الآن هو الوقت الأنسب لتقدم روسيا أكثر من مجرد رؤية للعالم

05.12.2016

قد يكون من السابق لأوانه تلخيص الأحداث الدولية للعام الجاري المقارب على الانتهاء، ولكن كل شيء قُصد فعله قد حدث بالفعل، والنتائج الرئيسية جلية. النظام العالمي يدخل مرحلة جديدة من التطور. ولم تكن نتيجة الاستفتاء حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي في يونيو ولا انتصار دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، عاملا تغيير وراء هذه الأطروحة، بل كانت كل هذه الأحداث مجرد أعراض، وإن كانت أعراض توضيحية فقط.

نموذج النظام العالمي المفتوح والشامل، والذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها أصبح شيئا من الماضي. الطبقات الحاكمة في الدول الرائدة مجبرة من قبل مواطنيها على تحويل انتباهها إلى الشؤون الداخلية، في حين أن خططها للتوسع في الخارج، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية قد وضعت على نار هادئة. هذه الخطط التوسعية من غير المرجح أن تصل إلى وقف تام، ولكن ذلك التوجه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة نحو الهيمنة العالمية كان عنيفا جدا وسريعا جدا بالمقاييس التاريخية، ولكنه يسير الآن نحو الاضمحلال.

الغرب كنقطة مرجعية
بالنسبة لروسيا هذا يعني أيضا بداية مرحلة جديدة أكثر من أي وقت مضى منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، فقد اعتبرت روسيا أن عليها أن تأخذ الغرب كنقطة مرجعية، وتشعر بالحاجة إلى ملاءمة موقفها من النظام العالمي بطريقة أو بأخرى حسب النموذج الغربي. بغض النظر عن الوضع الجيوسياسي، أوروبا، التي ينظر إليها على أنها ضرورية كعنصر من عناصر التنمية الداخلية الروسية، هي نقطة جذب أو نقطة تنافر.

مباشرة بعد الحرب الباردة، كانت هناك اقتراحات بأن تنضم روسيا إلى المؤسسات السياسية الغربية، وهي نفس المؤسسات التي تتحكم بمجمل النظام العالمي بأكمله على مدى السنوات الـ20 الماضية. وكان هذا هو القرار الاستراتيجي الرئيسي المتبع في وقت مبكر من عام 1990.

منذ النصف الثاني من عام 2000، تركز موسكو بشكل متزايد على صد الرغبة الغربية باستمرار نشر النموذج الغربي باعتباره الصحيح والضروري.

وبحلول منتصف 2010 بدأ الوضع أكثر وأكثر يشبه "الحرب الباردة" الكاملة ، وقبل بداية عام 2016 ظهرت مؤشرات مقلقة بإمكانية حدوث المواجهة المباشرة. ولكن بعد ذلك أخذ التغير مكانه في الغرب.

عودة منطق الردع
يبدو أن واشنطن الآن تعمل على إنعاش المنطق المجرب والمختبر وهو منطق الردع. هناك نظرية واسعة النطاق الآن وخاصة عندما يذكر ترامب بأن هدفه هو "جعل أميركا بلدا عظيما مرة أخرى" وهذا في الواقع ناتج عن التفكير في العودة إلى سنوات الخمسينات من القرن الماضي التي كانت فترة تميزت بالتحسن الاقتصادي، من خلال الاندفاع الناتج عن الثقة بالنفس والوطنية المنتصرة والغياب الهائل للياقة السياسية. وعلينا ألا ننسى تلك الفترة عندما اعتمد الردع النووي ومبادئ الاستقرار الاستراتيجي (يعتمد على قواعد المواجهة النووية) في ذلك الوقت.

أوروبا عميقة التفكير وهي بشأن اتخاذ قرار لاختيار موقفها نحو روسيا. قد يصبح هذا السؤال عاملا خطيرا في التطور الداخلي للعالم القديم في الأشهر المقبلة.

الفكرة الرئيسية السائدة منذ عام 1990 وحتى عام 2000  في روسيا بضرورة دمجها بطريقة أو بأخرى مع أوروبا الكبرى يبدو أنها قد اختفت عن جدول الأعمال. وفي السنوات القليلة الماضية كانت الفكرة شبه مجمدة.

هناك عاملان يحددان منطق تصرفات موسكو ويساعدانها على تحقيق الانتصارات. أولا، الخوف لدى العديد من البلدان غير الغربية من الوقوع في مرمى سياسة الولايات المتحدة التي قد تحفز عمليات الدمج المعادية للغرب. وثانيا الأخطاء الحمقاء جدا لكل من الولايات المتحدة وأوروبا، وفي المقام الأول لأسباب أيديولوجية، جعلت روسيا تستفيد  منها بمهارة.

هل ولد العالم متعدد القطبية أخيرا؟
انخفاض النشاط الأمريكي والأزمة داخل أوروبا أعطيا روسيا فرصة لاتخاذ خطوات مستقلة لن تواجه ردود فعل غربية مرحبة.

العالم متعدد القطبية مرغوب كثيرا في نهاية المطاف. والسؤال المطروح الآن هو كيف سيكون شكله. روسيا يمكن أن تختار الاستمرار في تحدي الهيمنة الامريكية والنفوذ الغربي، ولكن أيا من هذه العوامل لن يذهب بعيدا إلى نهايته.

الأفكار الاجتماعية والتكنولوجية والجيوسياسية الجديدة ستكون على نحو متزايد مطلوبة في كل مكان. وموسكو في الغالب تغفل عن هذه الفرصة منذ السنوات الأخيرة من زمن الاتحاد السوفياتي: كان هناك دائما ما يدعو للقلق. لذلك، يبدو أنه لا وجود للطلب الخارجي على مثل هذه الأشياء.

الآن هو الوقت المناسب للبدء بتقديم شيء للعالم حول ابتكاراتنا. شيء ما، بدلا من صد الضغوط الخارجية أو تجنب الاساءة لمصالحنا، بأن نبتكر مفهوما حول "الصالح العام".

الوقوع في موجة السياسة الواقعية، التي نسيناها منذ فترة طويلة، ولكن التاريخ يقول أنه في نهاية اليوم يصنع التاريخ من قبل أولئك الذين يعتمدون على هذا المفهوم. وبالمناسبة، فإن اعتماد هذا المفهوم عادة يجعل المرء يحمي بشكل أفضل المصالح الخاصة به.