روسيا ... وموقفها القوي في الصراع الإقليمي

05.05.2018

جدد المواطنون الروس في 18 مارس 2018، ولائهم لدولتهم، بإعادة انتخاب الرئيس بوتين لولاية رابعة، وهذا يدل على حجم الإنجازات التي تحققت خلال فترات رئاسته السابقة، والتي أصبحت واضحة لدى خصوم روسيا قبل محبيها، وقناعة الشعب الروسي في استمرار هذا النهج.

لقد حققت سنوات إدارة الرئيس بوتين، كثير من النجاحات، وخصوصا في مجال الاقتصاد، فقد أصبحت روسيا إمبراطورية طاقة في العالم، ووصلت للاكتفاء الذاتي، كما قل التضخم ونمى الاقتصاد بأرقام قياسية، وتحسنت مداخيل الشعب الروسي، بالرغم من تعرض روسيا – ومنذ سنوات - الى تدابير اقتصادية معادية من قبل أميركا وحلفائها.

ويعتبر اعتماد الاقتصاد الروسي على الطلب المحلي، أمر في غاية الأهمية، كونه سيعطي متانة وقوة للاقتصاد الروسي في مواجهة أي ضغوطات اقتصادية خارجية، وروسيا سوف تنجح في ذلك، وخصوصا إذا ما تم تقليل كلف الإنتاج أكثر وبالتالي سيتم تقليل أسعار السلع. إن هذه السياسة الاقتصادية يصعب تحقيقها في أغلب البلدان الغربية، فهم إما ليس لديهم أعداد سكان بقدر ما لدى روسيا، أو أن تكاليف الإنتاج باهظة جدا ومن المستحيل تقليلها بسبب عوامل كثيرة، وأغلب تلك الدول تعاني من المشكلتين معا، كما إن اغلب الدول الأطلسية تعاني من نقصاً في المواد الأولية الخام، في حين أن تلك المواد متوفرة في روسيا وبكثرة.

أما على الصعيد الخارجي، فكان توطيد العلاقات مع الصين، وترسيخ محور استراتيجي معها، وأصبحت تلك العلاقات حجر الزاوية في علاقات روسيا الخارجية.  وتم تشكيل الكتلة العالمية الأوراسية، بنواتها الصينية الروسية. وأكبر تأكيد على النجاح الكبير الذي تحقق في هذا المجال، قول كيسنجر:"إن الكابوس الجيوسياسي الرئيسي للولايات المتحدة هو التحالف الروسي الصيني".
وإضافة لذلك وقفت روسيا وبكل صلابة مع سوريا، بحرب كونية عالمية، وتم إفشال كل مخططات تقسيمها، وتم منعها من الضياع. فوضعت القيادة الروسية كل ثقتها بالقيادة السورية وحلفائها، والتي أثبتت أنها جديرة بهذه الثقة، وأثبتت أيضا عدم دقة كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون للرئيس بوتين "لا يمكن الوثوق في أحد أو في أي شيء في منطقة الشرق الأوسط".
ولولا محاربة روسيا الجدية للإرهاب في سوريا، لما نجى العراق من داعش، ولما أخرجت دول التحالف الدولي داعشها من العراق، ولذا كان إعلان العراق النصر على الإرهاب، قبل أيام معدودة من إعلان روسيا النصر على الإرهاب في سوريا. وهذا ما أكده الكرملين بعد أن أعلنت واشنطن النصر على الإرهاب في سوريا أيضا في بداية عام 2018، حيث قال: "الهزيمة يتيمة وللنصر آباء كثر".

لقد دعمت روسيا دول المقاومة للولايات المتحدة، وهذا أمر ليس بالجديد عليها، فروسيا كانت وما زالت وستبقى تقف مع قضايا الشعوب العادلة، وهذا هو سر ديمومة نجاحها، وهي على النقيض من أميركا في هذه السياسة والتي كانت سببا لفشلها وانهزامها.

روسيا عبر التاريخ كانت الضمان للسلام والتوازن في العالم، فروسيا هي "أم السلام" عبر التاريخ، وهذا ما شدّد عليه رئيس مولدوفا إيغور دودون في برقية تهنئة لبوتين بعيد انتخابات 2018،على أن روسيا القوية ليست مطلوبة لمواطنيها فحسب، بل إنها أيضا الضامن للاستقرار والقيم التقليدية في العالم بأسره.

روسيا: "دولة عظمى"، بانتصارها بالحرب الكونية في سوريا بمواجهة أكثر من 80 دولة داعمة للإرهاب ومنها دول تمسي نفسها عظمى، وبمواردها الهائلة، وبقوتها العسكرية التي لا يوجد نظير لها في العالم، حيث كانت وما زالت تمتلك من الأسلحة ما يمكنها من قلب عالي دول الأطلسي بسافلها وقبل أن يرتد إليهم طرفهم، وبقوتها الفضائية المسيطرة على الفضاء، وبإمكانياتها المتفوقة للتشويش الالكتروني، وبسياستها الخارجية الثابتة والرصينة، وبخبراتها العلمية الفريدة من نوعها والمبنية على أسس علمية صحيحة وسليمة، فروسيا الأولى بعلوم الفضاء، وباقتصادها القوي الذي لا يخضع للضغوطات الخارجية، وبمساحتها الشاسعة جدا، حيث تعتبر أكبر دولة في العالم، وبإرثها القديم.

إن الأسلحة الفريدة والمتقدمة التي عرضت في اجتماع الجمعية الفدرالية في 1 مارس 2018، والتي تمثل واحدة من أهم الإنجازات التي تحققت، ستكون الضمان للسلام والاستقرار في العالم، ولن يكون هناك سباق تسلح حقيقي بعدها -عدا بالطبع سباق التسلح الإعلامي - فخصوم روسيا ليسوا اليوم بمستوى هذا السباق، لا الآن، ولا في المستقبل.
إن النتيجة الحتمية للخسارة في الحرب في سوريا، ستكون سلسلة انهيارات لدى خصوم روسيا، وهذه الانهيارات لا بد من حصولها، مهما حاولت وراوغت تلك الدول.

إن نسبة كبيرة من أوراق القوة بيد روسيا، وقد تأكد ذلك في الحرب السورية، والتي أثبتت مدى حكمة وصبر القيادة الروسية، كما أثبتت مدى حنكة وحكمة القيادة السورية، باعتمادها المطلق وبكل ثقة على الاتحاد السوفياتي، ومن ثم على روسيا، وعدم اعتمادها - كما فعلت أغلب بلدان الشرق الأوسط - على مقولة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حيث قال: "99% من أوراق اللعب بيد أميركا". فإفشال مخطط تقسم دول الشرق الأوسط- سياسياً وعسكرياً - يكفي لإفشال باقي المخططات وسقوط كل الأوراق.

خلال السنوات القادمة، ستعيش روسيا ورئيسها حلاوة النصر واماله، في حين سيعيش خصوم روسيا، مرارة الهزيمة وآلامها، وهذه هي احدى قصص الكفاح بين الحق والباطل عبر التاريخ.