المشروع السعودي يحترق في ساحات عدن

31.01.2018

مشروع السعودية وتحالفاتها بالهيمنة على اليمن أو تقسيمه على الأقلّ، يتلقّى الهزيمة تلو الأخرى. وما يحدث منذ أيام عدة في ساحات مدينة عدن عاصمة اليمن الجنوبي، يفضح المشروع الدموي السعودي الإماراتي المغطّى أميركياً وسط صمت من أعضاء مجلس الأمن الدولي، ويكشف بوضوح وصول الاجتياح السعودي لليمن إلى مرحلة متقدمة من الانهيار.

وهنا، لا بأس من التذكير أنّ السعودية بنت تحالفاً عسكرياً من أكثر من خمسين دولة، يتشاركون يومياً في قتل اليمنيين وتدمير البنية التحتية للبلاد منذ ثلاث سنين ونيّف، متسبّبين أيضاً بقتل نحو عشرين ألف يمنيّ وأكثر.

لذلك، تأتي الاشتباكات العنيفة والمتواصلة في معظم أنحاء عدن بين ميليشيات يمنيّة مدعومة من دولة الإمارات، وأخرى تنتحل صفة الجيش اليمني ومدعومة من السعودية لتكشف وللمرة الأخيرة أنّ الطرفين الإماراتي والسعودي الداعمَين للمتحاربين لديهم مصالح متناقضة في يمن يحاولان تدميره وتفتيته لتحقيق مبتغاهما.

كانا يزعمان أنّ سيطرة أنصار الله على اليمن هي سبب اجتياحهما له، ويؤكّدان أنّهما متحالفان مع ما يسمّونه زوراً الشرعية في اليمن. واتّضح أنهم يسيطرون على رئيس سابق فرّ من اليمن منذ ثلاث سنوات، عبد ربه منصور هادي، ويقيم في الرياض مفضّلاً النوم في معظم الأوقات من دون أيّ حضور سياسي أو عسكري له في اليمن، إلى جانب حكومة يترأسها بن دغر أيضاً على السعودية، والموصوف بأنّه واحد من أكثر رؤساء الحكومة فساداً.

لجهة دولة الإمارات المشاركة في الحرب على اليمن، نحت بسرعة إلى بناء نفوذ قوي لها في عدن، وأسّست ميليشيات لدعم وجهة نظرها، على الرغم من أنها تصرّ على تحالفها مع السعودية!!

فما الذي جرى حتى تحوّل المتحالفان إلى أعداء يتقاتلان بالرصاص ويدمّران ما تبقّى من عدن؟

الأمر الذي يشير إلى أنّ المشكلة أكبر من مجرد سيطرة ميليشيا على حيّ تستولي عليه ميليشيا أخرى. فلو كانت كذلك لكانت الاشتباكات توقّفت بضغطَين سياسيين بسيطَين من الرياض وأبو ظبي.

فما هي هذه الأسباب؟ اليمن صامد في وجه جحافل قوات السعودية وحلفائها منذ ثلاث سنوات. تكفي الإشارة إلى أنّ قوات سودانية وباكستانية ترتدي ملابس الجيش السعودي تشارك في القتال تحت رايته، وتحاصر «إسرائيل» اليمن بحرياً بالاشتراك مع البحريّتَين الأميركية والمصرية، من دون أن ننسى عشرات آلاف الجنود من السعودية والإمارات.

لم تتمكّن كلّ هذه الجحافل المتنوّعة من اختراق خطوط الدفاع عن اليمن الشمالي… وعندما حاول السعوديون والإماراتيون والأميركيون استعمال ورقة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تصدّى اليمنيون، وكانوا متفقين معه على القضاء على أنصار الله أو التشريع لحرب أهلية في صنعاء وجوارها، كان يفترض أن تؤدّي إلى استنزاف الحوثيين والنصر عليهم، ولأنّ الرهان السعودي الإماراتي على انقلاب علي عبدالله صالح كان كبيراً، ويرتجى منه بناء يمن سعودي على الطريقة القديمة، للإمارات فيه حصة، إنّما في إطار السيطرة الأميركية الجديدة.

هنا يجب الربط بين الانسداد العسكري السعودي العاجز عن تحقيق تقدّم فعليّ على الأرض وإلغاء ورقة علي عبدالله صالح، من الأسباب الأساسية للصدام الذي يستعر بين الحلفاء في عدن.

فلماذا انتظار نتائج معركة مستحيلة مع الشمال، خسروها منذ مدّة وتتواصل فقط للزوم الاستمرار والأبعاد المعنويّة؟ فانعكس هذا الوضع صراعاً بين القوّتين السعودية والإمارات لتحاصص موارد القوة في اليمن، وهي الاستراتيجيا، النفط، الغاز والسياحة.

بالنسبة للمسألة الاستراتيجية، فهي تتعلّق بباب المندب والسواحل البحرية المؤدّية إلى هرمز والمحيط الهندي. وهذا اهتمام أميركي أكبر من قياس السعودية والإمارات، لكنّ الولايات المتحدة الأميركية وجدت في الإمارات لاعباً خليجياً تسمح له إمكاناته وانتماؤه إلى الخليج والمشرق العربي أن ينفّذ سياسات تريدها واشنطن وتؤمّن لها بعض الطموحات، لذلك دفعت أبو ظبي الكثير من مالها لتأسيس قواعد عسكرية لها في جيبوتي وإريتريا وعدن والصومال، وهي بصدد افتتاح قواعد جديدة على طول الساحل اليمني في بحر عدن، فمن يصدّق أنّ بلداً صغيراً كالإمارات يحلم بتأسيس إمبراطورية عسكرية بحرية له؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه، هي الأسباب التي تجعل الإمارات توسّع نفوذها البحري؟

والإجابة السريعة لن تتأخّر، فالإمارات تقوم بهذا الأمر لصالح الأميركيين الذين فضّلوها، لأنّها أكثر مرونة من السعوديين، وليس لديها طموح باستعمال اليمن، بل الاستفادة من قدراته السياحية، تتلقّى دعماً أميركياً إلى حدود التشجيع على حركتَيها الاستراتيجية لخدمة واشنطن، وسياحية لخدمة اقتصادها وموانئها. وإلا فما معنى اهتمامها بسقطرى ومعظم مدن الساحل إلا لاستثمارها في تأسيس مناطق سياحية عالمية!!

على مستوى السعودية، فاهتماماتها الاستراتيجية تذهب نحو منحىً آخر له شقّان: الهيمنة على كامل اليمن، أو تفتيته في حالة تعذّر الهيمنة إلى كيانات ودول صغيرة تستنفد قوّته وأهميّاته. وهذا مكشوف في حركة الاجتياح الواسعة التي تنفّذها، ما يجعل السياسة السعودية في اليمن واضحة منذ نصف قرن، وعنوانها منع اليمن من الاستقرار والتحوّل إلى دولة فعلية. وهذا جعل السعودية تمنع اليمنيين الموالين لها، وهي تمنعهم حتى من التفكير باستثمار الغاز الذي تؤكّد شركات الطاقة العالمية أنّه موجود فيها وبغزارة.

ضمن هذا الإطار تريد السعودية تفتيت اليمن، بما يؤدّي إلى استيلاد كانتونات موالية لها وتحتوي على الغاز والنفط، كما أنّها مصرّة على ضمّ حضرموت إليها بذريعة أنّ قبائلها تنتشر بين حضرموت والجوار السعودي.

بالنتيجة، يتبيّن أنّ مراوحة الاجتياح السعودي لليمن تعبّر عن هزيمة مدوّية انعكست على العلاقة بين الحلفاء. فالمجلس الانتقالي اليمني بقيادة الزبيدي مصرّ على إقالة حكومة بن دغر المتهمة بالفساد، ويبدو هادي كأن لا علاقة له بما يجري وسط معارك متواصلة منذ أيام عدّة بين الفريقين في معظم أنحاء عدن. وهذه معارك مرشّحة للتوسّع في مناطق الجنوب كافة، في محاولة من الفريقَين السعودي والإماراتي الاستيلاء على الإمكانات الأساسية من موقع استراتيجي وسياحة ونفط وغاز… وتفتيت.

إنّ هذه الاشتباكات هي الوحيدة التي لا تستطيع الرياض اتّهام إيران بالتسبّب بها، وهي أيضاً رسالة قويّة إلى آل سعود أنّ مشروعهم دخل مرحلة التفكّك وصولاً إلى الانهيار. وهي أيضاً رسالة إلى الشجعان الصابرين من أهل اليمن، المصرّين على مواصلة الكفاح لتحرير وطنهم، من دون أن ننسى مزاجاً شعبياً جنوبياً بدأ بالتبلور عاكساً نفسه على شكل تظاهرات تندّد بالهيمنة السعودية الإماراتية.

بذلك يثبت اليمن مجدّداً أنّه قاهر المستعمرين كافة، مهما بلغ بأهله الجوع والمرض والتدمير. وكما كانت صنعاء مقبرة العثمانيين، فإنّها لن تتأخّر في أن تكون دافعاً لأهالي جزيرة العرب للتخلّص من براثن دولة تحكم الناس حتى اليوم بنظام السمع والطاعة، فإن لم تطع… فقطع الرأس بالسيف هو العقاب.