"الدفاع المشترك" ذريعة الأطلسي للهيمنة على العالم
يتحدثون دائما عن "التهديد الروسي".
منذ وقت ليس ببعيد، ادعت قوة معادية لروسيا أن روسيا تشكل تهديدا وتذرعت بما يسمى "الدفاع الجماعي" لتبرير ما صار حربا عالمية بين الدول خلفت عشرات الملايين من القتلى ودمرت بلدان بأكملها. إنها ألمانيا النازية بزعامة أدولف هتلر التي بررت قرارها بغزو روسيا بأن
الهدف من هذه الجبهة لم يكن حماية الدول بشكل فردي بل لضمان سلامة أوروبا، وبالتالي خلاص الجميع.
ولذلك قرر أدولف هتلر أن يضع مصير ألمانيا ومستقبل الرايخ الألماني والشعب الألماني في غمار الحرب وأوصل ألمانيا إلى ما وصلت إليه.
مبررات هتلر تبدو متشابهة مع مبررات الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي وتوسعها المتواصل شرقا والتصعيد ضد روسيا اليوم. وكذلك مثل ألمانيا شنت الولايات المتحدة الحروب في جميع أنحاء الكوكب، بعيدا عن حدود روسيا، ولا علاقة لذلك بالمصالح الروسية خارج حدودها، قبل وقت طويل من التحول نحو موسكو.
منذ الحرب العالمية الثانية، قامت الولايات المتحدة بغزو أو احتلال شبه الجزيرة الكورية وفيتنام وكمبوديا ولاوس والصومال ولبنان ويوغوسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا والاعتداء على سوريا. بعض هذه الدول تعرضت لهجوم من قبل الولايات المتحدة أكثر من مرة. وفي العديد من البلدان، سهلت الولايات المتحدة الإطاحة العنيفة بحكوماتها المختلفة، لا سيما في أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط، أولا من خلال استخدام وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه)، ثم من خلال منظمات مختلفة مثل الصندوق الوطني للديمقراطية (نيد). ولديها قوات متمركزة في أكثر من 100 دولة في جميع أنحاء العالم، وتحتل مئات المنشآت العسكرية.
ويسعى حلف الناتو علنا إلى التوسع. نظرة على خريطة توسع الناتو على مدى العقود الماضية بعد إنشائه تبين أنه يعمل بوضوح لتطويق روسيا - الإطاحة القسرية بالعديد من الدول على طول حدود روسيا مع "الثورات الملونة" المدعومة مثل تلك التي شوهدت مؤخرا في أوكرانيا. في الواقع، كانت الانتفاضة السابقة في أوكرانيا، "الثورة البرتقالية"، من صناعة الولايات المتحدة. فقد اعترفت صحيفة الغارديان في مقالها عام 2004، بعنوان "الحملة الأمريكية وراء الاضطرابات في كييف"، أنه:
... في حين أن المكاسب التي حققتها أوكرانيا من "ثورة الكستناء" البرتقالية هي مكاسب أوكرانية، لكن الصناعة هي صناعة أمريكية، وهي ممارسة متطورة وبراعة في العلامات التجارية الغربية والتسويق الشامل إذ أنه في أربعة بلدان وفي أربع سنوات، حاولت هذه القوى تغيير الانتخابات والإطاحة بالنظم غير الموالية.
وقد تم استخدام هذه الحملة لأول مرة في أوروبا في بلغراد في عام 2000 للتفوق على سلوبودان ميلوسيفيتش في صناديق الاقتراع، وتم تمويلها وتنظيمها من قبل الحكومة الأمريكية، ومراكز الاستشارات الأمريكية، ومراكز استطلاعات الرأي، والدبلوماسيين، والحزبين الأمريكيين الكبار، والمنظمات الأمريكية غير الحكومية.
في الآونة الأخيرة، تم إظهار تسجيل لفيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية وهي تتحدث مع السفير الأمريكي في أوكرانيا، وهو الذي كان يقود النظام الذي سيحل محل الحكومة التي تمت الإطاحة بها.
في الآونة الأخيرة، اعترفت صحيفة نيويورك تايمز بأن الغرب يتعمد تزوير أسعار النفط العالمية لتقويض روسيا. هذه الاستفزازات ليست تصرفات دول تسعى إلى السلام أو تهدئة التوترات، إنما هي استفزازات خبيثة تهدف إلى الاستمرار في التوتير للحصول على رد فعل يستشهد به بعد ذلك "كتهديد" إضافي يتطلب "دفاعا جماعيا" إضافيا. وهكذا تتم قيادة العالم الغربي بأكمله.
وهذا ما يسمى "الإمبريالية"
ومن الناحية التاريخية، فإن الأمة التي تتصرف هكذا تعرف باسم "الإمبريالية". ويحتفظ الإمبراطوريون بمجموعة متنوعة من الحيل لجعل طموحاتهم للهيمنة العالمية تظهر على أنها سلسلة من التحركات المتتالية في الدفاع عن أنفسهم، أو الدفاع عن الآخرين.
وقد صقلت الولايات المتحدة على وجه الخصوص هذه الاستراتيجية لتشمل "الدفاع عن الديمقراطية" في جميع أنحاء العالم، وتتدخل حيث تدعي أن هناك أوجه قصور. وحتى في الوقت الذي ادعت فيه أنها تدعم الغوغاء في كييف قبل الإطاحة بالحكومة المنتخبة آتذاك بالفعل من أجل "الديمقراطية"، فقد ادعت أيضا أن موسكو نفسها تعاني من عجز في الديمقراطية - وهذا يعني أن زعزعة الاستقرار والفوضى التي أطلقتها الولايات المتحدة في أوكرانيا في نهاية المطاف كانت تهدف للانتقال إلى روسيا. فهل تنتظر روسيا ببساطة حتى يحدث ذلك.
ليس من المستغرب أن روسيا قررت بدلا من ذلك الدفاع عن نفسها.
يذكر المؤرخون أن الشعب الحالي هو الذي يدفع الأثمان بالنتيجة النهائية نتيجة لاستخدام أدولف هتلر لمقولة "الدفاع الجماعي" لغزو جارته الشرقية. فالحرب كلفت عشرات الملايين من القتلى الألمان ودمرت كل ألمانيا وتقسمت لعقود بعد ذلك، وقامت بعملية مؤلمة لإعادة الإعمار والمصالحة والقصاص على الجرائم التي ارتكبتها ضد الإنسانية.
بالنسبة للشعب الألماني نفسه، فقد دفع أعلى سعر للجرائم ولكن عدد قليل من مراكز القوى الخاصة. تمت تصفيته بعد ذلك ولا سيما الحزب النازي. ولكن نجح آخرون، بما في ذلك المصرفيون والصناعيون الذين تمكنوا من إثراء أنفسهم خلال حكم النازيين - بمن فيهم العديد من الشركات الأمريكية - في الإفلات التام من العقاب، وهم اليوم يربحون من الحروب الجديدة التي يدعمونها ضمنيا من خلال "مراكز الفكر" التي يمولونها وتتحول لأوراق سياسية تنتهي في نهاية المطاف إلى مشاريع قوانين، وإعلانات للحرب من خلال عناوين الأخبار التي تظهر على الشاشات.
التاريخ لا يحتاج إلى تكرار نفسه. ويمكن للناس أن يرفضوا بسهولة الحجج التي تطلق حول "الدفاع الجماعي"، أينما يتم تقديم مثل هذه الحجج. لن يحارب الناتو حربا بدون جنود. بالفعل في حربه بالوكالة مع روسيا في أوكرانيا، فقد وجد القليل من الناس المستعدين لتقديم أنفسهم كبيادق في هذه اللعبة. ويسعى الاوكرانيون الى الحصول على مأوى في روسيا ليس هربا من "المتمردين المدعومين من الكرملين" بل هربا من المجندين في كييف الذين يسعون الى مزيد من الشبان لتغذية حرب العدوان التي عجلت بها المصالح الاجنبية.