لبنان ينتظر سقوط رأس "الدومينو"

لبنان ينتظر سقوط رأس "الدومينو"
27.04.2020

تشتد الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان يوميا مع غياب الحلول التي باتت غير واردة في الأفق القريب نظرا لشدة الأزمة المعقدة بعد استنزاف دام لعشرات السنين ونظام مالي وسياسي أنتجته الطبقة السياسية اللبنانية على قياس مصالحها بالتحالف مع أصحاب "ربطات العنق" وأصحاب الدولة العميقة في لبنان.

الحديث عن الدولة العميقة في لبنان قد يكون مضحكا للكثيرين، حيث اعتاد هؤلاء على سماع هذا المصطلح خلال الحديث عن الولايات المتحدة أو بريطانيا وغيرها من الدول العظمى والكبرى في العالم والتي لها تأثير اقتصادي وسياسي معين وثقل وازن في النظام العالمي

لكن لبنان الصغير هذا صنعه الغرب بكل تفاصيله من دولة كانت تحت الانتداب الفرنسي حولها الفرنسيون أنفسهم بطريقة فذة إلى دولة بنظام وتركيبة طائفية مذهبية معقدة ليبقى ضعيفا وبحاجة إلى المساعدة الغربية في كل الأزمان. دفع هذا النظام لبنان ليكون دولة قائمة على الاقتصاد الريعي من خلال تقديم الخدمات السياحية والمالية عبر اعتباره "سويسرا الشرق" من حيث قدرة استيعابه لأموال المودعين العرب في تلك الفترة مقابل فوائد عالية نسبيا خلال عهد الطفرة النفطية لدول الخليج العربي.

استطاعت المصارف اللبنانية خلال تلك الفترة من نسج علاقات وثيقة مع الزعماء عبر ترابط المصالح بقي حتى وليدة انفجار الحرب الأهلية اللبنانية التي أشعلها الزعماء بمساعدة الخارج بأنفسهم نظرا لدخول لبنان اجتماعيا مرحلة شبيهة بمرحلة الأزمة الحالية في المجتمع اللبناني.

انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، ووضعت الدول العربية والغربية نظاما جديدا للبنان في مدينة الطائف كرست خلاله تدخل الجميع بدءا من سوريا والسعودية وصولا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالرغم من خسارتها الجزء الأكبر من مصالحها في الانطلاقة الجديدة. جاءت الدول بمسؤولي الصف الأول والثاني والثالث واعتاد اللبنانيون على نظام حكمه الجميع إلا اللبنانيون أنفسهم، من السياسة التي أصبح فيها لبنان ملعبا للدول ومسرحا للمخابرات الغربية والعربية وصولا إلى الاقتصاد والمال الذي كانت بعهدة الدول الغربية الراعية والحامية للنظام الليبرالي وحرية اعتماد المصارف لسياستها المالية، بالإضافة إلى تطبيق نظام الاقتصاد الحر في بلد لا ينتج ولا يزرع وجل ما يفعله يستورد من الخارج.

الدولة العميقة في لبنان

مفهوم الدولة العميقة هو حكم "غير المنتخب" أي الذين يتحكمون بمصير الدولة وسياستها المالية والاقتصادية وبالأمن والمؤسسات البيروقراطية المدنية، فمن الناحية الشكلية لا يمكن تطبيق هذا المفهوم على لبنان بشكل مباشر نظرا لبعض العناصر غير المكتملة فيه، لكن خلال الغوص بالتفاصيل نجد أن لبنان دولة يمتلك هذه الأدوات المتمثلة اليوم بأحزاب طائفية بيدها وحدها السلطة والأمن ومقدرات الوطن وتنسج علاقات وطيدة مع أصحاب ربطات العنق المتمثلين برؤوس الأموال وأصحاب المصارف مرورا بالمؤسسات الدينية وصولا إلى حاكم المصرف المركزي الذي يعد الرأس المتحكم بالنظام المالي الفعلي في لبنان.

حاكم مصرف لبنان

منذ أكثر من خمس وعشرين عاما عينت الطبقة السياسية اللبنانية بعد المشورة الغربية رياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي الذي استطاع البقاء أكثر من رؤساء وموظفين أخرين نجح خلالها في نسج علاقات وطيدة مع كل الزعماء والوزراء والنواب وعائلاتهم حتى بات قادرا على التأثير على أي قرار سياسي في البلاد حتى اعتبر البعض أنه بات الحاكم الفعلي للبلاد.

يسمي اللبنانيون رياض سلامة اليوم أنه زعيم القطاع المصرفي في لبنان، وليس حاكما لمصرف لبنان حيث أوصل الأخير منذ توليه الحكم مع المنظومة السياسية والإعلامية والدينية المتحالفة معه، بالإضافة إلى أصحاب "ربطات العنق" البلد إلى حالة الإفلاس العام مرتبط بمشهد الانهيار المؤلم اليومي للعملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي.

لا شك أن هذه الأزمة ليست وليدة الساعة بل هي نتاج سياسات الدولة الفاشلة عبر العهود وانتشار الفساد في الإدارات العامة وغيره من التجاوزات الحاصلة. النظام اللبناني الحالي يلفظ أنفاسه الأخيرة والسقوط سيكون على الجميع والسيناريو المحتمل مجهول. أما الإصلاح فهو الحلم الأصعب وسيكون مستحيلا مع بقاء أصحاب الدولة العميقة الحاليين ومعهم الطبقة السياسية الحالية.