ما بعد حلب ... خيارات أردوغان الأخيرة في سوريا
الحرب على سوريا آلت إلى مآلات لم تكن تخطر ببال مخططيها وأردوغان الذي كان داعما للحرب الأمريكية على بلدنا بات مجال مناورته ضئيلا أمام التغيرات الكبرى التي لم تكن بالحسبان ولابحسبان حلفائه.
فقد أظهرت مفاعيل الحرب الظالمة على سورية أن رأس النظام التركي أردوغان كان قصير النظر بشكل كبير لسببين:
الأول: حين اعتقد أن الحرب الأمريكية وتواطؤه فيها على سورية ستحقق أهدافها المعلنة لهذا أمعن في دعم الإرهابيين ظاناً أنه سينال بعض المكاسب منتهكاً اتفاقية أضنة المبرمة بين دمشق وأنقرة عام ١٩٩٨ م حتى أضحى محتلا لأراضٍ سوريّة، ولم يعد فقط منخرطاً في التآمر عليها ، وهو الذي دعم منذ البداية مشروع الحرب، وعمل على تجنيد الإرهابيين من جميع أنحاء العالم وتأمين وصولهم، بحكم الحدود الكبيرة بين سورية وتركيا، وقد حول تركيا أردوغان إلى بؤرة للتواطؤ العالمي ضد سورية.
[ ] الثاني : لم يفهم أردوغان تناقض مصالحه في سورية مع مصالح أمريكا - وهو الحليف التقليدي لأمريكا ولحلف الناتو- أمريكا التي راحت تدعم النزعة الانفصالية عند بعض الأكراد، ضمن سعيها لتحقيق مشروع التقسيم الكبير للمنطقة - ومن ضمنها تقسيم تركيا نفسها التي تعتبر إقامة كيان كردي تهديدا مباشرا لوحدة تركيا.
[ ] الذي حدث أن المخطط الأمريكي فشل وانقلبت الموازين لصالح الدولة الوطنية السورية بعد دخول القوات الروسية في ٣٠ أيلول ٢٠١٥ ومساندتها للجيش العربي السوري الذي صمد بتضحياته ودعم الشعب السوري .حينها وجد أردوغان، أن أمريكا زاد اعتمادها على الأكراد الانفصاليين وهو الأمر الذي يخشاه، عندها قرر أن يمد يده إلى روسيا فكانت محاولة الانقلاب الأمريكية ١٥ تموز ٢٠١٦ على أردوغان. لكن الاستخبارات الروسية أفشلتها وقام بوتين بجذبه إلى مسارات ( سوتشي ) وأستانة بمشاركة روسيا وإيران
[ ] بوتين الذي بدأ يعمل على إغراء أردوغان لإبعاده وعزله عن أمريكا، وهو يعلم أنه لن يلتقي معه في خندق واحد لأن أردوغان يدعم الجماعات المسلحة التي دربها الغرب وأمريكا لتقويض الأمن والاستقرار ليس في سوريةفقط، بل في منطقة القوقاز الروسية وآسيا الوسطى التي تشكل خاصرة روسيا، قدّم بوتين لأردوغان مبيعات أسلحة وصفقات طاقة، منظومة إس-400 الدفاعية الصاروخية الروسية و مشروع "السيل التركي" لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مرورا بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية اليونانية.
[ ] الحب بين أردوغان وأمريكا انفقد منذ محاولة الانقلاب الفاشلة، ولكن العلاقة الناشئة مع روسيا هو حريص على دوامها، لأنه إذا ما انقطعت حباله مع روسيا فلا ناصر له ولا ولي . أمريكا حاولت أن تحافظ على أردوغان ونجحت نجاحاَ محدوداً في معالجة مضاعفات محاولتها الانقلابية. لكن ما الذي تستطيع أمريكا أن تقدمه له وهي التي اتخذت قرار عدم الصدام مع روسيا في سورية ، ولو كان هناك قرار بالصدام نع روسيا لحدث منذ عهد أوباما.
[ ] انقلاب الموازين الذي يحدث في سورية هو انعكاس لانقلاب الموازين الدولية، اليوم الوضع معقد والأزمنة متغيرة وغير مسبوقة، تحد غير مسبوق لهيمنة أمريكا في المنطقة والعالم، وهي التي قدمت إلى المنطقة لفرض هيمنتها عليها، ولتصبح كلمتها هي العليا، ثم تقوم بنهب الثروات وتوزيع الأدوار وتقاسم النفوذ .
[ ] تركيا فقدت مشروعيتها القانونية، انتهكت اتفاق أضنة وها هي اليوم تنتهك اتفاق سوتشي المُوقّع في أيلول (سبتمبر) عام 2018 والذي تعهّد أردوغان بتنفيذه ، ومن أبرز نُصوصه الفصل بين الجماعات الإرهابيّة الأُخرى غير الإرهابيّة، وعودة مدينة إدلب إلى السّيادة السوريّة. أردوغان فقد رصيده الداخلي الشعبي في تركيا بعد هزيمته في استنبول في الانتخابات المحلية التركية، ورصيده الخارجي يتآكل، علاقته مع أمريكا مفقودة رغم هروع بومبيو لمساعدته، وعلاقته ب روسيا تتآكل، أوهامه كبيرة وأدواته بسيطة، فالجماعات المسلحة التي يعتمد عليها أُسقطَ عنها الغطاء الأخلاقي وهي التي كانت تدّعي حماية المدنيين في إدلب، وكيف فرت هاربة أمام تقدم الجيش العربي السوري .
[ ] في كلمته مشاركاً ومباركاً أبناء حلب أفراحهم بتخليصهم من الإرهاب قال الرئيس بشار الأسد: ".. إن معركة تحرير حلب وإدلب مستمرة بغض النظر عن بعض الفقاعات الصوتية الفارغة الآتية من الشمال" .
أردوغان وجوده غير شرعي في سورية وهو محتل، وسيخرج من إدلب، لكنه يخاف ما بعد إدلب ..
إننا نعيش أحداث غير مسبوقة ، وأزمنة متغيرة، ورجال السياسة المتذبذبون من شاكلة أردوغان لم يعودوا يعرفون طريق الوصول وهم يحتاجون إلى من ينزلهم عن الشجرة