سر عرقلة الصناعات العامة السورية وتراجع الدخل... الكنز السوري ومفتاحه الضائع

27.02.2019

تستمر معاناة الكثير من مؤسسات القطاع العام الصناعي في سوريا من الخسائر والأداء المترهل وحرمان خزينة الدولة السورية من مصدر كبير من مصادر التمويل وتحقيق الإنتاج الكبير والتصدير والمنافسة، حيث بلغت خسائر مؤسسة الصناعات الكيميائية نحو 8.7 مليار ليرة وتأتي بعدها كل من النسيجية والسكر.

وبحسب صحيفة "الوطن" السورية فقد تراجعت أرباح مؤسسات القطاع العام الصناعي في عام 2018 بنسبة 95% عن عام 2017، حيث حققت أرباحا صافية بعد الضريبة والخسائر بقيمة 731 مليون ليرة سورية (1.4 مليون دولار لعشرات الشركات الصناعية العامة مجتمعة)  خلال العام الماضي (2018)، بينما كان الربح 15.3 مليار ليرة سورية في عام 2017 (نحو 30 مليون دولار).

يعاني القطاع العام الصناعي الكبير في سوريا من القيود القانونية والتنظيمية التي تكبله وتحرمه من المرونة اللازمة في تأمين مستلزمات إنتاجه وسرعة تصريفها في السوق المحلية والخارجية، وتحرمه هذه الآليات من منافسة القطاع الخاص، فالقطاع الخاص يهدف إلى الربح، ويستطيع تأمين مواده خلال نصف ساعة من السوق، أما القطاع العام فيحتاج إلى مناقصات وروتين وتواقيع وموافقات لتأمين مواده وهذا لا يتناسب مع المنافسة في الصناعة، وكذلك لا توجد أهداف تسويقية وربحية في المؤسسات العامة (كخط أحمر) وهذا ما يدمر القطاع العام حيث أن القاعدة تقول أن الربح والمنافسة خط أحمر لا يجب تجاوزه، أما القطاع العام في سوريا فهو يعاني من الخسائر وترهل الأداء الذي يمكن حله بوقت قصير.
وبحسب النتائج المالية لمؤسسات وزارة الصناعة، بيّن التقرير أن الخسارة كانت من نصيب ثلاث مؤسسات، وكانت الخسارة الأكبر من نصيب المؤسسة الكيميائية بنحو 8.7 مليارات ليرة سورية بعد الضريبة، ثم النسيجية بخسارة بعد الضريبة نحو 4.9 مليارات ليرة سورية، وأخيراً السكر بنحو 877 مليون ليرة سورية، أي إن خسارة تلك المؤسسات تجاوزت 11.6 مليار ليرة، إلا أن أداء الهندسية عدّل من النتيجة العامة، بعد أن حققت ربحاً صافياً بعد الضرائب يزيد على 6 مليارات ليرة سورية، ثم الغذائية بربح صاف يقارب 2.3 مليار ليرة، ومن ثم التبغ التي حققت ربحاً صافياً بنحو 1.8 مليار ليرة، والإسمنت يقارب 1.4 مليار ليرة، والأقطان بربح 822 مليون ليرة، أي إن ربح المؤسسات الخمس يزيد على 12.3 مليار ليرة.
وكانت نسبة تنفيذ 35% مقارنة بالمخطط إنتاجه للعام 2018، وبمعدل تطور بلغ 111% عن المنفذ عام 2017.
ولاحظ التقرير التراجع الحاد في النتائج المالية لمؤسسات الإسمنت والكيميائية والنسيجية، بينما كان الربح الصافي للإسمنت يقارب 8 مليارات ليرة سورية، عام 2017؛ انخفض إلى أقل من 1.4 مليارات العام الماضي، كذلك في الكيميائية فبعد أن كانت رابحة عام 2017، تكبدت خسارة كبيرة العام الماضي، وأيضاً ازدادت خسارة النسيجية بشكل كبير.
يحتوي القطاع العام الصناعي (وفق إحصائيات 2011 أي قبل الحرب) على 8 مؤسسات ضخمة فيها أكثر من 100 معمل صناعي وشركة حيوية، فالصناعات الهندسية لديها 13 شركة (كابلات، سيرونيكس، ألمنيوم وغيرها) والكيميائية 13 شركة (مثل الأدوية و الإطارات) والنسيجية 27 شركة والإسمنت 9 شركات والسكر 10 شركات والغذائية 25 شركة والتبغ 8 معامل بالإضافة إلى مؤسسات الأقطان والجرارات.

وخسرت هذه المؤسسات مايقارب 1تريليون و757مليار و151مليون ليرة سوري من عام 2007حتى عام 2011 وفق إعلان الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المنشور في الشهر الأول لعام 2013 لجريدة تشرين.

وتستطيع الصناعة العامة السورية تأمين الكثير من مستلزماتها من أسواق لبنان والأردن والعراق وإيران وروسيا، وكذلك تصريف منتجاتها في هذه الأسواق، إلا الروتين وغياب هدف الربح والمنافسة يحرم هذا القطاع من إمكانية النهوض الحقيقي.

يقول الدكتور سنان ديب رئيس جمعية العلوم الاقتصادية لوكالة "سبوتنيك" إنه "من قبل الأزمة كانت العقلية تعمل لتخسير القطاع العام وعدم إصلاحه رغما من تشكيل لجان متعاقبة وتوفر الإمكانات وما لم يتم إغلاقه بقرار كما حصل بسبع معامل باللاذقية ومعظمها كان جيد الإنتاج و مسوق و رابح، فإن بنادق الإرهاب دمرته كمعمل تاميكو والزجاج والجرارات وغيره وكذلك الخصخصة المبطنة.. للأسف خلال الأزمة لم تتغير العقلية و كان الإهمال هو العنوان رغما من توفر المواد الأولية والحاجة الماسة للمنتجات في ظل الحصار والعقوبات وهذه العقلية غريبة.

ويتابع الدكتور ديب "ففي الأزمات تكون للحكومة اليد الطولى في التحكم بمفاتيح الاقتصاد ولكن سطوة بعض المتنفذين على القرارات مازالت و لصالح دول لا مصلحة لها بتنمية مستقلة متوازنة..الحصار يزيد و يستمر نفس العنوان.لا قطاع عام إلا بعض الديكورات".

واعتبر الأستاذ الدكتور عصام اسماعيل في تعليقه لوكالة "سبوتنيك" أن تطوير المؤسسات الصناعية العامة يجب أن يبقى ضمن الملكية العامة ولكن بشرط تطوير التشريع الناظم لعملها ولأساليب إدارتها لإعطاءها المرونة الكافية على المنافسة وتأمين موادها وتصريف إنتاجها بسرعة كبيرة. وتابع الدكتور اسماعيل " بشكل عام لست مع الخصخصة بكافة أشكالها وإن حدثت يجب أن تكون بطيئة لأن آثارها الاجتماعية ستكون كارثية لو تمت بسرعة أي بطريقة الصدمة".

وبحسب راي الخبراء، فإن تطوير الصناعة العامة يحتاج ما يلي:
آ —  تشكيل مجلس إدارة لكل شركة من شركات القطاع العام ويكون هدفه النهوض بواقع الشركة و جعلها رابحة و رفع مستوى تنافسية منتجاتها و كفاءة أدائها، مع ضرورة إعطاءه الصلاحيات الكاملة للعمل وفق آلية السوق (أي نفس مرونة القطاع الخاص) مع الحفاظ على حقوق العمال. وتحقيق الهدف هنا هو جوهر الموضوع ويجب أن يكون شرطا ومهمة ثابتة قبل تعيين أعضاء المجلس.

ب — إعادة النظر بدور الأجهزة الرقابية فيما يتعلق بشركات القطاع العام الصناعي، و إنهاء ظاهرة تصيد الأخطاء الشكلية من قبل المفتشين باتجاه المدراء، و هذا ما يدفع بالمدراء إلى عدم اتخاذ قرارات ذاتية وتكثر الكتب المرفوعة إلى الجهات الأعلى، وتحد من قدرة المدراء الموهوبين و هذا أمر خطير في الصناعة حيث تتطلب سرعة في اتخاذ القرارات و خاصة المالية و الإنتاجية.

ج — صدور و تعديل التشريعات الناظمة لآليات العمل بما يدعم المرونة في أداء الشركات الصناعية و أنظمة الرواتب و الأجور و الحوافز (حيث يتقاضى العامل الجيد والكسول نفس الراتب حاليا) بالإضافة إلى أنظمة وقوانين التوريد والتسويق (والتسويق هنا يجب أن يراعي التسعير الأمثل بالإضافة إلى استخدام كل الأسواق المتاحة، بما يضمن زيادة القيمة المضافة في الصناعة والوصول إلى مستوى الأرباح و كفاءة الأداء المطلوب.

و — القضاء على ظاهرة الروتين التي تفشت في الشركات، حيث تسير الأمور وفق منهج إجرائي شكلي يعتمد على توزيع المسؤولية على عدة جهات إدارية، فيصبح اتخاذ القرار بحاجة إلى إصدار عدة موافقات وقرارات من جهات أخرى، وتزداد الأوراق.

ز- الاهتمام بتطوير القطاع المشترك في سوريا، بما يعزز دور القطاعين العام و الخاص و ذلك لأخذ إيجابيات التشارك حيث تتوافر للقطاع العام مصادر و بنية تحتية و موارد من الدولة، و يوفر القطاع الخاص آليات العمل المطلوبة لتحفيز الأداء و العمل بكفاءة اقتصادية، بالإضافة إلى الاستفادة من أموال القطاع الخاص في هذا المجال.

وبالتالي فإن تطوير الصناعات العامة وتحويلها إلى رابحة سيزيد من القدرة على رفع الرواتب والأجور مع القدرة على الحفاظ على أسعار منخفضة وهذا سيساهم في رفع دخل المواطن السوري لأن الموضوع لا يرتبط فقط بدخول موظفي الصناعة بل هو دائرة اقتصادية واسعة ووفقا لمبدأ المسارع فإن تحسن القطاع الصناعي سيدعم الكثير من القطاعات والاقتصاد الوطني بشكل عام.