"سوتشي" و"أوسلو": آليات الصراع على الشرق الأوسط
الصراع على الشرق الأوسط لم يتوقف عند الحرب العالمية الثانية، وارثاً كل القتال القديم على هذه الأرض بمصطلحات ذلك الزمان.. المشرق الشرق ـ الشرق الأدنى، مقدّمة آسيا.. الخ.. العالم العربي، سورية ـ عراق.. الخ.
مرة واحدة، استولى عليه الأميركيون بمفردهم 1990- 2010 وسرعان ما عاد الروسي إليه على هدي الصمود الإيراني ومقاومة سورية للإرهاب والنفوذ الأميركي.. كانت هذه المقدمة ضرورية للربط بين مؤتمرات سوتشي و اوسلو الأميركي الذي يجمع ستين دولة بينها اثنتا عشرة عربية بالإضافة إلى إسرائيل .
فإذا كانت سوتشي تريد تنظيم سورية لتسهيل الانطلاق نحو الإقليم، فإن أوسلو يهتم بالسيطرة على إيران للعودة إلى سورية وتقييد حركة روسيا والصين. لذلك فهما مشروعان متصادمان بالأهداف، ويؤسسان لآليات الحرب الباردة، الجديدة في منطقة تمتد من حدود أفغانستان حتى حدود مصر مع شمال أفريقيا، بما يشمل تركيا وإيران والمشرق العربي والسودان وآسيا الوسطى والقرن الأفريقي. هذا أقصى ما توصل إليه الأميركيون في التوسعة الأخيرة لحدود الشرق الأوسط التي واكبت أحاديثهم.
ماذا يريد سوتشي ؟
الدور الروسي في سورية، شرعي بطلب من دولتها، واعتبر منذ البداية أنّ التنسيق بين اللاعبين في الميدان السوري ضرورة للتسريع في الحل، وبناء على تحالفه التأسيسي مع إيران التي كانت من بين الذين طالبوا بالتدخل في سورية بنوا الأساس الجاذب لتركيا، الطرف المحوري في الأزمة فإيران جارة حدودية لتركيا ومنافستها في الإقليم، وشريكتها في الهم الكردي. ولأن للطرفين مشروعين متقابلين، فلا بدّ من التنسيق. أما روسيا فرأت في الميدان السوري طريق عودتها إلى القرار الدولي فاستعملت مع إيران مبدأ المصلحة المشتركة بالدفاع عن الدولة السورية، وجذبت تركيا بمشاريع اقتصادية خطوط غاز عبرها إلى أوروبا وبالسلاح ss400 والاستيراد والتصدير ونحو خمسة ملايين سائح سنوياً.. بالإضافة إلى الجوار في البحر الأسود، وهناك نقطة هامة، تتعلق بالرفض الأميركي لكل طموحات تركيا. ضمن هذه المعطيات تشكلت سوتشي على أساس القضاء على الإرهاب والنفوذ الأميركي ـ الخليجي على قاعدة سيادة الدولة السورية.
وبدا أنّ موسكو تريد من سوتشي أداء دور رافعة ، تعيدها إلى الثنائية الدولية مع الأميركيين، مقابل مشروع تركي يسعى من خلال سوتشي للعودة إلى العالم العربي من البوابة السورية المقفلة في وجهه، فقطر لا قوة لها على أداء هذا الدور، والخليج يخشى من طموحاتها الإسلامية ومصر ترفض إخوانيتها الإسلامية كما أنّ الأميركيين لم يولوه ثقتهم إلى حدود محاولتهم إسقاط نظام أردوغان، هذا ما جعل أنقرة تتمسك بسوتشي مع محافظتها على نافذة أطلسية تطل منها على تحالفاتها التاريخية بين الحين والآخر.
ماذا عن إيران الفريق الثالث في سوتشي؟ إيران في مرمى التصويب الأميركي ـ الخليجي ـ الإسرائيلي، منذ نجاح ثورتها الإسلامية في 1979، وهذا لم يمنعها من تأسيس تحالفات شملت افغانستان الهزارة وقسماً من باكستان والهند واليمن والعراق وسورية ولبنان، ما أدّى إلى اهتزاز النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي، فخرجت إيران إلى الإقليم تشجّع على رفض الهيمنة الأميركية، في محاولة لتوسيع إطار الصراع معها، فتتقلّص معاناتها مما تتعرّض له من حصار ومقاطعات وتحريض داخلي وخارجي. كما أنّها وبهذه الطريقة تدعم حركة التمرد الإقليمي على الأميركيين انطلاقاً من حماية حليفتها سورية، هذا ما أدّى إلى نجاح سوتشي في إدارة الجزء الأساسي من أزمة سورية على الرغم من المراوغات التركية الواضحة.
ماذا عن وارسو ؟
يبدو أنّ مهمته الأساسية المحافظة على الدور الأميركي المتراجع في الشرق الأوسط على قاعدة استحداث آليات جديدة صادمة، لمصارعة الروس والإيرانيين والسوريين. ومنع العراق من أداء أدواره على الحدودين: السعودية كمعدّد والسورية كتحليف. لذلك جمع الأميركيون في اوسلو إسرائيل مع اثنتي عشرة دولة عربية في حلف يستهدف إيران. فكسرت بهذا المؤتمر الصراع العربي ـ الإسرائيلي، باختراع إيران الإسلامية عدواً جديداً للعرب، أو للقسم الأكبر منهم. وتحوّلت إسرائيل بفضل وارسو إلى حليف مأمون الجانب، يضع قوته العسكرية في خدمة مشروع تدمير العدو الجديد إيران.
وبذلك يصبح التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بأوجهه العسكرية ليس كافياً.. ويلزمه تطبيع اقتصادي واجتماعي وسياسي.. وهذه أهداف إسرائيل الحقيقية. لجهة أصحاب اوسلو فهم على علم بأنّ الحرب ضد إيران تشمل تحالفات إيران في المنطقة وتزعزع مكانتهم في العراق ولن يقف الروس منها موقفاً محايداً.. هذا إلى جانب اعتراض أوروبي على استهداف غير مبرّر لإيران.
بأي حال، فإنّ الأميركيين يعتبرون اوسلو وسيلة تحشيدية لوقف تراجعاتهم ومحاصرة إيران عبر قطع علاقاتها بستين دولة هم أعضاء اوسلو ودفعها للانهيار من الداخل. وما استهداف الحرس الثوري الإيراني بسيارة مفخّخة أوقعت عشرات القتلى إلا عيّنة مما تحضره مخابرات أوسلو لهذا البلد. يتبيّن أنّ سوتشي و أوسلو آليتان من حرب باردة حامية الوطيس، إلى درجة اندلاع حروب صغيرة تعكس الصراع الأميركي ـ الروسي ـ الإيراني ـ التركي على الشرق الأوسط،.. بمشاركة إسرائيلية ـ خليجية. لذلك فإن المدى العراقي قد يكون أكثر الساحات التهاباً في هذه الحرب الباردة لما يختزنه من أهميات الربط بين محور روسي ـ سوري ـ إيراني، وبين إصرار أميركي على احتلال العراق بشكل دائم لقطع طريق محور سوتشي ، كما قال بنس نائب الرئيس الأميركي في خطابه في اوسلو.
وهذا يكشف بوضوح أن وارسو هو الردّ الأميركي للعودة إلى السيطرة على الشرق الأوسط على متن الحلف الإسرائيلي ـ العربي..
الرابح حتى الآن هو سوتشي.. بانتظار النصر النهائي بعد عودة العراق إلى أدواره العربية والإقليمية.