إطلاق النار في المدارس الأمريكية: فوضى في المجتمع الأمريكي
أدى القتل الجماعي المروع الذي وقع في مدرسة باركلاند الثانوية بفلوريدا إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة 12 آخرين وسبب للدولة حالة من الصدمة. القصة الدقيقة للمأساة التي سببها "نيكولاس كروز" البالغ من العمر 19 عاماً، ولماذا وكيف قام بذلك، لا يزال يجري التحقيق بها. وبوجود كل التفاصيل والشهادات المتضاربة يبقى اعترافه الشخصي دليلاً موثوقاً على ما حدث. ولسوء الحظ، يمكن مع مرور الوقت أن تختلط التفاصيل والأدلة وتقدم سبباً خاطئاً لإطلاق النار.
وبطبيعة الحال، فإن كروز ليس وحده في مسعاه الدموي هذا. وفي المقابل إن أي محاولة للحصول على الخلود من خلال عمل مشين كهذا سوف تفشل. وانضم اسمه إلى قائمة من عشرات الشبان المضطربين الذين حملوا سلاحاً وذبحوا زملاء المدرسة والمدرسين بدم بارد.
وأصبحت في الحقيقة هذه المآسي جزءاً من الأخبار الأمريكية. ويدور النقاش حول دور الأسلحة في المجتمع الأمريكي، ولا تأخذ الأسباب والدوافع أي انتباه. ما الذي يجعل شاباً يرغب بارتكاب جريمة قتل جماعي؟
ومنذ إطلاق النار الذي حصل في مدرسة "كولومبين" في عام 1999، لم يكن هناك سوى رابط واحد يربط بين جميع عمليات إطلاق النار بالمدارس باستثناء اثنين منها: وهو أن جميع مرتكبي الجرائم يحملون وصفات طبية لأدوية مهدئة.
وقد بدأ استخدام ميثيل فينيدات وأتينولول في التسعينات كوسيلة لتهدئة الأطفال الكثيري الحركة. وتوحدت جهود الأطباء النفسيين وشركات الأدوية لجعل فكرة علاج الأطفال بهذه الطريقة أمراً طبيعياً وعقلانياً.
وجاءت أيضاً أدوية أقوى لعلاج الأطفال. ووجد أن الأولاد الناضجين قد تأثرت عواطفهم وعقولهم بهذه الأدوية، وأدت إلى اضطرابات القلق التي كان يجب معالجتها بمثبطات امتصاص السيروتونين مثل: باكسيل أو زولوفت أو بروزاك أو سيليكسا. وكل دفعة جديدة من الأدوية تضمن المزيد من الأرباح للمنتجين. ولكن ما هو تأثير كل هذه الأدوية على الشباب الأمريكي؟ فقد انتشر إطلاق النار في المدارس منذ انتشار الأدوية بين الشباب.
وهذا يشير بوضوح إلى أن الأدوية المضادة للقلق تسبب ضرراً كبيراً على نفسية المريض. وفي الواقع، الإرادة والرغبة في ارتكاب القتل الجماعي هو جزء من تأثير انسحاب الدواء. ولم تكن هذه الإرادة والرغبة موجودة قبل بدء العلاج. ومع ذلك فإن صناع المستحضرات الصيدلانية والأطباء النفسيين يقولون دائماً: "لم يكن يتعاطى أدوية عندما ارتكب الجريمة".
سؤال آخر هو: لماذا يتخلى الجناة عن أدويتهم إذا كانوا بحاجة ماسة إليها؟ الجواب هو الآثار الجانبية.
هذه الآثار هي مجموعة كاملة من المشاكل الجسدية والعاطفية والروحية التي تنشأ عن الأدوية النفسية. بالإضافة للغثيان، الأرق، والعصبية، الدوخة، الصداع، عدم وضوح الرؤية، الهلوسة والأحلام السيئة التي تطارد الفرد. وغالباً يعذبهم ما يسمى "بالتخلي عن الله" أو الفقدان الروحي.
الآثار الجانبية شديدة لدرجة تتطلب المراقبة المستمرة من قبل المختصين لمنع الانتكاسات. والعديد من الناس غير قادرين على التعامل مع هذا الموضوع فيؤدي الانسحاب المفاجئ إلى صدمة بدنية وعاطفية فظيعة، فضلاً عن شعور الشر الذي يجتاحهم. ويبدو أن مثل هذه التصرفات هي السبيل الوحيد للتخلص من الخوف الناتج عما يسمى "الأصوات الشيطانية"، فالبعض وضعوا البنادق على رؤوسهم لإسكات هذه الأصوات والبعض الآخر قرر طاعتها. وهذا ما فعله "نيكولاس كروز" وكثيرين قبله، مما أدى إلى قيامهم بإطلاق النار على المدرسة.
هناك أزمة في أمريكا تتجاوز النقاش حول السيطرة على الأسلحة. وهناك جيل كامل من الشباب يكبرون مع الأدوية والأجهزة الإلكترونية كبديل عن الأمومة والأبوة الجيدة والقيم الاجتماعية والروحية القوية. ونحن نشهد العواقب الآن.