البحر المتوسط والنفوذ الأجنبي... الأسطول السادس الأمريكي حقيقة أم خيال في الصراع الجيوسياسي

02.02.2019

البحر المتوسط أو البحر الأبيض المتوسط بحر يقع إلى الغرب من آسيا وإلى الشمال من أفريقيا وإلى الجنوب من أوروبا. ويغطي مساحة تقدر بحوالي 2.5 مليون كم2 أو 965,000 ميل مربع، و بذلك يكون أكبر البحار في العالم، يتصل بالمحيط الاطلسي عن طريق مضيق جبل طارق، ويتصل بالبحر الاسود عن طريق مضيق الدردنيل، و بالبحر الاحمر عن طريق قناة السويس، كان اسمه لدى العرب قديما البحر الشّـَامِيّ أو البحر الرُّومِيّ، ويعتبر هذا البحر من أهم الممرات لتجار العصور الغابرة التي سهلت التجارة وتبادل الثقافات بين الحضارات المختلفة، و خاصة بين شعوب المنطقة المحيطة به مثل بلاد ما بين النهرين، المصريين، الفينيقيين، اهل قرطاجنة، الإغريق، شعوب شرق البحر المتوسط، الرومان والحضارات المغاربية، ان تاريخ البحر المتوسط هو موطئ ضروري و مهم لفهم أصل وتطور المجتمعات المعاصرة. 

كان خروج القوى الأوربية البازغة إلى العالم الجديد، وإلى محاولات السيطرة على الطرق التجارية والملاحية في العالم القديم، سببا مباشرا في التغيرات التي طرأت على الجغرافيا السياسية في الحوض الغربي للبحر المتوسط. ومرة أخرى، كان نصيب القرن الخامس عشر الميلادي من هذه التغيرات عظيما.

وتكمن أهمية البحر الابيض المتوسط حيث أنه بحر كبير نسبيا يقع ما بين قارات العالم القديم الثلاث وتحيط به اليابسة بالجهات الأربع، لكن له منفذين أحدهما طبيعي وهو مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا ومنفذ صناعي يصله بالبحر الاحمر وهو قناة السويس،  ومضيق جبل طارق يفصل أوروبا عن افريقيا ويصل البحر الابيض المتوسط بالمحيط الاطلسي كما  يفصل مضيق الدردنيل آسيا عن أوروبا كما تفصل قناة السويس بين المتوسط والاحمر وما بين آسيا وافريقيا، فبالتالي يكتسب أهمية إستراتيجية واقتصادية وسياسية، فلذلك هو مصدر صراع عالمي قديما وحديثاً، وأيضا تقع عليه قوى دولية ذات بعد تاريخي وحضاري وقوة سياسية واقتصادية قديما وحديثا، فلذلك هي منطقة صراع نفوذ مصالح، وتخل أجنبي. 

ونقصد بالتواجد الأجنبي الخاص بالقوتيين العظميين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية الى حد ما، فروسيا ذات حقوق بالبحر المتوسط كون البحر الاسود مجرد امتداد للمتوسط وخاصة بعد أحداث شبه جزيرة القرم الاوكرانية الروسية حاليا منحت الروس حقا غير مباشر للتدخل بالبحر المتوسط ...

أما التواجد الأمريكي في حوض البحر المتوسط يمثل، مصطلح نفوذ أجنبي، حيث أن الولايات المتحدة ليس له بعد جغرافي في منطقة البحر المتوسط، ولا تربطه  به أي حدود سياسية، ولكن يمثل لها منطقة حيوية، حيث الصرع السياسي العالمي ومناطق النفوذ، ولحيوية التجارة في البحر المتوسط، وحيث تكون قريبة من دول متصارعة معها سياسيا على الزعامة العالمية، وحيث أنه يشكل لها معبر لبترول الخليج لأراضيها، لذلك عملت جاهدة على تأسيس قاعدة دائمة لها في البحر المتوسط، وأسطول بحرى دائم في مياه البحر المتوسط وهو الأسطول السادس الأمريكي، فهل هذا المصطلح حقيقة أم خيال؟ 

كما ذكرنا فالمتوسط أهم بحار العالم ويشكل لمن يسيطر عليه نقطة قوة استراتيجية هامة، لذا فالولايات المتحدة الامريكية أعظم قوة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن من المستغرب أن تلعب الدور الأكبر في المياه المتوسطية وتمد أواصر الصداقة والاعتداء على الدول المتوسطية، ويشكل الأسطول السادس الأمريكي كل التواجد الأمريكي في حوض المتوسط، ومهمته فرض السيطرة الأمريكية على البحر المتوسط لتأمين احتياجات النفط الخليجي للولايات المتحدة ولغرب أوروبا حليفتها إضافة إلى ضمان استقرار الأمن في الدول المتوسطية خاصة حلفاء الولايات مثل ايطاليا واليونان. 

تواجد الأسطول السادس الأمريكي في مياه البحر الابيض المتوسط منذ العام 1950م، وقد فرضت أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية على الولايات المتحدة الأمريكية وجود أسطول بحري لها في المياه المتوسطية على غرار الأساطيل المتمركزة في شرق آسيا والخليج العربي، وأبرز قواعد الأسطول السادس في ايطاليا واليونان خاصة ايطاليا التي تربطها تحالفات قوية مع الولايات المتحدة الامريكية خاصة ما بعد الحرب. 

أهم وأبرز عمليات الأسطول السادس الأمريكي في البحر المتوسط.

خاض الاسطول السادس الأمريكي العديد من المهام بالبحر الابيض المتوسط، نسبة لسخونة هذه المنطقة سياسيا وعسكريا خاصة الجانبان الافريقي والاسيوي، ومن أمثلة العمليات الأمريكية بالمتوسط: 

الأزمة اللبنانية عملية الخفاش الازرق باحتلال وتأمين مطار بيروت الدولي أكبر مطار بالبلاد بمشاركة قرابة 15000 عنصر من جنود المشاة البحرييين الأمريكيين (1958م)، الحرب الاهلية اللبنانية 1983م، الحرب الاسرائيلية السورية 1982م، حرب الغفران العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر، حرب النصر بين مصر وإسرائيل الحليف القوى لأمريكا، حيث قام بتامين السفن الامريكية وامداد اسرائيل بالدعم اللوجستي 1973م.

عملية "الدور أدو" على ليبيا بعد الازمة الليبية الامريكية الشهيرة 1986م " قصفت الولايات المتحدة الأمريكية ليبيا في 15 أبريل 1986 في عملية سميت عملية "الدور أدو" عبر عمليات جوية مشتركة بين القوات الجوية والبحرية وقوات المارينز الأمريكية وحلف الناتو، بعد مناوشات استمرت لعدة سنوات بين الولايات المتحدة الأمريكية وليبيا، بسبب المطالب الإقليمية الليبية بشأن خليج سرت، بدأت أمريكا بعملية جوية ضد أهداف أرضية داخل ليبيا. في مارس 1986 توغلت البحرية الأمريكية لمسافة 12 ميل بحري داخل المياه الإقليمية الليبية، وأرسلت حاملة طائرات إلى هناك للقيام بمناورات عسكرية. كان الرد الليبي على المناورات عدوانياً مما أدى إلى أحداث خليج سرت. بعد أقل من أسبوعين، وفي 15 أبريل 1986 قامت الطائرات الأمريكية والحلف الاطلسي والتي انطلق بعضها من قواعد بريطانية بشن غارة وقصف أهداف في العاصمة الليبية طرابلس، ومدينة بنغازي. 

عملية فجر أوديسا 2011 ليبيا أيضا لإسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، حروب الخليج 1992م الاولى -2003 والثانية وقام بدور محوري خلال العمليتين، حروب البلقان 1999م بيوغسلافيا، وتحركات ضد بشار الاسد في الازمة السورية 2012م. 

يتكون الاسطول السادس من 40 قطعة بحرية، ما بين حاملة طائرات واحدة وهي من طراز نيميتز مع عدد من المدمرات والفرقاطات والغواصات، بالإضافة إلى أسطول طيران بحري من 180 طائرة ما بين مقاتلات ومروحيات وطائرات حرب الكترونية يعمل على الأسطول 21000 جندي من البحرية الامريكية، والقاعدة الرئيسية للأسطول السادس في نابولي الإيطالية.

ومن هنا نرى أن نفوذ وقوة الدولة من العوامل التي يعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور، الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد إطار علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية، وترسم أطر وأبعاد جديدة لحدودها وسياستها، فالسياسة دائما يحكمها القوى، وقوانين النفوذ يحكمه قوة الدولة في كافة المجالات وعلى كافة الأصعدة، وهذا ما نراه مثال حي في الوجود الأمريكي في حوض البحر المتوسط.