واشنطن وعلى أعلى مستويات ("أيام الأسد معدودة"، "على الأسد أن يرحل"، "الشعب السوري يريد الحرية" وإلى ما هنالك من تصريحات أصبحت مكشوفة للمعارض قبل الموالي في سوريا وغيرها)، بعد سبع سنوات من تسخير كل الإمكانيات اللازمة لتدمير الجيش السوري والدولة السورية والإطاحة بالرئيس الأسد، ها هو الجيش السوري قد استعاد حلب ودير الزور وحمص وتتقدم القوات الآن باتجاه إدلب لاستعادتها وسط ذهول أمريكي مع خطط لإعاقة تقدم الجيش السوري الذي يستعيد السيطرة رويدا رويدا على كل الأراضي السورية.
كيف ستكون الهزيمة الخامسة
في غمار الحرب السورية وفي وقت انشغلت قوات الجيش السوري بجبهات متعددة في الشمال والجنوب والشرق في مواجهة "داعش" و"النصرة" وعشرات الفصائل المسلحة ضمن حروب عصابات داخل المدن وخارجها، بدأت قوات كردية بدعم وتسليح أمريكي بالتسلح والسيطرة في شمال شرق سوريا، وتم تشكيل ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ودخلت قوات أمريكية وأقامت قواعد في مناطق سيطرة "قسد"، وبدأت "قسد" بالتمدد في الشمال الشرقي مستغلة الفراغ العسكري المؤقت في تلك المساحات، وبعد فشل داعش، تعتمد الإدارة الأمريكية الآن على القوات الكردية التي تعترف بنفسها بالتحالف مع واشنطن في السيطرة على شمال شرق سوريا، وقد سيطرت مؤخراعلى الرقة واتجهت جنوبا شرق نهر الفرات بالتنسيق مع تنظيم داعش الذي لم يقاومها أبدا، وهنا ستكون الهزيمة الخامسة لواشنطن، فبعد حسم معركة إدلب في الشمال الغربي من سوريا، فإن هذه الورقة التي تعتمد عليها واشنطن، لن تبقى كما هي وستخسرها بالمطلق، نعم بالمطلق، فإذا كان خروج القوات الكردية من كركوك وانسحابها أمام القوات العراقية استغرق شهرا، فإن خروجهم من الرقة إن تقدمت قوات "النمور" في الجيش السوري باتجاههم لن يستغرق أكثر من اسبوع أمام تسونامي قوات المهام الخاصة في الجيش السوري، وتضيق الخيارات هنا أمام "قسد" الكردية، فإما أن تتحالف مع الدولة السورية وعودة سيطرتها وترفع أعلام الجمهورية العربية السورية بشكل سلمي، وإما أنها سوف تواجه تسونامي الجيش السوري وقتها لن ينفعها لا الأمريكي ولا الأطلسي، وفي هكذا معركة ستكون تركيا بصف الدولة السورية ضد القوات الكردية في حال حدثت هكذا معركة، وننتظر الموقف وخيارات "قسد" المقبلة، طبعا هم الآن لن يقبلوا بأي اتفاق، سيقبلون بالاتفاق فقط عندما يشاهدون جحافل الجيش السوري متجهة نحوهم، وقتها سيقولون نحن مع الاتفاق والسلام.
وبينما يتحدث الكثير من خبراء الجيوسياسة ومنهم خبراء أمريكيون الآن عن انحدار وهبوط للنفوذ الأمريكي والإمبراطورية الأمريكية، يسعى طبيب العيون الجراح الهادئ، الأسد الذي أرهق خطط الأطلسي في الشرق الأوسط، إلى استكمال طرد الإرهاب من سوريا، فاختار تحالفات سوريا وفق مبادئ قائمة على الاحترام المتبادل مع الحلفاء، ومدعوما بمحبة ملايين السوريين وفي كل المحافظات السورية وبدون استثناء، محبة تصل لحد العشق لهذا القائد، الأمر الذي يجهله الكثيرين في الدول العربية نتيجة الإعلام الذي يصلهم، ولا يدري الكثيرين، أن انتصار الأسد كان لسبب رئيسي أن الشعب السوري يقف معه، ولو أنه فعلا كما يقول الإعلام المضلل أن الشعب السوري لا يريد الأسد، لما كان الجيش السوري الذي يتألف من جنود من مختلف المحافظات، ومختلف الطوائف والأعراق، قد حقق هذه الانتصارات، نعم السوريون يشكرون كل من دعم جيشهم ودولتهم، ولكن الشكر الأول هو لآلاف الجنود والشهداء الذين قضوا في عشرات المعارك والأساطير، هؤلاء الآلاف المؤلفة من الجنود السوريين يقاتلون من أجل سوريا، والأسد أيضا يقاتل من أجل سوريا وهو منهم ومعهم، وهذه أسرار الانتصار.