الأميركيّون مع اللجنة الدستوريّة السوريّة غربي الفرات فقط!

26.09.2019

بدأ التفاؤل بتشكيل اللجنة الدستورية السورية يتراجع لسببين: رفض الأكراد في شرق الفرات والشمال لها، والتباينات الداخلية بين أطرافها حول المواضيع الأساسية للنقاش.

وكان أطراف مؤتمر أستانة روسيا وتركيا وايران توصلوا قبل ايام عدة بمشاركة هامة من الامم المتحدة على تحديد 150 شخصية سورية سياسية هم اعضاء اللجنة الدستورية، من الموالاة والمعارضة يتولون إنتاج صيغة سياسية لحل الازمة في سورية.

فاختارت الدولة 50 عضواً ومثلها المعارضة فيما تولّت الامم المتحدة اختيار 50 شخصية سورية بموافقة الدولة على أن تبدأ هذه اللجنة أعمالها أواخر تشرين الاول المقبل بهدف انتاج آليات سياسية تنهي الحرب على سورية التي اندلعت قبل ثماني سنوات.

للتذكير فقط فإن الأميركيين والخليجيين والاتراك دعموا بشكل عسكري مباشر حيناً وبالتمويل والتسليح والتدريب دائماً نحو مئة الف ارهابي ونيّف معظمهم من الأجانب الذين اخترقوا الحدود السورية بتغطية من مخابرات الدول المجاورة.

وكان الهدف اسقاط الدولة السورية او تفتيتها. لكن الانتصارات العسكرية لمحور الدولة وحلفائها الروس وحزب الله والايرانيين، أدى الى انكفاء الارهاب الى شرقي الفرات والشمال بموازاة احتلال تركي لعفرين وادلب بلبوس منظمات ارهابية.

ضمن هذه المعطيات بدأ محور أستانة الثلاثي محاولات لإطلاق تسوية سياسية منذ عامين ضمن معادلة الإصرار السوري الايراني على تحرير البلاد والمراوغة التركية الباحثة عن نفوذ عثماني لاردوغان وهندسة روسية تريد تحرير سورية مع جذب تركيا اليها وعدم فتح حرب كبيرة مع الاميركيين.

لقد بدا ان هناك ربطاً تركياً بين سحب «ارهابيي انقرة» من ادلب وبين تشكيل لجنة دستورية يحوز الترك فيها، على وجود سياسي من بين مناصريهم من الاخوان المسلمين السوريين.

فكان ان احتكرت تركيا وبشكل شبه كامل لائحة المشاركين على لوائح المعارضة وعلى رأسهم نصر الحريري رئيس ما يسمّى اللجنة العليا للمفاوضات وذلك على حساب إبعاد المعارضين من انصار السعودية واوروبا و»إسرائيل».

فأصبحت اللجنة الدستورية مؤلفة من موالين للدولة وآخرين للمعارضة المحسوبة على تركيا ومستقلين يحظون باهتمام مصري بموافقة الدولة وبدا ان شرط حيازة ثلثي الأعضاء لإصدار اي قرار يندرج في اطار عرقلة اعمال لجنة دستورية لا يزال التأثير الخارجي على اعضائها كبيراً، ففيما تستطيع الدولة اتخاذ أي قرار تراه لمصلحة شعبها، يعجز ممثلو المعارضة عن قبول أي اقتراح من دون موافقة تركية مسبقة وربما سعودية وأميركية وذلك لتأمين تأييد حولها من الاقليم والخارج.

هناك ما بدأ يلوح ايضاً كخلافات اكثر عمقاً، فالدولة ترى اللجنة الدستورية آلية لتعديلات دستورية من خلال الدولة الحالية، بما يجب ان يعكس برأيها مسألتين: دستورية الدولة ونظامها المغطى بأكثر من انتخابات داخلية، والتأييد الشعبي الواسع لها الذي تجب ترجمته بتعديلات في الدستور الحالي لتوفير مشاركات شعبية سورية وازنة.

بالمقابل عادت المعارضة الى اساليبها السابقة، بإطلاق شعارات قالت فيها اللجنة الدستورية انها تأسست لإلغاء الدستور الحالي وبناء دستور جديد وانتخابات رئاسية ونيابية يشارك فيها النازحون السوريون في أماكن نزوحهم في تركيا والأردن واوروبا وشمال سورية وشرقها وبعض انحاء لبنان، على ان يتولى مندوبون تابعون للامم المتحدة الاشراف على الانتخابات في مناطق الدولة، وللمعارضة شرطٌ آخر وهو إبعاد الدولة السورية ومقاتلي حزب الله والتنظيمات الاقليمية الموالية له والروس والمستشارين الايرانيين عن أماكن الاقتراع غربي سورية.

هذه بعضٌ من النقاط المختلف عليها، والتي لن تكون معالجتها سهلة، لانها بنيوية من داخل الوظائف الاساسية للجنة الدستورية.

لذلك فإن الذين يطرحونها منذ الآن انما يريدون افشال اللجنة الدستورية مسبقاً او في ما بعد.

لجهة المساعي الاميركية لنسف هذه اللجنة او دفعها لتكون اداة لصراع تركي سوري أو تركي روسي فتستعمل الأكراد في شرقي الفرات كآلية اساسية لعرقلة دورها، بشكل يبدو فيه الهدف الاميركي هو عرقلة الانسحاب التركي من ادلب وما عودة الأميركين الى جذب الترك عبر تنشيط موضوع المنطقة الآمنة معهم عند الحدود مع سورية إلا من هذه الوسائل الاضافية.

فليس هناك من يعتقد ان اكراد الشمال وبعض الشرق يستطيعون تبني موقف رافض للجنة الدستورية من دون طلب اميركي مباشر يستلهمونه او يأتمرون به.

لقد اعتصم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي وآلياته السياسية والعسكرية في الادارة الذاتية لمجلس سورية الديموقراطية وقوات سورية الديموقراطية بصمت وصولاً الى حدود التجاهل، اثناء مفاوضات ثلاثي أستانة حول اللجنة الدستورية مكتفين بمفاوضات سرية كانوا يجرونها في تلك المرحلة مع الدولة السورية.

وفجأة تعمدوا إعلان رفضهم للجنة الدستورية بعد تشكلها مباشرة وبذريعة أنها لا تضم اكراداً موالين لهم، علماً ان هناك عضوين كرديين من ممثلي المعارضة في اللجنة ينتمون الى المجلس الوطني الكردي.

وتبين أن «قسد» تطلب تمثيلاً كردياً مستقلاً داخل اللجنة الدستوري، لا علاقة له لا بالدولة ولا بالمعارضة، وهذا يعني انها تريد تمثيل شعب مستقل هم الأكراد مع جغرافيا خاصة بهم هي شمال وشرق سورية.

وهذا هدف اميركي يريد تفتيت سورية بواسطة الاكراد من جهة وتركيا من جهة ثانية. الامر الذي يوضح ان الاميركيين يؤيدون اللجنة الدستورية في غرب الفرات فقط، مقابل اعترافهم بدولة للكرد في الشمال والشرق.

اللجنة الدستورية الى اين؟

انها ذاهبة لعقد الكثير من اللقاءات بما يعزز من المرجعية الدولية لثلاثية أستانة، لكن التوصل الى حلول دستورية مسألة صعبة، لأن حل الازمة يحتاج الى تحرير إدلب وحشر الأتراك في زاوية ضيقة وهذا ما تعمل عليه الدولة السورية مع الروس، بعد استنفاد الوسائل السياسية لإقناع اردوغان بأن الدولة العثمانية سقطت الى الأبد منذ مئة عام واصبح من المستحيل إعادة إحيائها.