ماذا بعد جريمة نيوزيلندا... وكيف ترتبط بالإرهاب في سوريا

18.03.2019

التزامن بين استسلام آخر موقع للإرهاب في سورية وما تبقى من بؤر له في العراق مع العملية الإرهابية الأخيرة في نيوزيلندا ليس مجرد مصادقة قدرية بريئة.

فهذا عمل مصنوع من جماعة لديها فكر إرهابي عنصري، أعدّت الهجوم الأخير على مسجد مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا بإتقان، وتعمّدت نقل هذه المجزرة التي استمرّت ساعتين على وسائل الاتصال الاجتماعي بدم بارد وبحيادية مطلقة من قبل أجهزة الأمن المحلية.

هذه الحيادية سمحت للقاتل المحترف بالدخول الى المسجد شاهراً بندقية، أطلق منها النار على المصلين وأرداهم الواحد تلو الآخر باعصاب هادئة ومن دون أيّ تدخل، مع كاميرا من هاتفه كانت تنقل الحدث الإجرامي مباشرة لتعميمه، وتقليده من قبل جماعات عنصرية أخرى في العالم الغربي.

هناك دلائل إضافية على ارتباط المجرم بالثقافات العنصرية وهي تواريخ المعارك التي انتصر فيها المسلمون على الفرنجة والفتوحات الإسلامية والتهديد العثماني لأوروبا في حصار فيينا في القرن 17 المنقوشة على الأسلحة التي استعملها في القتل، هناك قلة تعرفها حتى بين من ينتحلون ألقاب «مثقفين» عند العرب والمسلمين. فكيف الأمر بالنسبة للغربيين العاديين الذين يجهلون كلّ ما هو خارج بلادهم؟ هذا باستثناء قلة من المتخصّصين بالإسلاميات وهم من فئة العلماء الغربيين…

إلا أنّ ما وضع الطبقات العادية في الغرب تحت ضغط الإرهاب «الإسلاموي» هي تلك المذابح الكبرى التاريخية التي اقترفتها منظمات القاعدة وداعش ومثيلاتها في سورية والعراق وليبيا والصومال ومعظم الشرق الأوسط في الأقليات المحلية والإسلامية والمسيحية. بالإضافة الى تنفيذها لبعض العمليات الإرهابية المحدودة في أوروبا وأميركا التي بدت تبريراً للاجتياح الأميركي ولاحقاً الأوروبي لمجمل سورية والعراق وأفغانستان…

التوقيت إذاً مشبوه لتزامنه مع انهيار الإرهاب الإسلاموي وتراجع الهيمنة الأميركية.

الأمر الذي يوحي بأنّ مهاجمة إرهابي مسيحي متطرّف مرتبط بالفكر الصهيوني المتمحور حول إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى، لمساجد في أوروبا إنما يريد استثارة المسلمين في الشرق ودفع بؤرهم الإرهابية إلى مهاجمة أهداف للمسيحيين العرب أو الغربيين في العالمين العربي والإسلامي، وبذلك يستفيد هذا الإرهاب الإسلاموي المتداعي، بإعادة هيكلة نفسه من جديد.

أهذا ما يريده الذين يقفون خلف الإرهاب الاوسترالي الذي قتل المصلين في أحد مساجد نيوزيلندا؟

إنما كيف يعمل الإرهاب العنصري في الغرب؟ لماذا يصمت دهراً ولا يطلق مجازره إلا في مراحل معينة؟

تنتشر في الغرب تنظيمات دينية متطرفة تميل للجمع بين المسيحية واليهودية، ويجنح معظمها نحو تبني علاقة رحيمة وتاريخية عميقة مع المشاريع الصهيونية بذريعة الأصول الفكرية الواحدة، ولهذه المنظمات وجود ثقافي في أميركا الشمالية ومعظم أوروبا الغربية واوستراليا، وبعض البلدان الاخرى.

الملاحظ أنّ هذا التطرف الديني الغربي لا يتحرك إلا في مراحل الصراعات الكبرى في العالم… مستهدفاً أهدافاً إسلامية، تعمل في الغرب، لماذا الآن؟

أولاً: هناك تراجع في النفوذ الأميركي خصوصاً والغربي عموماً في المنطقة الإسلامية.

ثانياً: ينهار الإرهاب الإسلامي في مشروع خلافته الإسلامية وانتشاره على الأرض محتفظاً ببؤر كافية يزعم الأميركيون انّ أعداد الموالين لها في سورية والعراق تراوح بين 14 الى 15 ألف إرهابي.

انّ هذه المستجدات لا يجب منطقياً أن تشجع الإرهاب الغربي على استهداف المسلمين لأنّ منظماتهم الإرهابية تنقرض.

هذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ الأهداف الجديدة للإرهاب المسيحي المتطرف على علاقة بمواقيت جديدة وضعتها مصالح دولها «حديثاً»، أيّ بعد تراجعها النسبي في الشرق الاوسط.

فيبدو أنّ المطلوب غربياً إعادة نصب الإرهاب الإسلامي من مجرد بؤر كامنة تراجع عديدها من مئات الآلاف في خلافة كانت تنتشر على أكثر من 170 ألف كيلو متر مربع، إلى بضعة آلاف فقط، كيف يكون ذلك؟ بتوفير الظروف التي تؤدّي الى استنهاضه.. وتبدأ بمهاجمة أهداف إسلامية في الغرب، ما يؤدّي تلقائياً الى أعمال إرهابية ضدّ كلّ ما يتصل بهذا الغرب مباشرة في بلدانه الأوروبية والأميركية ومؤسّساته المنتشرة في البلدان الإسلامية وصولاً الى مهاجمة سكان محليين في سورية والعراق ولبنان ومصر ينتمون الى مذاهب مسيحية محلية هي الأقدم من نوعها في تاريخ الأديان موارنة، أقباط، الخ…

والغاية واضحة، وهي إجهاض الانتصار الذي تحقق في سورية والعراق، وإعادة الحرب الأميركية على المنطقة إلى مرحلة 2003، أيّ تاريخ اجتياح العراق.

الملاحظ إذاً أنّ هناك توقيتاً مدروساً لتغطية العملية الإرهابية في نيوزيلندا؟ وإعادة التأسيس لحروب جديدة في سورية والعراق.

هناك أولاً، إدارة أميركية يقودها الرئيس ترامب الذي لا ينفكّ يعلن منذ ترشحه للرئاسة وحتى الآن أنه يكره كلّ ما هو غير أبيض البشرة، ويحتقر السود والمسلمين والمكسيكيين.

ثانياً: هناك صعود لليمين الأوروبي وفي أميركا الجنوبية وكندا وأوستراليا وهذا ملائم للعمليات الإرهابية العنصرية.

ثالثاً: تتراجع الاقتصادات الغربية بشكل تؤثر فيه على مداخيل الطبقات الوسطى والفقيرة فيزداد كرهها للأجانب، وخصوصاً الأقليات الإسلامية التي يزداد عددها ودخلت مرحلة «الجيل الثاني من المغتربين» أيّ الذي اكتسب جنسية البلاد التي هاجر أهله اليها بالولادة، وأصبح مؤثراً في انتخاباتها وبالتالي سياساتها.

رابعاً: تستلزم إعادة بناء الإرهاب الإسلاموي مثيلاً غربياً له، وهذا لا يكون إلا بتبادل تنفيذ عمليات إرهابية ذات أبعاد طائفية لا تخدم إلا المصالح الاقتصادية للعالم الغربي المهيمن، وذلك بإعادة الاضطرابات الى سورية والعراق.

انّ انكشاف الأهداف الأميركية الجديدة تتطلب اعمالاً مضاعفة من المحور السوري والعراقي واللبناني للقضاء على آخر بؤر الإرهاب، والحضّ على مكافحته فكرياً بمشاريع وطنية وسياسية تساوي بين كلّ أنواع المواطنين مهما تباينت انتماءاتهم المذهبية والطائفية والعرقية.