الطائرة إيل-20... إسرائيل المذنبة وفرنسا شريكة معها

24.09.2018

أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 18 سبتمبر/أيلول الجاري، "أن حادث الطائرة الروسية "إيل-20" في سوريا يبدو أنها سلسلة من صدف مأساوية"، وأضاف "موقفنا من هذه المأساة طرح في بيان وزارة دفاع روسيا الاتحادية والذي تم التوافق معي عليه".

وكانت وزارة الدفاع الروسية قدا أعلنت في وقت سابق، أن إسرائيل هي المسؤولة عن كل ما حصل مساء 17 سبتمبر/أيلول الجاري في سوريا، حيث حملت وزارة الدفاع إسرائيل مسؤولية إسقاط الطائرة الروسية من خلال اختبائها خلف الطائرة الروسية وتوجيه الضربات الصاروخية على أهداف سورية. وأشارت الدفاع الروسية أن الدفاعات السورية قامت بدورها من خلال إسقاط الصواريخ الإسرائيلية، كما أسقطت منظومة الدفاع السورية "اس_٢٠٠" الطائرة الروسية عن طريق الخطأ. وختمت الدفاع الروسية أنها سترد على أفعال إسرائيل غير المسؤولة.

من جهته، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، خلال اتصال هاتفي مع وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، إن روسيا تحتفظ بحقها في القيام برد، مشددا على مسؤولية إسرائيل عن قتل 15 روسياً.

إن حديث الرئيس بوتين، وبيان وزارة الدفاع، قد وَضع النُقاط على الحروف منذ اليوم الأول، فهي جاءت بعد التحقق من الحادث بشكل موثوق ومن مصادر معلومات أكيدة، وقد أكدت ذلك الدفاع الروسية وبتفاصيل أكثر، في 23 سبتمبر/أيلول الجاري. وربما أشار الرئيس في حديثه إلى أن الحادث مشابه لسلسلة من الجرائم المخابراتية، والتي تبدو وكأنها صدفة أو قضاء وقدر، كالحرائق وحوادث السيارات وسقوط الطائرات المدنية...

وقد كانت هناك عدة تعليقات وتحليلات حول الحادث، ولكن إذا تمعنا بالغاية الأساسية من الضربة الإسرائيلية في اللاذقية، وهي مُحاولة إفشال نتائج قمة سوتشي للرئيسين الروسي والتركي وحل التسوية السلمية في إدلب - والتي عُقدت قبل اقل من 10 ساعات فقط من الحادث - أي مُحاولة دفع الإرهابيين للاستمرار بجرائمهم في سوريا ورفع المعنويات المُنهارة لعُملائهم في المنطقة، فان تل أبيب كانت تحتاج لجريمة أكبر من مجرد ضرب منشئات سورية وكما حصل بضربات إسرائيلية سابقة.

كما إن إسرائيل كانت على علم بوجود الطائرة الروسية بالأجواء وبمسارها، فَمن يُراقب ويعلم بحركة الأفراد والسيارات على ارض سوريا، ويَشن غارة ليقصفها، أولى بمعرفة ما موجود بسماء سوريا، كيلا يعرض طائراته للخطر بالأقل! ونَفذت إسرائيل الهجوم بوقت وجود إيل-20 في المنطقة، فأي صدفة هذه! والمقاتلات الإسرائيلية، كانت تراقب "إيل–20" مستخدمة إياها كغطاء من الصواريخ المضادة للجو، ولم تعطيها أكثر من دقيقة واحدة لترك المكان، خلافا للقواعد الدولية لهذه الحالات، والتي تفرض بالأقل نصف ساعة، فأي هدف على الأرض مهما كانت أهميته، لا يستدعي تعريض حياة 15 روسياً للخطر، مع وجود التنسيق العسكري بين الدولتين، والذي وجد من حيث الأساس لمنع هذه الحوادث وفقا للإجراءات الأمنية المتبعة حاليا! 

وأيضا، هذه أول مرة تَشترك دولة أخرى مع إسرائيل بضربة أحادية لسوريا منذ بداية الصراع في هذا البلد، وهذا يوضح انهم أعدوا للهجوم بإحكام، والغاية أكبر من ضربة لسوريا، وهي استهداف الطائرة عن قصد، وتضييع دماء العسكريين الروس بين الدول، ولذا احتاجت إسرائيل لشريك معها بالهجوم، وهذا يؤكد خوف إسرائيل من الرد الروسي، فتل أبيب تتوقع الرد الروسي وبشكل أكيد، وذلك حسب تقاريرهم على البي بي سي، في 21 سبتمبر/أيلول الجاري. ولكن كيف وباي ظروف وافقت فرنسا على هذا الدور الرخيص!

كما أن من المهم ملاحظة، أن إسقاط F-16 الإسرائيلية قبل أشهر فوق الجولان، كان بصاروخ سام السوفيتي، وبيان الدفاع الروسية يشير إلى أن الطائرة الروسية سقطت بصاروخ من نفس النوع، وهذا يوضح إن الحادث انتقام لإسقاط الطائرة الإسرائيلية، وان الطائرة الروسية كانت مستهدفة فعلا. 

والدول الغربية، كانت بحاجة لضربة إعلامية ضخمة للمساس بالهيبة العسكرية لروسيا والدفاعات السورية، مع قرب انتهاء الحرب، فلم يتمخض كيدهم غير الغدر، بطائرة كبيرة الحجم، عديمة المناورة، غير مسلحة، مع استحالة تدخل قاعدة حميميم لإنقاذها، وارتكبوها على استحياء، وبهالة كبيرة من الشكوك لإخفاء القصد، وبجنح الظلام، مما يثبت خوفهم من الرد الروسي، ولذا سارع نتنياهو، للاتصال بالرئيس بوتين بعد ساعات قليلة على الحادث، وهذا يؤكد انه قد ارتكبها عن قصد. 

وكمعلومة أكيدة وليس تحليل، فان هناك مجرمين كانوا على علم بتفاصيل هذه الضربة الإسرائيلية وقبل أيام من تنفيذها، ولكن مجلس القضاء الأعلى العراقي والمحكمة الإدارية العليا، مازالوا يحمونهم ويتسترون عليهم!

مما سبق، ومن اختيار المكان القريب من حميميم من دون تنسيق كامل مع الروس وفقا للاتفاق بين البلدين، إضافة لما أكده توضح الدفاع الروسية، يوم 23 سبتمبر/أيلول الجاري، من أن إسرائيل قامت بتضليل قيادة القوات الروسية في سوريا بقولها إن الهجوم في الشمال السوري في حين انه نفذ في المنطقة الغربية، واستعمال إيل-20 كغطاء من الصواريخ المضادة للجو، يدل أن الروس هم المستهدفين بهذه الضربة، والطائرة بوجه الخصوص، وأن الطائرة قد سَقطت بمكيدة إسرائيلية مع سبق الإصرار والترصد.

وكما هو معروف، فأنه لا توجد جريمة كاملة، ولذا لا بُد للجاني من ترك أدلة قاطعة على جرمه، سيكتشفها المحققون إن عاجلا أم اجلأ. ولكن، كون الهجمات الإسرائيلية تمثل خرقا لسيادة سوريا، ومخالفة للقانون الدولي، فلم تأتي تلبية لطلبها، ومخالفة للاتفاق العسكري بين روسيا وإسرائيل، وبالتالي ومن حيث المبدأ، فكل الخسائر يتحملها المهاجمون. وإضافة لذلك، فأن "تصرفات طياري المقاتلات الإسرائيلية، تدل إما على عدم مهنيتهم، أو على الأقل، على الاستهتار الإجرامي،" بدليل أن وجودهم بالجو تسبب بكارثة.

ولكن لماذا فعلتها إسرائيل وهي تعلم النتيجة، بأن هناك رد روسي لا محالة، على ما يبدو، أنها حُشرت بالزاوية الضيقة كأميركا وليس لها خيار أخر غير هذه المغامرة. فانتهاء الحرب في سوريا، وبقاء سوريا قوية موحدة، وانتصار روسيا بحرب كونية وعودتها لمكانتها كدولة عظمى، يفشل كل مشاريعهم في المنطقة.

أن الصلح والمفاوضات مع إسرائيل، عديمة الجدوى، فلا عهد ولا مواثيق لهم، وكما أثبته الحادث، ولا ينفع معهم ألا بقاء السيف مسلط على رقابهم. ولا اعتقد أن القيادة الروسية ستفوت هذه الفرصة السانحة...

قد يكون الحل الأمثل لهذه الحالات، تزويد الطائرات المشابهة بأنظمة الإخفاء الإلكتروني الحديثة، وإمكانيات أكبر لمعرفة خطط العدو السرية قبل التنفيذ، والمزيد المزيد من الإجراءات الأمنية لحماية القواعد والطائرات الروسية...

وبالنتيجة، فقد تعلمنا من الرئيس بوتين، عدم المساومة، وخصوصا بالقضايا التي تمس الهيبة العسكرية للدولة، لذا فلا بد من رد روسي مناسب، يرد كيد الغادرين، وأيا كان نوعه، فهو خسارة مضاعفة لإسرائيل...