هل أنقذ نتنياهو المملكة من أزمة الخاشقجي؟

30.10.2018

بتنسيق أو بدونه لا يمكن اعتبار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خارجة عن المشهد الإقليمي المحيط بكل ما يدور في فلك الخلافات الخليجية الخليجية او العربية الإسرائيلية او الأميركية الروسية بل هي جزء منها وجزء من هذا المشهد هو التحدّي المباشر حول قضية مقتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي وما يعنيه ذلك بالنسبة للعائلة السعودية المالكة التي ترغب بالحفاظ على ولاية العهد لمحمد بن سلمان من جهة وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعم لهذا الخيار وما لحقه من انتقادات أميركية محلية استغلت للتأثير على الانتخابات النصفية.

قبل الحديث عن سلطنة عمان والخطوة التي ما كانت قادرة «إلا» على القيام بها، لا بد من السؤال حول سبب التغيير في خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بما يتعلق بالأمير محمد بن سلمان فبعد ان اصبحت الجريمة الاهتمام الاول للعالم والرأي العام فيه لم يستبعد ترامب ان يكون إبن سلمان متورطاً. ومفهوم أن هذا الموقف جاء بضغط محلي وحسابات انتخابية يستغلها خصومه، لهذا السبب صار المطلوب من إبن سلمان تقديم الكثير والوفير بالملفين التاليين:

الأول مالي ورفع مستوى التقديمات السعودية لغايات تجارية ونفطية أميركية. وهذا متوقع. أما الثاني فهو صفقة القرن وتمريرها. الأمر الذي يؤكده مصدر سياسي عربي رفيع لـ»البناء» وهو فشل صفقة القرن بعجز سعودي عن تمريرها بعد رفض الملك سلمان التخلي عن الملف الفلسطيني بهذا الشكل والتوقيع. الأمر الذي أُخبر به الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحقيقة تعود الى ان العجز السعودي مفاده عدم الاستسلام الفلسطيني والفشل في إقناع حركة فتح والسلطة الفلسطينية التي تزداد تمسكاً برفض اي نوع او بند من هذه الصفقة. وعلى هذا الأساس أخبر المسؤولون السعوديون صهر الرئيس الأميركي المكلف بالملف جاريد كوشنر باستعصاء القضية.

بمقتل الخاشقجي صار الضغط على إبن سلمان مضاعفاً وصارت مسألة تغطية الأميركيين له أمراً ليس سهلاً إلا أن ترامب الذي يحظى بمكانة جد عالية عند الإسرائيليين، وخصوصاً صداقة مميزة مع نتنياهو حرك مسألة الصفقة من زاوية خليجية أخرى بدون الغوص بمسألة إسقاط ولاية العهد عن إبن سلمان الذي قدّم الكثير مبدئياً لواشنطن والقادر على تقديم المزيد لاحقاً. وبالتالي فإن تخليصه من الأزمة تدريجياً يبدأ مع الضغط على تركيا التي خففت من منسوب التصعيد، خصوصاً أن الرئيس التركي لم يقدم معلومات مبهرة عن عملية الاغتيال او قتل الخاشقجي ولم يقدم ايضاً أي معلومة حول رد فعل تركي مباشر. فانتظار التحقيقات يعني انتظار «التفاوض» على شيء ما. وهكذا بدأت القضية بالخفوت تدريجياً بدون أن يعني ذلك إقفال الملف بل السكوت على مضض حتى تتحقق المطالب التركية، خصوصاً بعد الضغط الأميركي الكبير والحصار المالي وتدهور الليرة التركية.

زيارة نتنياهو الى سلطنة عُمان أزاحت المشهد بالكامل إليها ونثرت الغبار وحولت الأنظار عن قضية مقتل الخاشقجي بدون أن يشعر الشارع العربي بذلك. فالصدمة التي تكفلت بها سلطنة عُمان كانت كافية لهذا الشارع للاندهاش والسؤال عما يجري وكانت أكبر من صدمة تقطيع جثة الخاشقجي داخل حرم دبلوماسي. وبعد التوضيح العماني تبين أن الملف هو فلسطيني إسرائيلي أي بكلام آخر «صفقة القرن» من بوابة جديدة ومكان آخر ليس الرياض هذه المرّة.

سوابق التفاهمات التي انطلقت من سلطنة عمان كبيرة وكثيرة. فالسلطنة هي التي استقبلت مساعي الاتفاق النووي الأميركي الإيراني والدول الغربية. وهي اليوم تتكفل بادارة الملف التفاوضي بين السعوديين والحوثيين. والحديث عن سحب الملف من أيدي الرياض غير صحيح، لأن التنسيق العماني السعودي قديم وكل ما يجري منذ أكثر من خمس سنوات تفاوضياً بالملفات المذكورة كان تحت الغطاء الأميركي بالكامل، وبالتالي فان قراءة الاستراتيجية الأميركية حيال حلفائها الخليجيين صارت واضحة فتوزيع الأدوار واضح.

أولاً: بالنسبة لقطر التي لا تزال حليفة واشنطن فإنها في الوقت نفسه حليفة تركيا وصديقة للإيرانيين. وهذا وحده يتكفل بقطع العلاقة الأميركية معها، لكن هذا لم يحصل وبرزت هنا مسألة توزيع الأدوار على حلفاء واشنطن.

ثانياً: السعودية الضامن الأول للتمركز الأميركي في سوق النفط في العالم والمموّل الأساسي للعديد من المشاريع الأميركية والضامن لتمرير مشاريع سياسية في الشرق الاوسط بتامين غطاء إسلامي عريض. فلا يتخلى الأميركيون عنها ولا تتخلى عنهم مستغلة الدعم الأميركي بوجه إيران وسياساتها التي ترفع واشنطن من منسوب تهديدها «الوهمي» والمبالغ فيه بالكثير من الأحيان.

ثالثاً: سلطنة عمان التي تعتبر منصة التفاوض في آخر الطرق وإنذار إعلان التحولات الكبرى، وهي مسرح للتفاوض السياسي وإرسال الرسائل ونقطة وصل بين المتخاصمين. ومما لا شك فيه أن حياد عمان وقلة تدخلها بجدالات الساحة العربية جعلها تحافظ على موقعها التفاوضي الذي قدمته الى العالم. واليوم ينطلق منها أخطر الملفات وهو التطبيع وزيارة نتنياهو كشفت أن العلاقة قديمة وسرية والتنسيق بين مخابرات البلدين قديم أيضاً يصل لعقود.

نجح نتنياهو بإنقاذ حليف الحليف ونثر الغبار على قضية الخاشقجي بزيارة ألهبت الشارع العربي بعد التركيز على قضية تصدّرت اهتمامات الصحافة العالمية وكشفت عن وحشية غير مسبوقة. فكانت المفاجأة التي خرجت من قصر السلطان قابوس. فهل تكون فرصة جديدة تعوّم إبن سلمان؟ ام ان الرياح لن تجري كما يشتهي الأمير الشاب هذه المرة والضغوط أكبر بكثير؟

وقالت حركة فتح في بيان وصل لوكالة «سبوتنيك» نسخة منه: «إن زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو لسلطنة عُمان هو نسف لمبادرة السلام العربية القائمة على أساس الأرض مقابل السلام الشامل ومن ثم إقامة العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل».