انتقام أمريكي من لبنان و"حزب الله" في الواجهة
أن تقدم دولة كبرى بحجم الولايات المتحدة على فرض عقوبات اقتصادية ومالية على أفراد من حزب لبناني فهي خطوة تستحق التوقف عندها والتمعن قليلا نظرا للاختلاف الهائل بالحجم والقدرات والإمكانيات بين دولة تتحكم بالعالم وحزب على أرض لبنانية تبلغ مساحتها تقريبا مساحة "رود أيلاند" أصغر ولاية أمريكية.
لا شك أنه أسلوب قديم - جديد تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في العالم "سياسة العقوبات الاقتصادية والمالية" بوجه كل من يحاول أن "يرفع رأسه" ولو قليلا ليس للمواجهة بل لتثبيت الذات في وقت اعتاد فيه الأمريكي على زمن الانحناءات الطوعية والاستلام وخنوع الدول والأشخاص والمجتمعات لواشنطن دون أي صعوبة تذكر.
"شرطي العالم" على مشارف التقاعد
لكن العالم اليوم يشهد تغيرات وتبدلات جذرية باتت خلالها الدول والمجتمعات أكثر مرونة وقدرة على التعبير عن موقفها، لكن ذلك لا يعني أن إطلاق العنان للقرارات الذاتية لدول العالم في اتخاذ مصيرها
وما يتفق مع مصالحها بات لها حرية الاختيار والقرار فهناك بنظر الكثيرين دولة رعاية لشؤون الجميع وهي الولايات المتحدة الأمريكية "شرطي العالم" الذي بات على حافة التقاعد ويحاول البقاء ومصارعة المستقبل بأدواته المختلفة فقط لهدف البقاء فوق الجميع كما اعتادت منذ سنوات طويلة.
أصبحت الولايات المتحدة تستخدم منطق العقوبات الاقتصادية الناجع (الموت البطيء) بحسب رأيها على منطق الحروب والغزوات الذي لطالما شكل خسائر أكبر لها ومن الأمثلة التاريخية غزوات أمريكية لفيتنام ودول لاتينية أخرى وإنزال قوات عسكرية في لبنان والعراق وغيرها الكثير.
وتفرض الولايات المتحدة اليوم عقوبات اقتصادية ومالية وتكنولوجية على دول عديدة أبرزها كوريا الشمالية وإيران وكوبا وليبيريا والعراق، بالإضافة إلى روسيا والسودان وليبيا. وتعتمد واشنطن مبدأ العقوبات الجزئية أيضا من خلال عقوبات جزئية على أشخاص في دول أوروبية وعربية من بينها لبنان وسوريا وغيرها.
فقاعة العقوبات الأمريكية بوجه "حزب الله"
بعد العجز الكامل للولايات المتحدة والإخفاق في تحجيم "حزب الله" الذي بات قوة إقليمية يحسب لها الحساب، اختارت واشنطن التلويح "إعلاميا" بالعقوبات الاقتصادية على لبنان من بوابة "حزب الله" بالرغم من العقوبات المستمرة والقديمة التي لطالما كانت مفروضة على الحزب وأخرها فرض عقوبات على شخصيات وقادة في الحزب لهم رمزية خاصة منهم نواب لبنانيين ومن هنا تشير الرسالة الأمريكية أن استهداف لبنان سيكون عبر بوابة الحزب في المستقبل.
الاستفاقة الأمريكية الأخيرة على العقوبات لن تأت من الفراغ بل انتقاما من لبنان ومواقفه الأخيرة التي تجلت بتشكيل حكومة يشارك فيها الحزب ما أغضب واشنطن وتجلى ذلك عبر رسائل مباشرة للمعنيين اللبنانيين حول مخاوف أمريكا من نفوذ الحزب المتعاظم في الدولة اللبنانية.
ومن الأسباب الأخرى التي أغضبت واشنطن هو موقف لبنان الرسمي من عدم المشاركة في مؤتمر البحرين ما اعتبرته الإدارة الأمريكية مسا بهيبتها وتأثيرها على السياسة اللبنانية وبالتالي عملية الرفض هي صفعة تحاول واشنطن ردها لبيروت بكل الوسائل المتاحة ومن بوابة الحزب كأفضل خيار.
أما اختيار الولايات المتحدة هذا التوقيت بالتحديد فيعود بالأساس لسبب تعقيدات المفاوضات بين لبنان وإسرائيل والوساطة الأمريكية بشأن ترسيم الحدود ومسألة تقسيم بلوكات النفط والغاز، لكن العناد اللبناني فجر المفاوضات وأفشل المهمة الأمريكية ما زاد من احباط الولايات المتحدة تجاه لبنان الرسمي.
وسيكون "حزب الله" بمثابة "كبش الفداء" بالنسبة لواشنطن في الفترات المقبلة من خلال اعتماد سياسة الانتقام بالقطارة وبشكل غير مباشر وذلك لعدم خسارة لبنان كليا ورسميا من جراء هذه العقوبات فستكون موجهة ضد الحزب وكل المقربين منه.
حسين سمور - وكالة سبوتنيك الروسية