معضلة اللاجئين.. ألمانيا ولعبة الدجاج الاقتصادي مع أوروبا الوسطى

25.01.2018

اتفق الحزب الديمقراطي الاجتماعي وحزب المحافظين على تسوية وسطية من أجل تشكيل ائتلاف آخر غير كبير مع أنجيلا ميركل التي تتناقص شعبيتها باستمرار في منصبها كمستشارة. ويبدو بذلك أن برلين لم تفكر جيداً في السياسات المسببة للمشاكل مثل قبول مئات الآلاف من اللاجئين الجدد من مناطق الحرب مثل ليبيا وسوريا. وفي تناقض صارخ مع سياسة برلين، فإن أربعة بلدان في أوروبا الوسطى وهي بولندا وجمهورية التشيك وهنغاريا وسلوفاكيا، ثابتة في رفضها لسياسة اللاجئين الإلزامية التي تفرضها بروكسل، وتحشد هذه الدول دعماً أكبر عبر الاتحاد الأوروبي من أجل تقرير مصيرها بنفسها.

تفتح المعارضة المتزايدة لمجموعة "فيسغراد"، انفصالاً محتملاً في الاتحاد الأوروبي، حيث ترفض بروكسل أي تغيير بشأن السياسة. ويتجه السكان في الاتحاد الأوروبي نحو التصويت للمرشحين الوطنيين مثل المستشار النمساوي المنتخب حديثاً من حزب الشعب النمساوي "سيباستيان كورتس".

تُعتبر الجهود التي بذلتها بروكسل ووسائل الإعلام الليبرالية لتشويه صورة زعماء مثل "فيكتور أوربان"، شكلاً جديداً للفاشية للدفاع عن الحقوق السيادية الوطنية من أجل تحديد من هو موضع ترحيب ليصبح مواطناً ومن ليس كذلك.

أوربان يأتي إلى ألمانيا

قام رئيس الوزراء المجري " أوربان" قبل وقت قصير من اختتام محادثات الائتلاف الألماني، بزيارة إلى ألمانيا استمرت ثلاثة أيام للاجتماع مع زعماء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في بافاريا. وأعلن أوربان هناك أن عام 2018 سيكون عاماً لاستعادة إرادة الشعب. وأوضح ما كان يقصده: " إن إرادة الشعب واضحة. الشعب لا يريد أن يعيش تحت تهديد الإرهاب، بل يريد الشعب الأمن وحماية الحدود، كما يريد الشعب من قادته أن يخرجوا هؤلاء الموجودين في منطقة شنغن والذين ليس لديهم سبب للتواجد فيها". 

يواجه أوربان في 8 نيسان إعادة انتخابات، ويقوم جورج سوروس بتمويل ضخم لهزيمة أوربان وحزبه "فيدس"، على الرغم من أن المعارضة منقسمة جداً في الوقت الحاضر.

أعطى الناخبون في الجمهورية التشيكية المجاورة في 13 كانون الثاني، القيادة للمرشح الرئاسي "ميلوش زيمان". وانتقد "زيمان" عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا ودعا إلى بناء علاقات اقتصادية مع الصين، كما فعلت دول أخرى في أوروبا الوسطى، كما أنه ينتقد بشدة سياسات اللاجئين في الاتحاد الأوروبي. ورفضت براغ، مع المجر وبولندا المساهمة في الحصص الإلزامية لإعادة توطين اللاجئين في ظل ضغوط قوية من المفوضية الأوروبية.

والمؤيد الثالث القوي للحق الوطني في تحديد هوية المواطن في حدوده هي بولندا. 

أعلنت المفوضية الأوروبية في كانون الأول أنها سترفع دعوى ضد بولندا والمجر وجمهورية التشيك في محكمة العدل الأوروبية لرفضها استقبال اللاجئين. ويطالب الاتحاد الأوروبي أيضاً بمقاضاة المجر لاعتمادها قانون جديد للتعليم العالي من شأنه أن يغلق جامعة أوروبا الوسطى المدعومة من قبل جورج سوروس.

ودفعت التغييرات التي أُدخلت على الدستور البولندي من حيث السلطة القضائية، الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق المادة 7 المثيرة للجدل والتي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تعليق حقوق التصويت البولندي في الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن تحدى الرئيس البولندي "أندجي دودا" تحذيرات بروكسل ووقع على الإصلاح القضائي. لم تستخدم المادة 7 حتى الآن لأنها تتطلب دعم الاتحاد الأوروبي بالإجماع، وأعلن أوربان أن المجر ستقف بجانب بولندا. وسيكون بذلك لدى بروكسل خيار تعليق مساعدات الاتحاد الأوروبي للاقتصاد البولندي فقط. وحذر "دونالد توسك" رئيس الاتحاد الأوروبي ورئيس الوزراء البولندي السابق، بولندا من مغادرة الاتحاد الأوروبي إذا تم خفض الأموال من قبل بروكسل.

لعبة الدجاج الاقتصادية

لعبة الدجاج السياسية التي تقوم بها بروكسل، بدعم من فرنسا وألمانيا على وجه الخصوص، لإجبار الدول الأعضاء في أوروبا الشرقية بحصصها الإلزامية من اللاجئين، يمكن أن تسبب خطورة على ألمانيا التي هي أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي. وتواجه برلين ضغطاً لإدخال سياستها المتعلقة باللاجئين إلى المجر وبولندا وسلوفينيا وجمهورية التشيك، فبغض النظر عن كونها مجموعة دول عاجزة اقتصادياً إلا أنها أكبر شريك تجاري لألمانيا.

مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيكون هناك تحول كبير في وزن التصويت بين الدول الأعضاء المتبقية في الاتحاد الأوروبي. وستكون مجموعة "فيسغراد" وخاصة بولندا، الجهة الرئيسية التي ستستفيد من هذا التحول. وإذا ما حافظوا على معارضة مشتركة لبروكسل بشأن السياسات الرئيسية، مثل اللاجئين الإلزاميين، فسيشعرون بنفوذهم السياسي كما لم يشعروا به من قبل.

وجاء وفقاً لمكتب الإحصاءات الاتحادي الألماني، في عام 2016، أن التجارة الخارجية مع بلدان مجموعة "فيسغراد" بلغت 256 مليار يورو. ووفقاً لتحليل أجرته مؤخراً مجموعة الاقتصاد الهولندي "جيفيرا"، فإن أوروبا الوسطى أصبحت الملتقى الرئيسي لاستثمارات الإنتاج الألمانية. فضلاً عن كونها مكاناً يتم نقل الشركات الألمانية إليه في كثير من الأحيان. تكاليف العمل في أوروبا الوسطى أقل بكثير مما هي عليه في أوروبا الغربية والتعليم أفضل بكثير، وهذا إرث الشيوعية في التعليم.

وتأتي دول مجموعة "فيسغراد" في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في توريدها للصادرات الألمانية، وهو أمر حيوي لاستمرار القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني.

ولدى بلدان مجموعة "فيسغراد" ناتج محلي إجمالي مساوٍ للناتج المحلي التركي وبالتالي لا غنى عنها اقتصادياً ولذلك لا غنى عنها بالنسبة للاتحاد القديم وخصوصاً ألمانيا. 

تصور النخب البيروقراطية في بروكسل ووسائل الإعلام الغربية، أوروبا الوسطى على أنها دول فاشية بسيطة العقل، وهذا خطأ فادح ينشأ من نوع من الغطرسة والبيروقراطية. قبل أن تصل الأحداث إلى تفكك الاتحاد الأوروبي من الشرق، وخاصة أن الحكومة النمساوية بقيادة "سيباستيان كورتس" أوضحت معارضتها لسياسات اللاجئين، فقد يكون من المنطقي تخفيف حدة المواجهة حول قضية اللاجئين مع دول مجموعة فيسغراد. وإذا لم يتم التخفيف من حدة المواجهة ستكون ألمانيا هي الخاسر الأكبر جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي.