بين ترامب و"حزب الله".. لبنان الخاسر الأكبر
أنهى الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، السيد حسن نصرالله، بالأمس الجدل القائم بشأن قضية هروب العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري من لبنان واضعا النقاط على الحروف بهذه المسألة التي اعتبرها بحسب رأيه من "نكد الدهر" و"لا تستحق كل هذه الضجة المفتعلة لكي يقوم شخصيا بتبرير ما حصل".
جاء رد الحزب عبر سيده الذي لطالما تميز بمصداقيته بمصارحة جمهوره وقول الأمور كما هي في الواقع، مشيرا إلى أن "حزب الله" لم يكن على علم بما جرى وكيف تم اتخاذ القرار، معتبرا أن ضغوط واشنطن استطاعت في نهاية المطاف تحقيق أهدافها وهو إطلاق العميل الفاخوري وإدخال الشارع اللبناني في بازار تحميل ورمي المسؤوليات على بعضهم البعض.
موقف الحزب ومعارضيه
قال الحزب كلمته وموقفه الواضح من القضية حيث سعى لإصدار الحكم العادل للعميل ونفى كل ما صدر من ادعاءات بشأن صفقة بينه وبين الولايات المتحدة، معتبرا أن موقف وتعاطي حزب الله مع القضية جاء بطريقة واقعية ومن ناحية الموازنة بين مصلحة المقاومة من جهة ومصلحة البلد ككل من جهة أخرى، ردا على كل المزايدين بما يجب أن يقوم به في وجه الرغبة الأمريكية الأخيرة.
لا شك أن القضية أزعجت الحزب وأمينه العام لدرجة أنه عاتب المقربين والحلفاء قبل الخصم والأعداء، مبررا ذلك بسيناريوهات لو اتخذها الحزب لكانت أدخلت لبنان في نفق مظلم كان ينتظرها الأمريكيون وحلفاؤهم لفتح مواجهة جديدة مع المقاومة في لبنان.
أما على الجانب الآخر، اعتاد الفريق الخصم لـ"حزب الله" على انتقاده وشن الحملات السياسية عليه من خلال اتهامه بالسيطرة على الحكومة وتسيير أعمالها وصولا إلى السيطرة الأمنية والعسكرية للحزب على لبنان وكل قطاعاته، بالإضافة إلى اتهامه بالغوص في الحرب السورية مرورا بمسألة تقرير مصير الحرب مع إسرائيل.
لكن هذه المرة، انبرى الخصوم في الهجوم المرتد على حزب الله من خلال طرح تساؤلات واقعية بشأن الموقف الضعيف للحزب وكأنه مرر الأمر بصفقة ستظهر في القريب العاجل والبعض الأخر حمَل الحزب مسؤولية عدم تصرفه تجاه التصدي للمروحية الأمريكية واسترجاع العميل الفاخوري.
الفائز والخاسر الأكبر
طار العميل الفاخوري وطارت معه القضية كمجمل القضايا الخلافية التي تنتهي غموضا وتقاذفا للمسؤوليات في لبنان، حيث بدت الدولة اللبنانية الأضعف من خلال موقفها المتفرج من كل ما جرى بدءا من قرار القضاء اللبناني وصولا إلى تحليق الطائرة الأمريكية وخرقها للسيادة اللبنانية، بالإضافة إلى تجاهل الحكومة للحادثة وكأن شيئا لم يكن.
أما "حزب الله" الذي بحسب الكثيرين تلقى هزيمة سياسية بالشكل الذي تم فيه إطلاق سراح عامر الفاخوري من دون التفكير بالمتغيرات العميقة المقبلة على البلد في ظل ضغوط الأمريكية غير المسبوقة، خصوصا بعد أثارة إشكالية تعامل الحزب مع السلطة القائمة ونفض اليد من الحكم والحكومة، ما هو إلا إشارة إلى صعوبة التعامل مع الواقع المأزوم في زمن يلزمه الكثير من التوازنات.
أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فقد استطاع من خلال هذه القضية تحقيق ما لم يكن يحلم به، أولا إعادة الفاخوري إلى بلاده وإعادة تذكير الحلفاء قبل الخصوم بقوة السياسة الأمريكية وقدرتها على فرض شروطها والحصول على ما تريده من خلال أدواتها الداخلية في لبنان.
ثانيا، وجه ترامب ضربة للداخل اللبناني المقاوم حيث باتت قضية العميل الفاخوري مادة جدلية بين كل الفرقاء والتيارات السياسية المؤيدة للمقاومة التي لطالما ارتكزت على الحزب كرأس حربة في مواجهة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية.
ويبقى لبنان الخاسر الأكبر من كل ماحدث وكأنه ميدان للمواجهة ينتهي دوره مع انتهاء الصراع الدائر بين أي طرفين نقيضين ويبقى هو الضحية في كل ما يجري من حوله.