اليمن يثقب الجيوبوليتيك الأمريكي!
يدافع اليمنيون عن بلادهم بضراوة واستبسال منذ خمس سنوات متواصلة، تبدو كافية لينتقلوا الى مرحلة استهداف من الخصم في قلبه.
الخصم المباشر هنا هو التحالف السعودي – الإماراتي والمرتزقة اليمنيّون والعرب وبعض الإقليم بتغطية اسرائيليّة… اما العدو الأكبر صاحب مشروع السيطرة على اليمن فهم الأميركيون.
هذا التشابك في القوى التي تهاجم اليمن وتسفك دماء مدنييه وأطفاله تطلّبت نبوغاً بمستوى رفيع لجمعها في أهداف واحدة، فإذا كانت بقيق واخصيص وينبع وارامكو وغيرها ممتلكات سعودية في ظاهرها، فهي في عمقها جزء أساسي من الاقتصاد الغربي بسيطرته الاميركية.
وهذا هو الجيوبوليتيك الاميركي الذي يعتبر ان حدود بلاده تصل الى حيث توجد مصالحها الاقتصادية وبما ان السعودية هي الجزء الحلوب الاساسي بالنسبة للاميركيين فتشكل عصبهم الاقتصادي منذ العام 1945 أي التاريخ الذي وقع فيه الرئيس الاميركي روزلفت والعاهل السعودي عبد العزيز معاهدة «كوينسي» التي لا تزال تستند حتى اليوم على توفير الحماية الاميركية لشبه جزيرة العرب مقابل اولوية الاميركيين في الاستفادة من الثروات الاقتصادية لهذه المنطقة.
بناء عليه، يطبق الاميركيون هذه المعادلة ببراعة على الرغم من اكتشافهم كميات ضخمة من النفط الصخري في بلادهم، لكنها لم تمنعهم من مواصلة اعتبار هذه المنطقة الممتدة من الكويت والبحرين والامارات والسعودية وعمان وقطر أهم مناطقهم الجيوبوليتيكية في الاقتصاد والاستراتيجيا والسيطرة على العالم الاسلامي من خلال الدين والمكرمات والقواعد العسكرية.
هذا ما دفع الاميركيين الى مباركة الهجوم السعودي الإماراتي على اليمن بدعم اقليمي ودولي وحشود من المرتزقة المحليين والإقليميين، والذي شن منذ 2016 عملية واسعة لاجتياح اليمن، متوهماً ان بضعة اسابيع او اشهر في اقصى الاحتمالات كافية لسحق القوى اليمنية الوطنية التي تمكنت من الانتصار على الجماعة اليمنية الموالية للسعودية.
لكن هذا العدوان لا يزال مستمراً منقلباً على أصحابه من مستوى هجمات ضارية كانوا ينفّذونها وقتلت حتى الآن عشرات آلاف القتلى من المدنيين والنساء والأطفال الى مرحلة الدفاع عن مواقعهم داخل اليمن.
عند هذا الحد يبدو الأمر مقبولاً وعادياً لكن اليمنيين خالفوا «المعهود» التقليديّ ذاهبين الى تحليل يجمع بين المعتدي المباشر وصاحب الخطة. ما جعلهم يربطون بين السعودي والإماراتي والجيوبوليتيك الاميركي الذي يرعاهم بالسلاح والتدريب والخطة والأقمار الاصطناعية، وأخيراً صاحب مشروع الهجوم الحقيقي على اليمن وهو الاميركي.
بناء على هذا التحليل ابتكرت العبقرية اليمنية خطة لهجمات عسكرية تعكس ثلاث نقاط:
الاولى: تؤكد على تجاوز اليمن مرحلة الدفاع الى مستوى الهجوم الرادع.
والثانية تجسّد الهجوم على السعودية لإجهاض مشروعها اليمني.
فيما تذهب النقطة الثالثة كل عناصر الحرب على اليمن من المنفذ السعودي المباشر الجيوبوليتيكي منها.
فاليمن بالنسبة للاميركي هو ممرات استراتيجية من بحر عدن وتفرعه نحو المحيط الهندي والبحر الاحمر مروراً بباب المندب وصولاً الى قناة السويس ومسيطراً على حركة المرور البحري من شط العرب العراقي الى مضيق هرمز.
اليمن اذاً هو 18 مليون برميل نفط خليجي تجتاز بحاره وعشرون في المئة من التجارة العالمية تختال في مياهه، فكيف يمكن للاميركيين القبول بتحوّله دولة تجسّد طموحات اهلها ومصالحهم.
هذا ما دفع اليمنيين الى انتقاء أهداف سعودية تضرب العلاقة بين السعودي والإماراتي ومعلمهما الاميركي.
فجاءت خطط توازن الردع تضبط المقاس المطلوب، على قاعدة توفير الآليات التي يستطيع اليمنيون الوصول الى التأثير على المواقع المشتركة للسعوديين والاميركيين.
وبما ان الحاجة ام الاختراع كما تقول العرب، فكان لزاماً توفير مسيّرات متطورة وصواريخ هجومية وأخرى للدفاع الجوي واسلحة نوعية من يمن محاصر جواً من الأقمار الاصطناعية الاميركية وبحراً من السعودية ومصر و»اسرائيل» والبوارج الاميركية والبريطانية الراصدة حتى للسمك وبراً من الحدود مع السعودية وعمان والعدوان البري السعودي – الإماراتي الذي يحاصر الشمال وقسم من الوسط، فكيف يمكن لليمن جلب هذه المعدات من الخارج.
لذلك وبمدة قياسيّة توصل اليمنيون الى صناعة إنتاج عسكري يطابق فكرة ضرب أهداف سعودية اميركية في آن معاً. لكنهم بدأوها بتحرير مناطق واسعة في أعالي صعدة ونهم والجوف ومأرب والصمود في الساحل الغربي.
وطوّروها بهجمات من طائرات مسيّرة وصواريخ هجوميّة، أصابت ارامكو وسواحل البحر الاحمر والخط الممتدّ منه الى اخصيص وبقيق وسواحل المنطقة الشرقية في بحر الخليج، وهي أهداف نفطية – اقتصادية تستوطن قلب الاقتصاد الغربي وعمائم آل سعود.
ولقلب معادلة القوة نهائياً، أعلن اليمنيون في دولة صنعاء عن صواريخ للدفاع الجوي تستطيع تدريجياً النيل من آخر مرتكزات القوة السعودية والإماراتية التي تسيطر على أجواء اليمن.
بذلك يستطيع اليمنيون بواسطة صواريخهم من نوع «ثاقب» و»فاطر» أن يثقبوا الهيمنة الأميركية السعودية الإماراتية ويفطروا قلوب المعتدين الحريصين على مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية.
الحرب الأميركية على اليمن الى أين؟
لا تزال السعودية تحتل مساحة هامة في النفوذ الأميركي ولشدة ذعر آل سعود من خسارة هذه المكانة تعمدوا الإعلان عن البدء باستغلال آبار في مساحة 17 الف كيلومتر مربع في المنطقة الشرقية تحتوي على نحو 200 مليار متر مكعب من الغاز.
وهذا كافٍ لتسييل لعاب الاقتصاد الأميركي الذي تعكف آلياته العسكرية الغربية على البحث عن آليات دفاع جديدة عنه، خصوصاً أن مرحلة الصراع على الغاز بدأت بقوة في البحر المتوسط وتنتقل تدريجياً نحو شبه جزيرة العرب واليمن.
لكن المشكلة هي في استهلاك السعوديين والأميركيين معظم آليات القوة الممكنة، ما قد يفرض عليهم هدنة، تسمح باستئناف المفاوضات اليمنية – اليمنية على قاعدة اتفاق ستوكهولم شرط عدم التدخل السعودي الأميركي ووقف حربهما على اليمن كنتيجة للأسلحة اليمنية الجديدة القابلة لمزيد من التطوّر على اساس الاستهداف الدائم للجيوبوليتيك الأميركي في قلب جزيرة العرب.