مفهومين متناقضين لان تكون عربيا
لا يمكن فهم الحقائق والقضايا المتعلقة بالعالم العربي دون الفهم الصحيح لقضية أكثر شمولاً، وهي قضية كون الإنسان عربياً. يعاني العرب حالياً من الكثير من الاختلافات والتناقضات فيما بينهم، ولكن لايزالون يتمتعون بما يكفي من النقاط المشتركة التي تميز العربي عن غيره. تشكل هذه النقاط المشتركة تقريباً نفس المشاكل في أجزاء مختلفة من العالم العربي. يدرك العرب جميعاً بالرغم من مشاكلهم النقاط والروابط المشتركة التي تجمعهم، وتجعلهم فخورين بانتمائهم وتخلق لديهم نوعاً من التعاطف والشعور بأن مصيرهم مشترك. يؤثر هذا الوعي في تكوين أفكارهم ومشاعرهم ومعتقداتهم وأهدافهم، لذلك لابد من إيجاد وسيلة للتواصل معهم لأنه من دون هذا التواصل لا يمكن إقامة أي تعاون مثمر وبنّاء معهم. لذلك يمكن القول باختصار أن هناك مفهومين مختلفين ومتعارضين حول كون الإنسان عربياً.
شكل الشعور المشترك بعدم الاحترام والإهانة من قبل المستعمرين الغربيين لأكثر من قرن من الزمن أحد الأسباب في ظهور هذه القواسم المشتركة، وأصبح التعاطف بين العرب أكبر في العقود الأخيرة. وكان لغزو العراق للكويت وطلب المساعدة من الولايات المتحدة للحصول صدمة كبيرة للعرب وزاد من حدة الوضع العاطفي. تُعتبر مكة المكرمة والخليج العربي ككل مكان مقدس، لذلك فقد شكل الطلب من أمريكا للقدوم شعوراً بالعار لدى الكثيرين. وكان ذلك أحد الأسباب لظهور حركة الزرقاوي الإرهابية وأمثاله بمظهر الأبطال الذين يدافعون عن العراق ضد أمريكا.
لا يعتمد شعور الفرد بكونه عربياً على أفكار ثقافية أو سياسية، ولكن يقوم على اعتبارات عاطفية تشبه صلة القرابة، فالدّين المشترك والتاريخ والثقافة وخاصة اللغة هي ما يسبب هذا الشعور. تتمتع اللغة بأهمية كبيرة جدّاً، فإلى جانب الإمكانات الممتازة التي تتمتع بها اللغة العربية في تكوين الخصائص الشخصية والنفسية للعرب فهي أيضاً لغة مقدسة، ومن المؤكد أن العرب هم الأمة الوحيدة التي تتأثر بلغتها إلى هذا الحد ويشارك الإسلام كدين في تشكيل هذا الشعور. كانت الوحدة الإسلامية موجودة في عقولهم على مدى القرن الأخيرة، فيعتقد العرب أن الوحدة العربية هي السبيل إلى الوحدة الإسلامية، وخاصةً عندما يشعرون بالأسف لفقدان سلطتهم والخلافة والعهد الذهبي وهذا ما يظهر بوضوح في أدبهم. ويعتمد مشايخ العرب على هذا المفهوم لمشاركة مشاكلهم مع دول عربية أخرى وبالتالي يحصلون على دعم من إخوانهم العرب.
لاحظت الطبقة المثقفة في العالم العربي وخاصةً الحكام والدبلوماسيين العرب معنى ومفهوم آخر للانتماء العربي، سواء كان مسلماً أو مسيحياً. ويغلب هذا المفهوم في ثقافتهم الجامعية والجو السياسي، وعلى الرغم من اختلاف شدته من بلد لآخر، إلاّ أن سياستهم الخارجية تتشكل منه أولاّ وقبل كل شيء. هذا المفهوم هو نتيجة لإدخاله إلى القومية الغربية، وفي كثير من الحالات تم التأكيد عليه من قبل المستعمرين.
اتفق جميع مؤسسي هذا المفهوم، بغض النظر عن اختلافاتهم على معارضته للإسلام على أنه أسلوب حياة واعتباره إرثاً للحضارة العربية. فهذا المفهوم يعتبر الإسلام نتيجة عبقرية عربية ويعارضون بشدة أي محاولة لجعله نموذجاً للحياة. كان هناك حافز أكبر لإحياء الحضارة القديمة بعد الاكتشافات الأثرية في القرن التاسع عشر في مصر، مما يعني الوداع للإسلام والحركات الإسلامية.
يجعل هذان المفهومان بالإضافة للغة العرب يؤثرون ببعضهم البعض بسهولة. فيمكن للفساد في بلد عربي واحد أن يؤثر على الأخرين من خلال وسائل الإعلام والمجلات والمواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية، في حين أن السمات الإيجابية لأي أمة عربية لا تؤثر أبداً على الأخرين. فعلى سبيل المثال فإن الشعب السوري مجتهد ولكن هذا لا يؤثر أبداً على إخوانهم وحلفائهم العرب. ويرجع ذلك إلى أن المشاعر التي سببها "الربيع العربي" قد انتقلت إلى العالم العربي، وأن الثورة في تونس قد استحوذت على جميع البلدان العربية تقريباً. ولكن الشعب السوري قاوم تدخلات القوى العظمى من اجل خلق عالم عربي جديد.