اللاجئون السوريون.. ورقة إردوغان الأخيرة

10.09.2019

عاد الحديث من جديد عن اللاجئين السوريين في تركيا وعددهم نحو 3،6 مليون لاجئ بعد أن توقع الإعلام الموالي لأردوغان نزوح "3 ملايين سوري جديد من إدلب" في حال استمرار تقدّم الجيش السوري باتجاه المدينة.

وتحدّثت المعلومات عن احتمالات أن يدخل عشرات الآلاف من الإرهابيين من عناصر جبهة النصرة وتنظيم داعش وغيرهم مع النازحين الجدد إلى تركيا لينتقلوا بعدها إلى أوطانهم الأصلية. 

وحمّل زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو الرئيس إردوغان "مسؤولية هذا الوضع"، وقال عنه "بأنه ناتج من تدخّل تركيا  في سوريا ودعمها للمجموعات المسلحة"، مؤكّداً "على حق الرئيس الأسد بمحاربة الإرهابيين الذين يقاتلون الدولة السورية كما هو من حق تركيا أن تقضي على الإرهابيين الذين يقاتلونها".

لم يمنع ذلك الرئيس إردوغان من العودة إلى لهجة الوعيد والتهديد حيث قال "إن تركيا صرفت 40 مليار دولار على اللاجئين السوريين"، واتهم أوروبا "بعدم الالتزام  بتعهداتها لأنقرة في موضوع اللاجئين حيث دفعت 3-4 مليارات يورو من أصل  مليارات6 يورو".

وأضاف "إذا استمر الموقف الأوروبي والدولي في موضوع اللاجئين فسوف نفتح الأبواب أمام اللاجئين"، في محاولة منه لاستخدام ورقة اللاجئين من جديد  في مساوماته مع كل الأطراف، كما فعل عندما انطلقت قوارب اللاجئين السوريين من الشواطئ التركية باتجاه الجزر اليونانية في بحر إيجة.

وجاء الرد سريعاً من ناتاشا بارترود المتحدّثة باسم المجلس الأوروبي وقالت "لقد دفعنا حتى الآن لتركيا 5،6 مليار يورو منذ اتفاقية اللاجئين عام 2015".

وشكك الخبير الاقتصادي مصطفى سونماز بأرقام أردوغان وقال "على الرئيس أن يوضح لنا أين وكيف صرفت المبالغ المذكورة على اللاجئين السوريين" .

واكتسب حديث إردوغان عن اللاجئين أهمية إضافية في توقيته الزمني الذي صادف مماطلات واشنطن في موضوع المنطقة الآمنة وهو ما شكى منه أردوغان  شخصياً. وكتب إبراهيم  كاراجول في صحيفة "يني شفق" الموالية لأردوغان مؤكداً "على  ضرورة اجتياح  شرق الفرات حتى لو كان  ذلك عملاً انتحارياً"، متهماً الأميركيين "بالتآمر على تركيا مع وحدات حماية الشعب الكردية الإرهابية".

وجاء الحديث عن اللاجئين أيضاً في ظل معلومات تتوقّع فشل القمة الروسية-التركية-الإيرانية التي سوف تعقد في أنقرة بتاريخ 16 الشهر الجاري في حال إصرار الرئيس الأسد على تحرير مدينة إدلب بأسرع ما يمكن. فالجميع يعرف أنه من دون تحرير إدلب ولاحقاً غرب الفرات عموماً، فلن يحالف الحظ دمشق للتفرغ لشرق الفرات وهو ما قد يحظى بضوء أخضر تركي مباشر أو غير مباشر وبتشجيع روسي .

يجري ذلك في ظل استمرار القلق التركي رسمياً وشعبياً من الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية "ودويلتها الانفصالية"، إضافة إلى عامل الزمن الذي يمضي لصالحها الآن مع استمرار التناقضات التركية.

قد يكون هذا القلق، إن كان جدياً، كافياً لإقناع الرئيس إردوغان بضرورة التخلّي عن جميع حساباته السابقة في سوريا، والتي دفعته للتدخل هناك تارة لأسباب تاريخية وأخرى عقائدية لصالح المعارضة الإسلامية السياسية منها والمسلحة. وقد تكون هذه المعارضة ضحية لسياسات إردوغان الجديدة بعد أن أوصل تركيا إلى نهاية النفق المسدود حسب كلام كليجدار أوغلو، فيما يبدو واضحاً أن إردوغان أمام خيارين أحلاهما مر:

فإما أن يرضخ للشروط والمطالب الأميركية شرق الفرات ويقبل "بالدولة الكردية" بامتداداتها اللاحقة في الجغرافيا التركية، أو أنه سيضطر إلى التحالف الاستراتيجي مع بوتين لمساعدته في تجاوز هذه الأزمة على حساب حلفائه التقليديين من مختلف الفصائل الإسلامية التي قد تتسابق في ما بينها للمصالحة مع دمشق.

ويعرف الجميع أن دمشق بحاجة لمثل هذه المصالحة الوطنية من أجل طرد المحتل الأجنبي قبل الانتخابات الأميركية التي ستنظم في تشرين الثاني/نوفمبر من العام القادم.

والسؤال هنا: إذا كانت جميع المعطيات في غير صالح الرئيس إردوغان فكيف سيتسنى له الخروج من هذا المأزق الصعب والمعقد؟ فمن المعلوم أنه يعاني من أزمات مالية صعبة وظروف سياسية أصعب بسبب رفاقه القدماء الذين يتصيّدون الفرص للانقضاض عليه والانتقام منه لمعاملته السيّئة لهم على حد قول المقرّبين من الرئيس السابق عبدالله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد  داود أوغلو. الرجلان ينسيان معاً مشاركتهما لأردوغان في كل قراراته الخاصة بسوريا حتى حزيران/يونيو 2015. وما كان بعد هذا التاريخ ما هو إلا استمراراً للخطأ الأول، أي الرهان على سقوط الرئيس الأسد خلال أسابيع. كل ما فعله أردوغان بعد ذلك ليس إلا لتحقيق هذا الهدف الذي فتح من أجله أبواب تركيا للاجئين. هؤلاء اللاجئون قد يكونوا ورقة أردوغان الأخيرة بعد أن خسر كل أوراقه الأخرى في المستنقع السوري، وهذه النتيجة سببها الرئيس هو التدخّل التركي هناك، على حد قول كمال كليجدار أوغلو.