كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى الأمن العالمي
هناك خمسة مبادئ رئيسية تقود إستراتيجية الأمن العالمي الجديدة لدى الاتحاد الأوروبي. هذه المبادئ يمكن أن تقدم إيضاحا عن التفكير الجديد للاتحاد الأوروبي حول روسيا.
في 28 يونيو في اجتماع المجلس الأوروبي، قدمت فيديريكا موغيريني الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي عن السياسة الخارجية والأمن، إستراتيجية جديدة حول نظرة الاتحاد الأوروبي للأمن العالمي. وتصف هذه الوثيقة رؤية أوروبا للبيئة الأمنية الراهنة وكيف يخطط قادتها لضمان كفاءة السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية المشتركة.
كان من المفترض أن الإستراتيجية الجديدة تظهر وجود نهج شامل لمواجهة التهديدات الأمنية. وباختصار كان من المفترض أن تبين هذه الإستراتيجية أن الاتحاد الأوروبي "يفكر ويشترك في الرؤية ويعمل معا بشكل استراتيجي." وهذا على الأقل كرد طبيعي على تزايد الانتقادات حول ردود الأفعال التي ظهرت حتى الآن على التحديات الأمنية الجديدة التي واجهتها أوروبا.
في الواقع، هذه ليست إستراتيجية الأمن الأولى التي يقدمها الاتحاد الأوروبي. فقد اعتمد الوثيقة السابقة، "أوروبا الآمنة في عالم أفضل" عام 2003 عندما كان الأوروبيون أكثر تفاؤلا بشأن عملية الاندماج وكانت الثقة عالية بمزايا عضوية الاتحاد الأوروبي. لقد ظهرت الوثيقة في وقت "السلام والاستقرار الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الأوروبي." في ذلك الوقت، كان ينظر إلى الاتحاد الأوروبي بأنه الممثل الرئيسي الذي يساهم في إنشاء "قارة موحدة وسلمية".
ومع ذلك، فإن دور الاتحاد الأوروبي هو قيد المراجعة اليوم، نظرا للتهديدات الجديدة. فالاتحاد يواجه التحديات الأمنية المختلفة مثل الإرهاب والتهديدات المختلطة وتغير المناخ وانعدام أمن الطاقة. على الاتحاد الأوروبي تحقيق نتائج نوعية وإظهار قدرته على التعامل مع التحديات الأمنية على نحو فعال. الإستراتيجية تشرح المبادئ والأولويات والأنشطة المحددة لتنفيذ السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي.
المبادئ الأساسية الفاعلة في الجدول الأمني للاتحاد الأوروبي
أحد أهم المبادئ الإستراتيجية الجديدة هو فكرة الوحدة، وهذا يعني ضرورة إظهار موقف موحد بشأن قضايا السياسات الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمؤسسات التابعة لها. أما في الواقع السائد الآن، فالقادة الوطنيون في الاتحاد الأوروبي والمسؤولون في الاتحاد الأوروبي يعطون في كثير من الأحيان ردود أفعال مختلفة حول القضايا العالمية، معتمدين في ذلك على جوانب مختلفة مثل المصالح الوطنية أو تاريخ العلاقات الثنائية للدول الوطنية. ونتيجة لذلك، يصبح من الصعب جدا التوصل إلى موقف موحد بشأن القضايا المثيرة للجدل، لذلك قد يكون هناك مشكلة في تطبيق مبدأ وفكرة الوحدة.
هناك ثلاثة مبادئ أخرى من المفترض أن تعزز سمعة الاتحاد الأوروبي الدولية وموقفه في العالم وهي المشاركة والمسؤولية والشراكة.
ويشير مبدأ المشاركة إلى ضرورة أن يشارك الاتحاد الأوروبي في حل المشاكل العالمية وفي تشكيل المعايير العالمية.
مبدأ المسؤولية يعني التزام الاتحاد الأوروبي بمعالجة المشاكل الأمنية ومعالجة أسبابها داخل الاتحاد وفي المناطق المجاورة.
مبدأ الشراكة يعني التعاون مع الشركاء الدوليين بما في ذلك الدول والمنظمات الإقليمية. وهذا يدل على أن الاتحاد الأوروبي يعمل بوضوح على تحسين أدائه على الساحة الدولية لبسط نفوذه ولعب دور أكبر في توفير وحفظ الأمن العالمي.
الأولويات الخمسة لأمن الاتحاد الأوروبي
تحدد الإستراتيجية الأولويات الخمس لأعمال الاتحاد الأوروبي الخارجية. الأولوية الأولى هي الأمن في الاتحاد الأوروبي نفسه. يتعين على الأوروبيين حماية أنفسهم وقيمهم وأسلوب حياتهم. لتنفيذ هذا، تترتب مسؤولية على الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الشركاء وتوفير إطار سياسي للتعامل مع التحديات الأمنية، وتعزيز القدرات العسكرية.
ثانيا، يتعين على الاتحاد الأوروبي ضمان أمن الدولة وتأمين المرونة الاجتماعية في الدول المجاورة. الاتحاد الأوروبي يريد إنشاء "حلقة من الأصدقاء" ومنطقة " استقرار وازدهار" في المنطقة الجنوبية والشرقية في وقت واحد. وهذا يعني توسيع مجال الأنشطة خارج حدوده. ويفسر ذلك بسبب مخاوف الاتحاد الأوروبي من أن عدم الاستقرار والعنف في المناطق المحيطة به يمكن أن يقوض أمنه.
ولذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لم يكتف فقط بسياسة توسيع محيطه وتعزيز الجوار الأوروبي لتأمين الأمن والتحول الديمقراطي بين الدول المجاورة، ولكنه قرر أيضا تمديد تدابيره المماثلة لتصل إلى آسيا الوسطى وحتى أفريقيا أيضا.
ثالثا، تجربة الاتحاد الأوروبي لبناء السلام يمكن أن تستخدم لتطوير نهج متكامل للصراعات والأزمات. يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد المتعددة للصراعات (بما في ذلك الأمن والاقتصاد والحكم)، والعديد من مراحل تطور الصراع (الوقاية، والقرار، وتحقيق الاستقرار)، ومختلف مستويات التأثير في الصراعات (المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية)، وجميع الأطراف المشاركة في النزاعات.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لا يملك الطموحات لحل الصراعات من تلقاء نفسه. بدلا من ذلك فإنه يسعى للتعاون مع الجهات الدولية الفاعلة الأخرى. في الواقع ليس لدى الاتحاد الأوروبي القدرات العسكرية الكافية لإجراء العملية من دون دعم المؤسسات الدولية الأخرى. لتنفيذ العمليات العسكرية والمدنية الحالية يتعاون الاتحاد الأوروبي بنشاط مع الأمم المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي.
رابعا، يحدد الاتحاد الأوروبي موقفه من مناطق مختلفة (أوروبا والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وآسيا ومنطقة القطب الشمالي). وهو يقر أن كل منطقة ذات مواصفات فريدة من نوعها ويجب أن يتم التعامل معها بشكل مختلف، لذلك فالنهج الرئيسي للاتحاد الأوروبي هو التعاون مع المنظمات الإقليمية. في أوروبا، على سبيل المثال، هذا يعني التعاون مع مجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE). في القطب الشمالي فإن القناة الرئيسية للتعاون يمكن أن تكون مجلس القطب الشمالي.
كما يستهدف الاتحاد الأوروبي الدول الكبرى في كل المنطقة التي تؤثر على النظام الأمني الإقليمي (روسيا في أوروبا والولايات المتحدة وكندا في المحيط الأطلسي، والصين في آسيا)، ويحاول وصف الطريقة التي يجب التعامل من خلالها مع هذه الدول الرئيسية.
تشير الأولوية النهائية للاتحاد الأوروبي إلى الحكم العالمي في القرن ال21. يدرك الاتحاد الأوروبي أنه بدون معايير عالمية فعالة من المستحيل ضمان أمنه. يحدد الاتحاد الأوروبي المبادئ الرئيسية للإدارة العالمية مثل القانون الدولي والسلام والتنمية المستدامة. ويتعين على المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية أن تلعب دورا رئيسيا في الحوكمة العالمية، ولكن عندما تفتقر إلى الكفاءة يجب إصلاحها.
نهج الاتحاد الأوروبي نحو روسيا
عندما يتعلق الأمر بروسيا، فموقف الاتحاد الأوروبي مثير للجدل إلى حد ما. من ناحية الاتحاد يعتبر روسيا "تحديا استراتيجيا رئيسيا" في المنطقة لأنه يعتقد أن روسيا تنتهك معايير معينة (مثل السلامة الإقليمية للدول) حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي هذا العنصر عنصرا رئيسيا لنظام الأمن الأوروبي. الإستراتيجية الجديدة تكرر الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي بأنه لا يمكن قبول الوضع الحالي في شبه جزيرة القرم والنفوذ الروسي في شرق أوكرانيا.
من ناحية أخرى، يعترف الاتحاد الأوروبي بالترابط مع روسيا. التناقضات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على أوكرانيا لم يمنعه من التعاون معها. بدلا من ذلك يفترض بالإستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي أن تعمل على "إشراك روسيا لمناقشة الخلافات." ويمكن أيضا التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك. حقيقة أن يقبل الاتحاد الأوروبي إمكانية الحوار والتعاون مع روسيا تشير إلى تحول خطير في نهج أوروبا نحو روسيا.
يحتمل أن تدل الإستراتيجية الجديدة على طموحات متزايدة للاتحاد الأوروبي. وذلك لأن الاتحاد كان يعامل عادة كقوة اقتصادية، ولكنه يريد الآن أن ينظر إليه على أنه ممثل للأمن العالمي. ويهدف إلى زيادة مشاركته في الأمن الإقليمي والعالمي، مع مصالح تمتد إلى ما وراء جغرافيته.
من خلال عرض الإستراتيجية الجديدة تريد فيديريكا موغيريني أن تقول أن "عالما هشا يتطلب من الاتحاد الأوروبي مزيدا من الثقة والمسؤولية ... والاتحاد مع القوة الكافية التي تساهم في السلام والأمن في منطقتنا وفي العالم كله."