تحويل آيا صوفيا لمسجد... أردوغان يستحضر الخلافة العثمانية
لا تكاد تخلو خطابات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، من تذكير أتباعه أنه في عام 2023 سوف تنتهي مفاعيل معاهدة لوزان التي وقعت في يوم 24 يوليو/تموز عام 1923.
فقد تألّفت معاهدة لوزان من 143 مادة، تتعلق بتنظيم وضع تركيا الدولي الجديد، وترتيب علاقتها بدول الحلفاء المنتصرين في الحرب، ورسم الجغرافيا السياسية لتركيا الحديثة وتعيين حدودها مع اليونان وبلغاريا، وتنازل الدولة التركية النهائي عن ادعاء أي حقوق سياسية ومالية وأي حق سيادي في الشام والعراق ومصر والسودان وليبيا وقبرص، بجانب تنظيم استخدام المضائق البحرية التركية في وقت الحرب والسلم. وأيضا الاتفاقية تسمح لبقاء قيادة البطريركية الدينية الأرثوذكسية العالمية في إسطنبول، بشريطة عدم ممارسة الأنشطة السياسي.
يفكر أردوغان بإعادة أمجاد الدولة العثمانية وغزو العالم، فالعقلية الإسلامية التي يحملها أردوغان، ترتبط إرتباطاً وثيقاً بأستاذه "نجم الدين أربكان"، فضلاً عن إهتمامه بكتب وأفكار "بديع الزمان سعيد النورسي" الذي من ضمن أفكاره ان تصبح أوروبا بلداً اسلامياً حيث في أحد لقاءته مع "محمد بخيت المطيعي" شيخ الجامع الأزهر، سأله ما تقول في أوروبا؟، فأجابه النورسي: إن أوروبا حاملة بالإسلام وستلده يوماً ما، ثم سأله ما رأيك بالإمبراطورية العثمانية فأجابه: إن الإمبراطورية العثمانية حاملة بأوروبا وستلدها يوماً.
ولذلك ليس من الغريب أن يضغط أردوغان على الغرب عبر إرسال لاجئين الى أوروبا من بلدان مسلمة، فـ أردوغان يعتبر بأن اللاجئين هم سلاح قوي في يده بُغية الضغط على أوروبا، ومن أجل أن يتم تحويل أوروبا الى بلدان تكون فيها الأغلبية هي المسلمة، بذلك مشروع بديع الزمان سعيد نورسي ومعلمه نجم الدين أربكان ينجح، ومشروع أربكان يتمثل بتكوين اتحاد إسلامي واستعمال عملة إسلامية في البلدان المسلمة ومواجهة الغرب.
الأحداث الأخيرة التي حصلت باقتراب انتهاء العام 2017، تُميط اللثام عن مشروع "العثمانية الجديدة" وتجعله أكثر وضوحاً، ابتداء من انتهاج أردوغان "سياسة الضحية" منذ محاولة الانقلاب عليه العام 2016، واستغلالها لقمع أي معارضة داخلية ضده، وليس انتهاءً بدعوته العالم العربي والإسلامي الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين خلال القمة الإسلامية الطارئة التي عقدت بـ اسطنبول في كانون الثاني المنصرم من هذا العام، على خلفية "قرار ترامب" حول القدس، وبالنظر إلى هذه الدعوة، فإنّها تنتقص من حقوق الفلسطينيين، وحقوق اللاجئين وحق العودة، وترسخ الشطر الغربي من القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، فضلاً عن أنّها لم تترافق مع أي تحرك ذي تأثير ضد "إسرائيل" ولو بالتهديد بقطع العلاقات.
توقيع أردوغان على مرسوم لتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، هو إعلان حرباً دينية وعقائدية ضمن حروبه الغير منطقية في الإقليم، إذ أن أردوغان يُتـقن إثارة الأزمات للهروب من أزماته الداخلية، ومن جهة ثانية، فهو يضع نفسه على مشارف مواجهة جديدة مع الغرب.
لذلك، سنشهد في السنوت القادمة منافسة شديدة في تركيا للسيطرة على الحكم بين الإسلاميين والعلمانيين، وسوف تذهب تركيا إلى مسار مختلف، وسوف تبتعد عن المسار الذي حاول مؤسس تركيا مصطفى كمال اتاتورك أن يعمل عليه، إذ كان يريد من تركيا ان تصبح دولة أوروبية حديثة، ومع قُرب انتهاء صلاحية معاهدة لوزان في عام 2023، جاء تحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، بمثابة بداية التحولات العميقة التي ستشهدها تركيا لجهة سياساتها الداخلية والخارجية، وارتباط ذلك مباشرة بدول الجوار خاصة، والغرب عموماً.