الأوراسية تتبع نموذج "البطولة" والأطلسية تتبع نموذج "المتعة الفردية"
يضع كاتب هذا المقال الكاتب الصربي ديجان دامانوفيتش نموذجان للتفكير في المجتمعات، أحدهما النموذج "البطولي" الذي تتبعه الإمبراطورية الأوراسية واتبعته اليابان سابقا، ونموذج مذهب "المتعة" الذي يتبعه الغرب والقائم على راحة الفرد، ويتحدث الكاتب عنهما بقليل من التفريق.
يبدو أن واحدة من أنسب الأدوات للتعامل مع الخصومة بين الحضارة الأطلسية وأوراسيا هي التركيز على نهاياتها، وكذلك التفكير في نماذجها.
أساس وجهة النظر هذه هو انعكاس على وجود تناقضات داخل نماذج هاتين الحضارتين. ويسهل علينا اكتشاف التباين في كمية التناقضات داخل هذين النموذجين للحضارة. نجد أن نسيج الحضارة الأطلسية ذاتها هو تناقض. وتم الكشف عن أن هذا النموذج من الحضارة لا يمكن أن يستمر ويجب أن ينهار.
يمكننا تحديد نموذجين أساسيين للمجتمع. يمكن تعريف واحد على أنه بالنموذج "البطولي"، والآخر يتبع مذهب "المتعة".
يعتمد النموذج "البطولي" للمجتمع الذي تطبقه الإمبراطورية الأوراسية على مبادئ تتخطى الحياة اليومية والأرضية وسياقها الوهمي. قد يكون هذا المبدأ روحانياً أو تقليدياً أو فكرة أو أيديولوجية.
ويعتمد النموذج المتبع لمذهب "المتعة" (الذي يطبقه الغرب) بشكل أساسي على راحة الفرد.
بعض الأمثلة على النماذج "البطولية" للمجتمع هي سبارتا القديمة، ومجتمعات "المركز الثالث" في القرن العشرين، والإمبراطورية اليابانية خلال فترة تايشو وأوائل شوا، وروسيا في فترة الإمبراطورية، والاتحاد السوفيتي، إلخ.
في هذا السياق من المهم تعريف روسيا الحديثة، حاملة فكرة الأوراسية، على أنها "مجتمع أفكار" أو "مجتمع روح"، وبالتالي، كنموذج بطولي للمجتمع. نتحدث هنا عن روسيا فلاديمير بوتين، التي حلت محل روسيا التي كانت دون أي فكرة واضحة واستراتيجية من فترة غورباتشوف ويلتسين. جاء بوتين في روسيا كنموذج بطولي للمجتمع إلى حد كبير تحت تأثير المدرسة الجيوسياسية الأوراسية والأثر المباشر للبروفيسور ألكسندر دوغين ورفاقه.
على النقيض من ذلك، فإن مثال المجتمع المهتم بالمتعة هو في السياق الحديث، النموذج السائد عالمياً. هذا النموذج مرادف للحضارة الأطلسية، بفكرة الليبرالية كنموذج لها وصياغتها العملية. يمثل في هذا النموذج من المجتمع، مذهب المتعة والاستهلاك نموذجاً للمواطنين. إن أعلى هدف ممكن هو الميل نحو الراحة والتمتع في حياة المواطنين الفردية.
تكون في المقابل، في المجتمعات البطولية، الراحة دائماً أقل أهمية. تشير التجربة التاريخية للحضارة الإنسانية إلى أن الفرد يحتاج إلى متطلبات أعلى حتى يكون راضياً. خلاف ذلك، يتصرف ويشعر بالضياع والاكتئاب والتشبع في مستنقع الحسية في مجتمع لا معنى له. من ناحية أخرى، إذا تعرض الفرد للقمع، وإذا أصبح المجتمع ككل قمعياً جداً، فسيحكم عليه بالفشل. يجب ألا يصبح المجتمع البطولي شديد القمع، بل يجب أن يركز على التوازن الضروري بين سلامة مبدأه وسلامة مواطنه.
يكون الفرد الذي يظهر كمنتج لمجتمع المتعة بالتأكيد، إلى حد كبير، أدنى من الفرد في المجتمع البطولي. لن يكون الفرد المدلل الذي نشأ في أساطير المتعة قادراً على حل المشكلة التي يواجهها. علاوة على ذلك، لن يكون قادراً على فهم الموقف الذي وجد نفسه فيه.
بالنسبة لشخص ذكي، وباعتبار ن كل حياة إنسانية تتكون أساساً من المشكلات، وأن الفرد الذي يتشكل من خلال هذا النموذج من المجتمع، سيُحبط دائماً. لهذا السبب نشهد أشكالًا مختلفة من حالات الهروب والانحرافات الاجتماعية في مثل هذه النماذج من المجتمع.
على النقيض من ذلك، فإن النموذج البطولي للمجتمع، الذي يتم فيه وضع مذهب المتعة للفرد في مكان أقل أهمية، سيكون الفرد أكثر فعالية وحيوية في مواجهة المشاكل على المستويين الفردي والاجتماعي. وينظر إلى المشكلة على أنها طبيعية وليست شيئاً غريباً، كما أنه قادر على العمل بشكل طبيعي في مثل هذا السياق. يتكون هؤلاء الأفراد من نسيج أقوى بكثير مقارنة بالكتلة الحيوية للديمقراطيات المدنية الغربية.
يرتبط المثال التوضيحي بأفراد المجتمع الذين يواجهون ظروفًا قاسية معينة. على سبيل المثال، الجنود أو المحاربين. إن محارب النموذج الاجتماعي البطولي أكثر فعالية على المستوى الفردي وأقرب من السلوك الناجح في سياق الحرب مقارنة بالجنود المحترفين في مجتمعات المتعة الحديثة بسبب اختلاف الأولويات في عملية تشكيل الفرد في هذين المجتمعين.
تقترب صربيا في هذا الإطار السياسي للأسف، من الحضارة الأطلسية (الاتحاد الأوروبي، الناتو، إلخ)، بسبب الافتقار إلى التعليم (التاريخي في المقام الأول) وعدم وعي النخب السياسية الحالية.
من المعروف أن الدول التي تستورد عناصر الهوية الأجنبية إلى ثقافتها تعاني من قلة الحيوية وهي محكوم عليها بالتحلل.