الولايات المتحدة تريد تحويل سكوبيا إلى "كييف البلقان"

15.04.2016

سقطت جمهورية مقدونيا كضحية من ضحايا الولايات المتحدة وهي تتعرض لأحدث موجة ضدها بقصد  زعزعة استقرارها وتغيير النظام فيها، سقطت في أعمال الشغب التي قام بها متظاهرو المعارضة في العاصمة ليلة الأربعاء والتي تم خلالها نهب أحد مكاتب الرئيس. في حين يسود التوتر كنتيجة لهذه "الحرب الهجينة" التي تم العمل عليها منذ وقت، وكانت الشرارة التي دفعت بهم إلى التظاهر مفاجأة الرئيس "ايفانوف" بإعلان العفو عن جميع الموقوفين قيد التحقيق كجزء من "فضيحة التنصت"، حيث اعتبر الرئيس المقدوني أن هذه خطوة ضرورية من أجل دفع البلاد إلى الأمام والخروج من المستنقع السياسي. انفجرت عناصر "الثورة الملونة" داخل البلاد وأظهرت الغضب ضد هذا الإعلان، أغضبهم الإعلان لأنه أفشل محاولتهم باستخدام "مكتب المدعي الخاص" الذي أنشئ حديثا كوسيلة ماكرة ضد الحكومة.
العدو من الداخل
وردا على إفساد خطط "الانقلاب الدستوري"، أمرت الولايات المتحدة المجموعات التابعة لها "المنظمات غير الحكومية" و"المعارضة" لتتحرك ضد السلطات ولتبدأ في تطبيق المخطط التدريجي الثاني، وهي مخططات  تم إعدادها مسبقا للانقلاب ووضعت عجلات "الثورة الملونة" في الحركة في حملة يعتبر توقيتها أبكر مما كان متوقعا. مجموعة من الناشطين الذين لا يحظون بدعم شعبي والمناهضين للحكومة مثل "الحزب الليبرالي الديمقراطي" وحركة الماركسيين الثقافية و"محبو اليورو" (وهم نفس الشيء أساسا)  تدفقوا إلى سكوبيا في محاولة محمومة لتحويلها إلى كييف جديدة، ولكن الكفاءة المهنية للأجهزة الأمنية والمجموعات الوطنية من السكان لعبت مرة أخرى دورا كبيرا في التخفيف من تصعيد الأعمال العدائية في المناطق الحضرية، ومنع تطورها حتى لا تخرج عن السيطرة كليا.
بعد تقويم أحداث 13 أبريل/نيسان ، فإنه يمكن النظر إليها بمثابة إعلان غير رسمي للعدوان الثاني لهذه "الحرب الهجينة" من الولايات المتحدة ضد مقدونيا، لقد دفعت بالأزمة إلى الأمام بعد قليل من إطلاق الرئيس "ايفانوف" مفاجأة الإعلان ولكن لا يزال لديها ما يكفي من الوقت حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 5 يونيو/تموز لتكون قادرة على زعزعة الاستقرار. استدعت واشنطن أعداء الحكومة من السياسيين المحليين داخل البلاد للخروج إلى الشارع في عمل خائن وتحدّ مناهض للحكومة من أجل ترهيب بقية البلاد ليصل المزيد من الدعم للحركة المناهضة من معظم العناصر المتطرفة في المجتمع. هذه الفترة الوجيزة من أعمال الشغب جاءت أيضا كإشارة إلى حركة الوحدويين الألبان الوهابية والتي تعمل تحت نفوذ الولايات المتحدة وتيرانا (وبالنسبة للبعض منهم، فهم يوظفونها بشكل مباشر) للتحضير لإطلاق المرحلة الثانية من هذه الحرب الهجينة. هذا سوف يؤسس لحرب دينية تعمل عليها وسائل الإعلام الغربي من خلال "صراع الحضارات" لهنتنغتون بين الألبان المسلمين والمقدونيين الأرثوذكس مما سيعقد الوضع السياسي ويزيد الاضطرابات والصراعات على الهوية الضيقة. 
جيرة السوء
على الرغم من أهمية الاستقرار بالنسبة لمنطقة البلقان بأكملها، لا يمكن لجمهورية مقدونيا انتظار المساعدة من جيرانها لإنهاء عدم الاستقرار لديها، وفي حال حصول أي شيء سيكونون جميعا إلى جانب صربيا التي لها مع مقدونيا علاقات متوترة. قبل المتابعة فإنه من الضروري التوسع قليلا ومعرفة رد فعل صربيا المتوقع على هذا كله، لأنها الدولة الأولى التي ستتأثر فورا إذا تم الزج بمقدونيا في الفوضى وإن ما لا يقل عن مليون مهاجر بالتالي سيستغلون هذا الوضع من أجل التدفق عبر حدودها. وفي الوقت نفسه فإن صربيا ليست في موقف عملي تستطيع من خلاله تقديم المساعدة البناءة لجارتها الجنوبية، وإذا فعلت ذلك، فسوف يساء فهم ذلك على الفور وبشكل متعمد من قبل الغرب وسوف يتم استخدام حركات "المعارضة" وتحويلها إلى تجمع لمناهضة الحكومة. وفي مواجهة هذا الواقع فإن الأولوية الذاتية لصربيا أعلى من ذلك بكثير لأن بلغراد ستحرص على استقرارها الداخلي وربما يقتصر أي دعم محتمل لسكوبي على الدبلوماسية  والإعلام.
اليونان:
لدراسة قبح واقع بقية الدول المجاورة لمقدونيا والتي تعتقد أن لديها مصلحة في زعزعة الاستقرار في مقدونيا، وربما حتى منع إيجاد حل في نهاية المطاف لها، من الضروري أولا  التحدث وقبل كل شيء حول اليونان، حيث تم تصعيد حدة التوتر بين البلدين في الآونة الأخيرة من خلال السماح للمهاجرين من خلال المنظمات غير الحكومية بغزو الحدود المقدونية.  إن الأزمة العالقة حول اسم مقدونيا قد تكون السبب وراء حرص السلطات اليونانية لتخريب أوضاع جيرانها في الشمال، واعتبرت أنه إذا كانت الضغوط الهائلة التي تكبدتها من خلال هذه الموجات البشرية لا يمكن أن تنجح في إسقاط السلطات وتركيب نظام موال للولايات المتحدة كدمية في مكانها، فإن "الحكومة" الجديدة قد تكون "حل وسط" وبالتالي تلبية إرادة أثينا. من أجل تحقيق هذه المهمة  ولأكثر من عقدين من الزمان قامت بعض السلطات اليونانية بإرسال عشرات الآلاف من المهاجرين من الشرق الأوسط إلى داخل حدود مقدونيا واصفة إياها بأنها "أسلحة الهجرة الجماعية" ضد مقدونيا، ومن المتوقع أنهم يعملون لتحقيق جدول أعمال لتغيير النظام حسب رغبة الولايات المتحدة "وبشكل عرضي لتحقيق مصالحهم الذاتية.
بلغاريا:
الجاران الآخران اللذان يرغبان في سقوط الدولة المقدونية هما ألبانيا وبلغاريا، وكل واحدة منهما لديها أسبابها الخاصة وتطلعاتها الوحدوية. منذ ما يقرب من عام وخلال الاضطراب في الحرب الهجينة في البلاد، كانت هاتان الدولتان تستعدان لاستغلال المصائب في مقدونيا للسعي إلى تمزيقها وتقسيمها جغرافيا أو سياسيا بينهما، سواء أكان ذلك بشكل رسمي أو عبر النفوذ غير المباشر. في اليوم التالي حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظراءه الألباني والبلغاري من سلوك مثل هذه المؤامرة الغادرة، ودعا بعد ذلك بوقت قصير إلى تخفيف التوتر من دولة لدولة،  وكشف أن الحشود على الحدود البلغارية هي أداة من الضغط في المقام الأول. ومع ذلك وعلى الرغم من التراجع الرسمي عن محاولات زعزعة الاستقرار فلا تزال هناك عناصر بلغارية تعتبر أراض مقدونية تابعة لبلدهم، والدعم البلغاري للمعارضة في مقدونيا أو لعناصر ألبانية متطرفة هو نوع من الليونة من قبل صوفيا لتحقيق أهدافها.
ألبانيا:
وبذلك يظهر التحليل في جميع أنحاء الدراسة دور ألبانيا التآمري، وهو الدور الأكثر سلبية لكل دول الجوار. وسط تدفق اللاجئين الحالي وتراجع الأوضاع الداخلية، فإن النخبة في تيرانا حريصة على رفع منسوب العداء لتعزيز "ألبانيا الكبرى". في العام الماضي تم الإبلاغ عن إرهابيي كومانوفو الذين جاؤوا من مقاطعة صربية محتلة من حلف شمال الاطلسي في كوسوفو، وهذه المرة يعتقد أن أي عناصر متمردة  ومتطرفة داخل البلاد ستحظى بالدعم الكامل من وراء الكواليس من ألبانيا. عندما يتعلق الأمر بتدخل محتمل للإرهابيين الوهابيين وخلايا "داعش" على خلفية أي صراع مستقبلي، فإن تيرانا ربما تلعب دور المقعد الخلفي في كل ذلك عن طريق السماح باستخدام أراضيها للإرهابيين كحليفها التركي الذي عمل على مدى نصف عقد من الزمن ضد سوريا. وعلاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها بالفعل منظمة "العلامة التجارية الجديدة" الإرهابية على أهبة الاستعداد للعمل، "الجيش الوطني الألباني" التي ظهرت للتو في كوسوفو المحتلة وبسهولة، على حد تعبير 'قادة'، " منظمة حلف شمال الأطلسي التي تعتبر الحركة صديقا لها ". والعلاقة الإرهابية الألبانية الأمريكية-التركية تلعب بالتأكيد عاملا حاسما في أية سيناريوهات للحرب الهجينة القادمة وتعرض المنطقة لأكبر تهديد للاستقرار الإقليمي.
الفوضى الخلاقة على الابواب
استهداف التعددية القطبية:
جمهورية مقدونيا في مقدمة الأولويات بالنسبة للحرب الأميركية في أوروبا، والفكرة العامة هي أن الولايات المتحدة تستخدم "أسلحة الهجرة الجماعية" من أجل وضع الاتحاد الأوروبي في حالة دائمة من توتر "الحرب الهجينة" وتسهيل الثورة الملونة لإزالة القادة الذين لديهم انخراط عملي وتوافق مع روسيا والصين. وعلى صعيد إقليمي، فإن الولايات المتحدة تستهدف جمهورية مقدونيا وصربيا لانهم دول عنق الزجاجة الرئيسية في تجسيد مشروع الصين لطريق حرير البلقان، والذي إذا أنجز، من شأنه أن يتكامل مع خط أنابيب الغاز المسال الروسي المعلق تنفيذه في البلقان حاليا، ليشكلان معا البنى التحتية والعمود الفقري لمستقبل أوروبا المتعدد الأقطاب.
موجة المد والجزر الإقليمي:
وتعتبر "الحرب الهجينة" في حد ذاتها زعزعة للاستقرار في أي بلد ومنطقة تصاب بتعبيرات أو تجليات هذه الحرب، ولكن الشكل الأكثر مباشرة والمنهك من هذه الفوضى عندما تؤدي مباشرة إلى تدفق المهاجرين (اللاجئين) وبشكل مبطن الإرهابيين من وإلى ساحة المعركة . وهذا يأخذ أهمية ومغزى خاص في وقتنا الحاضر نظرا لأزمة الهجرة المستمرة. وحذر رئيس الوزراء الروسي "ديمتري ميدفيديف" العالم في فبراير/شباط أن "المئات والآلاف من المتطرفين دخلوا أوروبا تحت ستار اللجوء". وتقف جمهورية مقدونيا في الخطوط الأمامية لهذه الأزمة ووقفت بقوة وبشكل مثير للدهشة في مواجهة الصعاب الساحقة ضدها، لكنها واجهت بدابة "الحرب الهجينة" داخل حدودها وإمكانية حدوث اضطرابات الثورة الملونة والتي قد تتحول الى حرب غير تقليدية شاملة، ومن غير المؤكد في هذا الوقت إلى أي مدى ستكون قادرة على الصمود بشكل فعال.
نقاط الضعف الهيكلية:
فتن الحدود اليونانية المتكررة وذنب بعض الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الموجودة في اليونان في تفاقم أزمة المهاجرين وضخ عناصر زعزعة الاستقرار في شمال مقدونيا، يمكن بشكل متوقع أن تؤخذ على أنها تعني أن الأجهزة الأمنية سوف تخفض عملها من أجل التلاعب بتهديد "الثورة الملونة" الحديثة الولادة، وإمكانية تسلل الحرب غير التقليدية من ألبانيا أو إقليم كوسوفو الذي يحتله حلف شمال الأطلسي. وعلاوة على ذلك، اذا قررت بلغاريا مرة أخرى بشكل استفزازي إرسال قوات الى الحدود المقدونية وسط تصاعد التوتر بسرعة في هذا الوضع، فمن المحتمل أن يكون لها لا يمكن أن يكون لها أثر في إضعاف تركيز السلطات المقدونية، وفتح نقاط الضعف الاستراتيجية على واحدة من الجبهات المتعددة التي يمكن بعد ذلك أن يتم استغلالها على الفور من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وفقا للسيناريو المخطط والمتوقع. إن النتيجة النهائية لتغيير النظام بنجاح في مقدونيا ستكون اقتحام همجي لأراضي البلاد وموجة تدفق للمهاجرين لا يمكن التحكم بها تصل إلى مليون مهاجر في قلب دول البلقان، وخاصة في الوقت الذي بدأت فيه دول المنطقة في تنفس الصعداء أخيرا أن أسوأ نقطة للأزمة أصبحت وراءها.
تعزيز الجبهة:
في التعامل مع هذا الاحتمال الممكن، فإنه من الضروري أن تتلقى السلطات المقدونية  نوعا من الدعم المادي المتعدد الجوانب من أصحاب المصلحة اللذين لديهم ما يخسرونه إذا سقطت الحكومة وأصبحت مقدونيا عتبة دخول لـ "أسلحة الهجرة الجماعية" للولايات المتحدة من أجل غزو أوروبا. والآن، كما حلل المؤلف سابقا مقال لصحيفة "الصقر"، فالحفاظ على توازن الوضع الراهن وإغلاق "ممر البلقان" تم استيعابها من قبل القيادة المشتركة النمساوية المجرية التي جمعت كل دول البلقان معا ودفعتهم للتغاضي عن المشاحنات الداخلية لصالح السعي إلى إيجاد حل جماعي ومنسق لهذه المشكلة التي ابتلوا بها كلهم. الطريقة الأكثر فعالية لمواجهة إمكانيات "الحرب الهجينة" في مقدونيا وهدم "بوابات" الحدود لغمر أوروبا بموجات "أسلحة الهجرة الجماعية" التي لا يمكن السيطرة عليها، هو بالنسبة لهذا الهيكل الأمني الأوربي المؤقت، أن يقود الاتحاد الاوروبي بدور متزايد (بدعوة رسمية من السلطات المقدومية) في مراقبة الحدود اليونانية، وبالتالي إعطاء السلطات مزيدا من المرونة في الاستجابة للاستفزازات الأخرى من قبل الولايات المتحدة.
أفكار ختامية
تبدو مقدونيا بشكل مقنع على شفا زعزعة استقرار كبير، و"الحرب الهجينة" الثانية التي تستهدف مباشرة الحكومة المقدونية، تهدف أيضا بشكل غير مباشر إلى تدمير إمكانيات مشروع روسيا والصين لتحرير أوروبا تدريجيا من الأحادية القطبية. ألقت واشنطن القفاز، كما هو متوقع، في استخدام وكلائها لإرسال رسالة قوية إلى "سكوبي" أن أساليبها الأمنية الديمقراطية في إحباط مؤامرة "الانقلاب الدستوري" وفي حماية أوروبا من ويلات لا يمكن السيطرة بسبب أزمة الهجرة ستقابل برد فعل عنيف وغير متكافئ.
التهديد المتزايد بأن "الحرب الهجينة" واسعة النطاق سوف تندلع في جمهورية مقدونيا مرتفع جدا، ويقترح مركز أبحاث "كاتيخون"  Katehon الذي يقع في موسكو بحكمة إجراء تدابير مكافحة شغب قاسية على الفور من أجل احتواء تهديد "الثورة الملونة". وإذا تمكنت السلطات المقدونية من التعامل بشكل جيد مع عوامل زعزعة الاستقرار هذه قبل ان تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، فإنها سوف تكون في وضع أفضل للاستجابة إلى أي تصرف متوقع من قبل  "ألبانيا الكبرى" أو موتجهة تهديدات داعش بهجمات إرهابية التي قد تحدث قبل 5 يونيو/حزيران المقبل موعد الانتخابات. واذا تم التعامل بفعالية مع هذين التهديدين الداخليين، عندها لن تكون مقدونيا عرضة للتخريب المباشر من قبل جيرانها الألبان، والبلغار، واليونانيين، اللذين يخططون ضدها بمساعدة أمريكا وتركية "لإطلاق الرصاص من خلف" .
وإذا كان السيء يؤدي إلى الأسوأ، فإن مقدونيا يمكن أن تستفيد كثيرا من المساعدات متعددة الجوانب في تعزيز حدودها مع اليونان بحيث تتمكن أجهزتها الأمنية من أن تتفاعل بسهولة أكبر مع الاستفزازات الداخلية عند ظهورها، وهو ما يمكن الحكومة من إخماد أي اضطرابات داخلية لزعزعة الاستقرار من خلال الاعتماد على شركائها الدوليين وأصحاب المصلحة الاستراتيجية معها في حماية الحدود الجنوبية من تدفق "أسلحة الهجرة الجماعية" إلى كل منهم. فإن فترة أقل من شهرين المتبقية قبل الانتخابات ستكون في غاية الأهمية لاستقرار البلقان وباقي أوروبا، ولكن إذا كان للتاريخ أي دلالة، فإن الشعب المقدوني سيفعل تماما كما فعل في العام الماضي في مثل هذا الوقت، فقد نجح في ضرب "الحرب الهجينة" من قبل الولايات المتحدة، وسيتمكن  مرة أخرى من كسر وإحراج العين السوداء لـ "العم سام".