واقعة فريدة من نوعها... يسردها لكم مستشار مفتي الجمهورية العربية السورية
كشف مستشار مفتي الجمهورية العربية السورية، المهندس باسل قس نصر الله، عن أحداث وتفاصيل واقعية جرت في وقت سابق في مدينة حلب السورية، حيث أشار موضحا ضمن إحدى مقالاته إلى ظاهرة فريدة لا يمكن أن نراها أو نسمع عنها إلا في تلك البلاد المباركة.
فسوريا اليوم التي تعرف تاريخيا بأنها مهد للحضارة والديانات السماوية، كانت ولم تزل حتى الآن نبعا لا ينضب من الوداد والمحبة وانموذجا مميزا للتآخي والعيش المشترك، فهنا لا فرق بين مسلم ومسيحي فكلهم نسيج واحد موحد مازال أبناؤه يتبادلون التهاني بأعيادهم الدينية المشتركة.
من هذا المنطلق كتب المهندس نصر الله قائلا "ما أن أدخل إلى باحة مسجد الروضة في حلب، حتى يحييني هذا ويسلم علي ذاك ويصافحني الثالث بحرارة حتى أصل إلى قبلية المسجد، فأدخل حافيا وأنا أسلم بإيماءة من الرأس على بعض الحاضرين، ثم تربع أمام درج المنبر منتظرا سماحة الشيخ أحمد بدر الدين حسون مفتي سورية بعد أن وصل إلى حلب ليبدأ خطبة الجمعة".
وأضاف المهندس نصر الله معبرا "أنسى الزمن مع كلامه، لأني لا أشعر بمرور الوقت، حتى انتهاء الخطبة هذا الأمر قد يكون عاديا لأي مسلم، ولكنه غير عادي بالنسبة إلى مسيحي".
وعن المسيحي الذي تمت دعوته لإلقاء كلمة ضمن الجامع أضاف هنا موضحا "منذ سنوات كنت مع شخص مسيحي آخر نستمع إلى خطبة الجمعة، وهذا الشخص كان الدكتور المصري بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وبما أنه لم يكن معتاد مثلي على التربع أرضا، فقد جلسنا ضمن السدة العلوية، وكنت انتبه حينها أنه كان مبهورا بكلمات سماحة المفتي العام، لكنه لم يتوقع أن يدعوه بعد الخطبة لإلقاء كلمة".
أذكر تماما جملته الأولى على المنبر عندما قال أنه خطب من أعلى منابر العالم لكنها المرة الأولى التي يخطب في جامع مع العلم أن مساجد القاهرة كثيرة جدا ، إلا أن أحدا لم يدفعه أو يدعوه اليها ، بذلك تكون هذه المرة هي الأولى التي يتكلم بها في المسجد، والفضل يعود إلى مفتي سورية، لأنه ليس بغريب أن يحضر مسيحي خطبة الجمعة، في مسجد من مساجد سورية.
من جانب آخر وعن هذا التآخي سرد المهندس "نصر الله" قصة واقعية أخرى قائلا فيها "عندما كنت في باريس نهاية العام 2018، لأشارك في مؤتمر حول دعم مسيحيي الشرق كنت أمثل مفتي سورية آنذاك وحينها استغرب الجميع هذا التمثيل وسأل البعض، لماذا أرسل مفتي سورية "مسيحيا" ليمثله؟ هل تأتي تلك الخطوة كنوع من الإثارة الإعلامية ؟ فأجبتهم ببساطة موضحا "سماحة المفتي قال لي بأنني لا أمثل المسلمين فقط بل أنا أمثل سوريا ككل.
ثم أردفت قائلا "هذا هو الإسلام السوري الحقيقي وهذا ما تعلمته من سماحته، حينها ضجت القاعة بمن فيها بالتصفيق المتواصل فليس بغريب في سوريا أن ترى مسيحيا في خطبة الجمعة وليس بغريب على الإسلام السوري أن يدعوك إلى الإيمان.
كما أنه ليس بغريب من الإسلام السوري أن يدافع على جناحه الآخر ألا وهي "المسيحية" عندما تتعرض لأي ضغوط من أجل الهجرة، فما زال السوريون المسيحيون ينتظرون كلمات مفتي سورية ويتلهفون لها حين يأتي إليهم للكنائس عند رأس كل سنة ميلادية وفي مناسبات أخرى عديدة مخاطبا ومهنئا أخوته و شركائه في الوطن هذا هو الإسلام بنسخته السورية الحقيقية، فهنا يحضر المسيحيون خطبة الجمعة ويحضر المسلمون احتفالات الكنائس كل عام.
إنها سوريا نفسها التي انجبت أحمد بدر الدين حسون اللهم اشهد إنّي قد بلّغت".
بتلك العبارات اختتم مستشار مفتي الجمهورية العربية السورية كلماته حاملا معه فيضا من المشاعر السامية وعبقا معطرا برائحة الغار الحلبي ذاك الغار الذي سُقي من ماء المحبة والمودة وتعطر من روعة الإخاء والعيش المشترك.