نظريات الولايات المتحدة للمؤامرة والعقلية الأمريكية في استخدام السلطة

23.02.2018

يُظهر التاريخ الاهتمام المتزايد لدى الأمريكيين بنظريات المؤامرة، بغض النظر عن الطرف الذي يمثله المتآمر. ويوجد أيضاً الكثير من النظريات المتطرفة في الولايات المتحدة. وهناك استمرارية تاريخية تؤكد أن الوعي الأمريكي، سواء لدى الطبقة الوسطى أو المزارعين أو الأوساط السياسية المؤثرة، متأثر بعمق بنظرية المؤامرة. 

قدم الديمقراطيون والعولميون بعقلية التآمر التي يفكرون بها، تصريحات حديثة بأن روسيا نفذت هجمات قرصنة منتظمة أثرت على النتائج الانتخابية في الولايات المتحدة. ويحاول علماء السياسة والخبراء من مختلف مراكز التفكير الأمريكية تقديم إثباتات عن البيانات الزائفة التي تأتي من إدارة البلاد. وتجري أيضاً عمليات مماثلة مع البلدان الأخرى والجهات الفاعلة غير الحكومية التي سببت القلق ضمن المؤسسة الأمريكية لأسباب مجهولة مثل (فنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية والعراق وإيران وحزب الله ومؤسسة آية الله والكنيسة الأرثوذكسية الروسية والشيوعيين والأحزاب اليمينية في أوروبا وغيرها).

تاريخ نظرية المؤامرة في الولايات المتحدة بدأ هذا العرف بالظهور في الولايات المتحدة في أعقاب إخراج المستعمرين السابقين من العاصمة البريطانية. وبالإضافة لذلك، فإن العلاقات من وجهة نظر المؤامرة المحتملة هي فكرة حركة التنوير.
كان في البداية البحث عن المؤامرات أمراً غير اعتيادي في أوروبا الغربية، وكان التحقيق القضائي في العصور الوسطى فعالاً. وكان في بريطانيا (التي اقتبست منها الولايات المتحدة مفهوم المؤامرة) الكثير من المحادثات حول المؤامرات الفرنسية، الإيرلندية والكاثوليكية ومحاولات حقيقية لتنظيم انقلاب أو هجوم على الحكومة. وأكدوا أيضاً أن مثل هذه الخطط الشريرة كانت موجودة بالفعل. فعلى سبيل المثال الخطة الفاشلة لتفجير البرلمان والتي دبرها جاي فوكس. 

وقال غوردون وود: " بحلول القرن الثامن عشر لم تعد المؤامرة مجرد وسيلة لشرح كيفية الإطاحة بالحكم، بل أصبحت أداء شائعة الاستخدام لشرح كيفية تصرف الحكام وغيرهم ممن يسيطرون على التطورات السياسية في الحياة ". وكان كتاب البروفسور ريتشارد هوفستاتر من جامعة كولومبيا (أسلوب الشك في السياسة الأمريكية) مثيراً للاهتمام، حيث يُظهر أن جيل كامل من الأمريكيين يعتقدون أن المؤامرات موجودة في كل التاريخ الأمريكي. يعتبر المؤرخ الأمريكي جيمس هوتسون السلوك الأمريكي ناتجاً بشكل عام عن الحسد والشك بسلطة الحكومة.

وأشار أيضاً إلى أن الخوف من إساءة استخدام السلطة السياسية، أدى إلى اعتبار نظرية المؤامرة الأمريكية جديرة بالثقة تماماً، على الأقل حتى حوالي عام 1830. وانتقل الاهتمام بعد ذلك إلى منظمات غير حكومية ومجموعات مثل الماسونية والكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وفي القرن التاسع عشر كانت المخاوف من مؤامرات مختلفة توحد العديد من الجماعات في الولايات المتحدة.  القرن العشرين والأساطير الجديدة كان القرن العشرين مليئاً بنظريات المؤامرة. فظهرت مخاوف محددة في الولايات المتحدة من ألمانيا والإمبراطورية الروسية والصين. وسيكون كافياً أن نذكر كتاب بروكس آدامز (الإمبراطورية الجديدة)، الذي نُشر في عام 1902، وكان يتحدث عن ضرورة تجنب الجمع بين المصالح الروسية والألمانية والصينية.

كان الوضع مع الإمبراطورية الروسية معقداً بشكل خاص بسبب قضية جواز السفر، التي أدت في عام 1911 إلى إيقاف معاهدة التجارة والملاحة الأمريكية الروسية التي عُقدت عام 1832. حدث ذلك تحت تأثير جماعات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذين كانوا يُدافعون عن حقوق اليهود الأوربيين والروس. وبطبيعة الحال فإن مثل هذه المنظمات ذات النفوذ، والتي مولت الحملة المناهضة لروسيا في وسائل الإعلام وقامت بابتزاز الرئيس "تافت"، سقطت تلقائياً في فئة المتآمرين في وجهة نظر المواطنين الأمريكيين الذين ليس لديهم أي صلة مع جماعات اللوبي. أثر عصر التدهور الاقتصادي على المجتمع الأمريكي بشكل حاد. وبدأت هوليوود ومؤسستها تحاولان عرض رؤيتهما لحل المشاكل. وكان يعتقد الدعاة الدينيون أن سبب فشل المحاصيل لعدة سنوات كانت آفة جاءت كعقاب من الله للشعب الأمريكي على خطاياهم.

كان هناك شكوك غريبة قبل الحرب العالمية الثانية، بين القادة العسكريين والسياسيين تجاه اليابان، على الرغم من دعمها للولايات المتحدة خلال الصراع مع روسيا. 

قتل كل من جون كيندي ومارتن لوثر كينغ، وظهور الإيدز والاحتباس الحراري، ودور اللجنة الثلاثية في الاقتصاد الدولي، كل هذه القضايا كان يُنظر إليها من وجهة نظر نظرية المؤامرة. وبناءً على ذلك، وفي إطار فكر المؤامرة تم تنفيذ عمليات القتل أو تنظيمها من قبل عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وتم تكليف الأطباء من قبل الحكومة الاتحادية بتطوير الفيروس القاتل. واعتُبرت الظواهر الأوسع كنوع من التستر والدعم للشركات الكبيرة وجماعات اللوبي. وأكدت فضيحة ووترغيت أن الجمهوريين كانوا وراء تنظيم التنصت على الغرفة التي عقد فيها الديمقراطيون محادثاتهم. وأجرت وكالة المخابرات المركزية تجربة (إم كي ألترا)، وتم من خلالها إعطاء المخدرات من أجل السيطرة على العقول.

كما أن خطة وزارة الدفاع الأمريكية لعملية نورثوودس ضد كوبا، كانت تهدف إلى تنظيم استفزازات مع مزيد من العدوان العسكري في جزيرة خوفينتود.  وتبقى الحادثة التي حصلت روزويل (نيو مكسيكو) في عام 1947 حلقة غريبة، فوفقاً للرواية الرسمية، هبط الفضائيون على الأرض وكانت الحكومة الأمريكية تبقي هذه المعلومات سرية.

وتم نشر وثائق سرية من مصادر رسمية مثل وزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة المخابرات المركزية، وكذلك وثائق من مجموعات دولية مثل نادي بيلدربيرغ ونادي روما، بينت أن بعض الخطط السرية بشأن قضايا مختلفة وضعت ونُفذت في الواقع. أصبحت المواضيع الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بموضوع المؤامرات، هي هجمات 11 أيلول في عام 2001، وتأثير المحافظين الجدد في اتخاذ قرارات بشأن الغزو في العراق في عام 2003، فضلاً عن الحقائق التي تتعلق بنفوذ الشركات والمجمع العسكري الصناعي الأمريكي.

وتوفر بعض التسريبات التي تنتشر بمساعدة ويكيليكس أرضية إضافية لتداول الرأي القائل بأن المؤسسة الأمريكية تمتلك بعض الألعاب السرية ليست في مصلحة المجتمع الأمريكي. مخاوف النيوليبراليين والتلاعب بهم إن الفضائح المرتبطة بتمويل حملة هيلاري كلينتون، وارتباط عائلة كلينتون بكيانات مالية والمشاركة في المشاريع المشكوك فيها، أوضح أن الأهداف الحقيقية في بعض المنظمات تتعارض بشكل كبير مع المبادئ المعلنة. ومع ذلك لا أحد مندهش بهذا المستوى من الفساد.

وبما أن هذه الحالات تندرج أيضاً ضمن إطار نظرية المؤامرة، يقوم ممثلو المجتمع العلمي المرتبطين بالسياسة في الولايات المتحدة، بمحاولات لتقديم المؤامرة على أنها "فرع من المعتقدات الكاذبة"، فعلى سبيل المثال أشار كاس سونشتاين إلى ذلك في نشرته العلمية التي نُشرت في عام 2008 تحت رعاية جامعة هارفرد وجامعة شيكاغو. من الضروري تقديم التوضيح التالي كاس سونشتاين محامي وباحث أمريكي وعضو في الحزب الديمقراطي. عارض بنشاط محاولة العفو عن بيل كلينتون، وعمل كمدير لسياسة المعلومات والتنظيم في البيت الأبيض بين عامي 2008 إلى 2012. وهو أيضاً مطور لنظرية (نودج) أحدث الاتجاهات في علم الاجتماع السلوكي في الولايات المتحدة. وتقول هذه النظرية أن الناس يمكن توجيهها لتنفيذ أي عمل، ولكن في الوقت نفسه يحتاجون إلى اعتبار هذا العمل كقرار منهم. وللقيام بذلك من الضروري خلق مظهر من الخيارات البديلة. وبسبب نظرية سونشتاين وقع باراك أوباما مرسوماً بشأن تطبيق أساليب العلوم السلوكية في الإدارة العامة والسياسة المحلية في 15 أيلول.

كان من المهم أن سونشتاين تعامل مع الأسباب المحتملة لنظرية المؤامرة بطريقته الخاصة. وربط ذلك بعمل ريتشارد هوفستاتر، حيث حذر أن مقترحه (أسلوب الشك) لا يشير إلى التشوهات النفسية والأمراض، ووضح هذه الظاهرة الاجتماعية. ومن الواضح أن سونشتاين كُلف من الحكومة للعمل في تأليف المقالات التي تشير إلى تدابير لمواجهة نظرية المؤامرة. ليس هناك شك في أن الاهتمام بالمؤامرة ظل على مستوى عالٍ نسبياً في أوراق السلطة الأمريكية. والسؤال هو كيفية تطبيق ومعالجة المعلومات وفقاً لمصالح البيت الأبيض.  كما أظهر انتصار دونالد ترامب أن نظريات المؤامرة كانت قوية بما يكفي داخل المجتمع الأمريكي. ولكن الليبراليين يبحثون عن المسؤولين في الولايات المتحدة وفي الخارج، في محاولة لاتهام روسيا بالتدخل والتأثير على الرأي العام. وستستمر نظريات المؤامرة بالتأثير على الأمريكيين، فضلاً عن صنع القرار على أعلى المستويات.