الإرهاب الهجين في أوروبا

23.03.2016

الهجوم الإرهابي في بروكسل في 22 آذار/مارس، يظهر مرحلة جديدة من الإرهاب. هذا ليس عمل أشخاص بمبادرة ذاتية، أو من عمل الأفرع التابعة لتنظيم القاعدة. هو أيضا لا يشبه هجمات الإرهاب السياسي الكلاسيكي في منتصف القرن العشرين، كما أنه غير مماثل  لعمليات أجهزة الأمن الخاصة مثل عملية "غلاديو". إذا كانت "داعش" تسعى لتأسيس "دولة"، فينبغي أن تكون أعمالها شبيهة بارهاب الدولة. النوع الجديد للإرهاب، هو مزيج من عناصر كل هذه الفئات، ولكن في إطار مرحلة ما بعد الحداثة والدعاية الليبرالية.
خلفية
أصبح الإرهاب أداة لسياسة الدولة، تستخدم على نطاق واسع في الممارسة العملية في عصر التنوير. بعد جعله منظما في فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر. وانتقل بعد ذلك إلى أوروبا، ليصبح أداة موثوقة للسلطات. وعلى الرغم من أن تعريف الإرهابيين في وقت لاحق، أصبح يعني أولئك الأشخاص والمنظمات الذين يسعون لتحقيق أهداف سياسية باستخدام العنف، بما في ذلك ضد المواطنين الأبرياء، يبقى هذا الأسلوب أداة فعالة للتأثيرات الدولية والمحلية. ومن المنطقي تماما، أن ورثة الغرب ومالكي العبيد، في الولايات المتحدة الديمقراطية الليبرالية، لا زالوا يستخدمون هذه الطريقة في السياسة طويلة الأجل.
على سبيل المثال، في عدد من المنشورات التي أعقبت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، ذكر الجيوسياسي المعروف كولن غري، أنه أولا، الولايات المتحدة كان عليها أن تحدد بوضوح أن هدفها هو تنظيم القاعدة، الأمر الذي نفذ فقط في استراتيجية الأمن القومي لإدارة أوباما الجديدة. ذلك أن مفهوم "الإرهاب الدولي" غامض للغاية، ويسمح بمجموعة واسعة من التكهنات، وثانيا، خلال عملياتها الخاصة، القوات الامريكية تتصرف كجهات إرهابية، الأمر الذي أشارت إليه  جهات كثيرة في العديد من البلدان، التي انتقدت غزو الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق.
الإرهاب الاستراتيجي
الإرهاب هو أيضا شكل خاص من أشكال الحرب النفسية، معركة من عقول وإرادة. على سبيل المثال، عدد عمليات القتل الممولة من قبل الولايات المتحدة في بلدان أخرى، يتم إخفاؤه بعناية عن الرأي العام. في حين أن الصحافيين الذين يتنقلون مع الوحدات العسكرية الأمريكية، يعملون كفرقة دعم نفسي، تقوم بوصف الأعمال الأسطورية والبطولية للجنود، من أجل رفع معنوياتهم، وتعزيز حب الوطن في داخل البلاد.

من ناحية أخرى، إدراك أن هناك تهديدات مستمرة من قبل المنظمات الإرهابية، دفع عددا من الحكومات لتشكيل استراتيجية مكافحة الإرهاب، أثرت على بلدان ومناطق وحكومات ومنظمات وديانات وجماعات عرقية وأعمال شركات. وإذا كان الإرهاب قبل ذلك، يعتبر بمثابة انحراف معين، عن النماذج المعتادة للعنف، الذي يشرعه القانون الدولي وجميع أنواع الاتفاقيات، ظهر الآن إعتقاد، بأن هذا هو المعيار الجديد، الأمر الضروري فهمه والتعامل معه.
ب. نيومان وم. ل. ر. سميث، من قسم دراسات الحرب في كلية لندن الملكية، يؤكدان أن الإرهاب، حتى النوع "العدمي" منه، يجب عدم التعامل معه على أنه مجرد شذوذ... برأيهما، ينبغي النظر إلى الإرهاب في شكل أكثر ملاءمة، باعتباره استراتيجية عسكرية.
يعتقد الخبيران، أنه فقط من خلال دراسة ديناميات الإرهاب الاستراتيجي، يمكن إنشاء الإطار المعرفي الضروري للتوصل لفهم كامل لدور العنف الإرهابي في حملات بعض الجماعات، التي تجاوزت الاستخدام الاستراتيجي للإرهاب لتعزيز أهدافها.
إذا تم فهم الإرهاب كاستراتيجية عسكرية، فهو يصبح تلقائيا أداة لتحقيق أهداف سياسية، ليس فقط من قبل الجماعات المتطرفة، ولكن أيضا من قبل الجهات الفاعلة في الدولة.
الإرهاب في حد ذاته، يمكن وصفه بأنه تعمد خلق حالة من الهلع والرعب، كقاعدة عامة، باستخدام أو التهديد باستخدام رمزي للعنف الجسدي، وذلك بهدف التأثير على السلوك السياسي للجماعة المستهدفة. ويستند هذا التعريف إلى عمل ت. ب. تورونتون، الذي تعتبر دراساته، واحدة من التحليلات الأكثر معلوماتية وفهما للإرهاب.
وهو يسلط الضوء على ثلاثة جوانب لهذه الظاهرة:
- الشكل العنفي لغالبية الأعمال الإرهابية، هو الذي يميز برنامج الإرهاب عن أشكال أخرى للدعوة غير العنيفة، مثل المظاهرات الحاشدة، والنشرات، وما إلى ذلك. في الواقع، على الرغم من أن الناس قد يشعرون في بعض الأحيان بالخوف والقلق دون تهديد بالعنف الجسدي، فإن أكثر الوسائل شيوعا للتسبب بالخوف، على ما يبدو، هي العنف الجسدي.
- تورونتون يصف طبيعة العنف بأنها "خارجة عن المعتاد"، وهذا يعني أنه مستوى معين من العنف السياسي المنظم، وحتى نصفه بالإرهاب، يجب أن يتجاوز قواعد التحريض السياسي العنيف، المقبولة في مجتمع معين.
- الطبيعة الرمزية لعمل من أعمال العنف. العمل الإرهابي يجب أن يحمل معنى أوسع من العواقب الفورية للعمل. أي أن الضرر والوفيات والإصابات الناجمة عن الفعل، هي ذات أهمية محدودة على مستوى الرسالة السياسية، التي يأمل الإرهابيون عبرها، فتح قناة الاتصال. ولهذا السبب، يمكننا فهم العمل الإرهابي، فقط عبر تقييم محتواه الرمزي أو "رسالته".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحملة الإرهابية المخطط لها، لديها مراحل تنفيذ معينة.
الارتباك هو أمر هام للغاية، ويتوافق مع المرحلة الأولى للحملة الإرهابية. ويعتقد الإرهابيون أن تصرفاتهم ستتسبب بإرتباك السلطات، بجعلهم غير ذوي كفاءة وقدرة على حماية مواطنيهم. لتحقيق هذا المستوى، من الضروري كسر التفاعل الاجتماعي الطبيعي، وبذلك تصاعد مستوى العنف إلى النقطة التي يصبح من الواضح فيها، أن السلطات غير قادرة على منع انتشار الفوضى.
وتجدر الإشارة هنا، إلى وجود مفارقة معينة. في حين أن الإرهابيين مهتمون بالحصول على دعم الجماهير، من الضروري لهم، الاستمرار في العنف. للقيام بذلك، هم ينفذون ما يسمى بالهجمات غير المشوهة للسمعة، ويحددون سبلهم بأهداف مشروعة وغير مشروعة. الأهداف المشروعة، كقاعدة عامة، هم ممثلو للدولة - السياسيون والمسؤولون والجنود والقضاة وعناصر الشرطة وغيرهم، والذين ينظر إليهم، على أنهم عملاء النظام القمعي.
في المرحلة الثانية، يظهر رد الفعل، ويفترض ن. بيري بأن الإرهابيين يحاولون التلاعب بالإجراءات المحتملة لعدوهم، والتي قد تكون عدة.
احدها يرتبط بمفهوم الهدف المفرط، الذي هو جزء أساسي من عملية الارباك. الإرهابيون يريدون استفزاز الحكومة لتنفيذ عمل خارج عن إطار القانون، واستخدام تدابير غير شرعية. ونتيجة لذلك، فإن الهجمات الإرهابية غالبا ما تنفذ لهدف واضح، وهو بدء عمليات قمعية من قبل السلطات، من الممكن أن تكون غير قانونية.
وتشويه السلطة، أمر يخالف تماما مفهوم الهدف المفرط، ولكن وفق هذا السيناريو تفقد المجموعة المستهدفة (الحكومة) دعم المجتمع، لأنها غير قادرة على التعامل بشكل مناسب مع التهديد الإرهابي. وتعتقد الحكومة أنها تفتقر إلى إجماع شعبي حول المسار السياسي تجاه الإرهابيين، وتنظر الى المحادثات على أنها خدعة وتهديد ومحاولة لإضفاء نوع من الشرعية. كما هو واضح في التجربة التاريخية، أصبح هذا السيناريو المشكلة الكلاسيكية للعديد من الأنظمة، وخاصة تلك التي تعمل تحت أقنعة ديمقراطية ليبرالية.
ونوع آخر من الرد، هو القمع الخاطئ للمعارضة المعتدلة، ذلك أن الحكومة يمكن أن تبدأ بقمع المعارضة المعتدلة، التي لا تستخدم العنف، من باب حظر الأحزاب السياسية، وإغلاق الصحف والاعتقالات وأعمال الخطف. والتفسير المنطقي لهذه الإجراءات، هو احتمال وجود علاقات بين الإرهابيين والمعارضة المعتدلة. على سبيل المثال، الجيش الجمهوري الايرلندي لديه جناح شرعي وهو Sinn Fein، وهو يعمل في إطار قانوني، كما أن انفصاليي الباسك من حركة ايتا، لديهم جناح سياسي وهو Heri Batasuna. كذلك مثال الثورة الإسلامية في إيران، يدل على أن القمع الخاطئ يمكن أن يسرع فقط سقوط الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، لتحقيق هذه الأغراض، يمكن للإرهابيين أن يعملوا بالنيابة عن الحكومة (باستخدام وثائق مزورة، والزي الرسمي أو عملائهم داخل الهياكل الحكومية)، لتشويه سمعتها في أعين الجمهور.
والخطوة الثالثة هي الحصول على الشرعية. ويتحقق ذلك إما من خلال التلاعب الماهر بوسائل الإعلام، أو من خلال التحريض السياسي على أرض الواقع، ما يخلق تواصلا تفاعليا مع الجماهير. والانترنت الآن، هو أداة لمثل هذا التواصل، وكما تظهر تجربة الإسلاميين الجهاديين، يمكن أن تكون هذه الأداة فعالة للغاية.
يعتمد الحصول على الشرعية إلى حد كبير على ثقافة المجتمع، الذي يعمل فيه الإرهابيون، والأخلاق المرتبطة بالعنف والموت.
في إحدى الدراسات المكرسة للإرهاب، تم عرض إحصائية مثيرة للاهتمام، تسمح بالمقارنة بين عدد الوفيات. تشير الإحصائية إلى أن عدد القتلى في العالم في حوادث السير فقط في العام 2011، بلغ مليونا و400 ألف شخص. وعدد الوفيات جراء مرض الإيدز مليون و700 ألف. في هذه الفترة، في الولايات المتحدة على الطرقات لقي 29 ألفا و757 شخصا حتفهم، كما تم قتل 14612 شخصا، وفي حوادث الطيران لقي 494 شخصا حتفهم. وعلى سبيل المقارنة بلغ عدد ضحايا الهجمات الإرهابية في 11 أيلول/سبتمبر 2001، 2996 شخصا، في حين قتل القصف النووي لهيروشيما 90 ألفا، وأودى تسونامي المحيط الهندي في العام 2004 بحياة 230 ألفا. وهنا يبرز التساؤل –إلى أي حد يمكن إعتبار الأعمال الإرهابية الفردية، من الناحية الأخلاقية، أسوأ من الحوادث من صنع الإنسان أو الطبيعية، وخصوصا عندما تفكر في أنه لم تكن هناك حاجة للتفجير النووي بالمدن اليابانية، هو كان مجرد عمل من أعمال الترهيب من جانب الولايات المتحدة، بما في ذلك لحلفائها.
الباحث البارز في مجلس العلاقات الدولية، والتر راسيل ميد، أشار إلى الدراسات الإحصائية للبروفيسور جون مولر من جامعة أوهايو، والتي تشير إلى أن الصواعق والغزلان والفول السوداني، أكثر خطرا من الإرهابيين، بل وأكد بشكل قاطع أن "الغزال بامبي أسوأ من بن لادن".
جون مولر، معروف بدراسة الرأي العام في الولايات المتحدة حول الحرب، انتقد مؤخرا السياسيين الذين أعلنوا أن الإرهابيين الإسلاميين قريبون من خلق أسلحة دمار شامل. وأشار مولر، استنادا إلى العديد من الدراسات والتقارير والمعلومات الاستخباراتية، إلى أن تنظيم القاعدة كان بعيدا عن خلق أو الحصول على أسلحة نووية. وبالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن "عدد عمليات القتل التي تقوم بها القاعدة والكيانات المرتبطة بها خارج مناطق الحرب، في كل العالم بعد 9/11، ، بلغت عدة مئات سنويا. وهذا طبعا كثير، ولكن هذا لا يشكل تهديدا خطيرا. واحتمال مقتل مواطن أمريكي على يد الإرهابيين، بشكل عام، بلغ معدل واحد إلى 3.5 مليون في السنة، حتى مع أخذ أحداث 11/9 في الحسبان".
يشير منتقدو السياسة الخارجية للولايات المتحدة أيضا، إلى حقيقة مقتل أعداد ضخمة من المدنيين في العراق خلال الغزو الأمريكي (وفقا لمنظمة أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية، ومنظمة أطباء من أجل بقاء العالم على قيد الحياة، ومنظمة الأطباء الدوليين، قتل في العراق خلال الغزو الأمريكي-البريطاني لمنع الحرب النووية، مليون و300 ألف شخص)، ما لا يتناسب مع الحالات الفردية للهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة، حتى في إطار الموازاة بين السلوك التقليدي للإسلام و"الإرهاب الإسلامي". وهذا يظهر فشل الاستراتيجية الامريكية لمكافحة الإرهاب، ويحمل واشنطن مسؤولية استخدام الأساليب الإرهابية في سياستها.
وعلى الرغم من وجود رأي في هذه اللحظة في الغرب، بأن الإرهاب الأخطر بطبيعته، هو الإسلامي. تجدر الإشارة إلى أن الوضع الحالي للإرهاب الجهادي الدولي يتميز بثلاثة اتجاهات مترابطة: اللامركزية، المحلية والمتخصصة. وهذه الاتجاهات في جزء منها، تعتبر ردا على نجاح المعركة ضد الإرهاب منذ العام 2001، ولكنها تعكس أيضا الأنماط المتغيرة في التنويع الجغرافي والعرقي والأيديولوجية الجاري داخل الحركة الجهادية الواسعة، بين أولئك الذين يفضلون الجهاد المنظم، وأولئك الذين يفضلون التركيز على الجهاد الفردي.
وفي الوقت نفسه، يبقى السؤال عن هوية الواقفين وراء العديد من الهجمات، والمنظمات المتطرفة مفتوحا. الارهابيون، وخاصة في إطار شبكة عالمية واسعة، يمكن استخدامهم باعتبارهم الجهة المخولة بخوض الحرب، بينما يبقى المستفيد في الظل. هذه تقنية استخدام طرف ثالث، سواء كان دولة أو مجموعة من النشطاء تحمل اسم الحرب بالوكالة. سورية، هو المثال الأكثر وضوحا، ذلك أن هناك العديد من الدول التي لديها مصالحها الخاصة في المنطقة وتقوم بدعم وتدريب الإرهابيين، وتحريضهم على الحكومة الشرعية
بالطبع، يجب علينا ألا ننسى إرهاب الدولة، نظرا لأنه من السهل عليه الحصول على بعد استراتيجي، وخاصة إذا كان العمل يتم من قبل مجموعة من الدول.
إرهاب الدولة
هناك تعريف لإرهاب الدولة على أنه أي مظهر للعنف، يتم تنفيذه بشكل غير قانوني تجاه البلدان الأجنبية والأعداء في الداخل من قبل بعض الدول وأجهزتها المختلفة. في هذه الحالة، إرهاب الدولة، يضم أعمال العدوان العسكري، والوحشية القضائية والأمنية، التي ترتكب لمعالجة المشاكل السياسية الداخلية والخارجية.
على العموم، التعريف الملائم جدا لإرهاب الدولة، يطرحه الخبير الإنجليزي س. سيغيلر، وهو يعتبره إساءة استعمال السلطة، واستخدام جهاز القمع ضد الشعب، للحفاظ على النظام العام والأمن الوطني، من أجل قمع المعارضة. وهذا يشمل أفعال الاحتجاز غير القانوني والتعذيب والترحيل السري وعمليات القتل السرية، واستخدام "فرق الموت"، وأخرى.
العنصر الرئيسي للإرهاب، كما رأينا من أصل الكلمة، هو التخويف، وبالتالي فإن الإجراءات التي تهدف إلى تخويف الحكومات أو المدنيين بالمعنى الواسع، يمكن فهمها على أنها أعمال إرهاب، بغض النظر عن حدوثها في أوقات السلم أو الحرب. على سبيل المثال، قصف مدينة درسدن بقنابل الفوسفور من قبل قوات الحلفاء، أو القصف النووي الذي سبق ذكره، على هيروشيما وناغازاكي، كانت تهدف فقط للتخويف، لم تكن ضرورية من وجهة نظر استراتيجية عسكرية، وفي حالة اليابان، التخويف استهدف ليس فقط الشعب الياباني، بل أيضا بلدانا أخرى.
من الناحية القانونية، هذه الظاهرة هي العامل المميز للنصف الثاني من القرن العشرين، ذلك أن مثل هذه الأحداث سابقا، كانت تعتبر أعمالا تخريبية وعدوانية. ومفهوم الإرهاب في عدد من الحالات، كان يتم إسقاطه على الصراع الطبقي المسلح.
ولكن هناك حقائق واضحة لتدخل عدد من الدول في شؤون دول أخرى، من خلال دعم الهياكل المسؤولة عن العنف. الأكثر شهرة – تأسيس الولايات المتحدة ودعمها لفرق الموت في أمريكا اللاتينية. في نفس الوقت، كان الدعم الفني، وتوفير الأسلحة وتدريب المسلحين الذين دمروا السكان المحليين وقرى بأكملها، وأسسوا أنظمة قمعية، يتم تنفيذه بمساعدة من إسرائيل والمملكة المتحدة، وإذا جاز التعبير الحديث يدون عن تحالف إرهابي دولي. هذان البلدان تم اشراكها في قمع الحركات الثورية في أمريكا اللاتينية، بسبب خبرتها في التعامل مع "الأعداء" الداخليين - الايرلنديين والفلسطينيين. إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تستخدم الآن بنشاط خبرة واشنطن، وتعرض سبل قمع الجهات غير المرغوب فيها.
في الآونة الأخيرة، تم تصميم استراتيجية جديدة ضد الفلسطينيين، تقوم على مبدأ الاستنزاف، وليس على مبدأ الحرب الخاطفة الذي طبقته إسرائيل في الحرب الأخيرة مع لبنان. قبل ذلك، كانت إسرائيل غالبا ما تستخدم النماذج الغربية لحملاتها العسكرية، مثل عملية الرصاص المصبوب، التي أجريت في الفترة من 27 كانون الأول/ديسمبر 2008 و21 كانون الثاني/يناير 2009، كان "نسخة جديدة" لعملية "الصدمة والرعب" الأميركية، التي نفذت في العراق في العام 2003، والتي قامت بتوجيه ضربات جوية سريعة ضد أهداف العدو.
ولكن تصميم استراتيجية جديدة، يهدف إلى إنهاك الخصم من خلال الضغط المستمر والدؤوب، بدلا من حملات القصف. الأثر التراكمي لذلك سيتم في سياق سلسلة طويلة من الحروب المتقطعة، التي لن يكون لأي منها دور حاسم في تحقيق الأهداف السياسية. هذه استراتيجية إسرائيلية جديدة تتكيف مع خصومهم في القرن الحادي والعشرين.
العالمان الإسرائيليان من جامعة بار ايلان، ايتان شامير وافرايم انبار، يفسران بشكل مفهوم سبب استخدام القوات المسلحة الإسرائيلية لمثل هذا النهج الموجه بالتحديد ضد الفلسطينيين.
تل أبيب ينبغي أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن الغرب ينتقد الاستخدامات المباشرة للقوة العسكرية المباشرة ضد الفلسطينيين. ولكن بما أن الداخل الإسرائيلي يعتقد بأن الصراع العربي الإسرائيلي تطور على مسار عدة قرون، فإن حله في المستقبل القريب سيكون من المستحيل. لذلك، اختارت إسرائيل استراتيجية إنهاك العدو، أي الفلسطينيين، وبالتالي تجنب الاحتلال الطويل الأمد، وصنع قرار سياسي محوري. ويحمل هذا الخيار في أوساط الجيش والسياسيين الإسرائيليين تسمية "قص العشب"، عبر تدمير أي إمكانيات لدى الخصم للقيام بأي عمل عدواني ضد  إسرائيل.
تعبير "قص العشب" كان يستخدم من قبل الجيش الإسرائيلي في الماضي، ولكن فقط في العام 2013، أصبح مستخدما على مستوى كبار الضابط، باعتباره مفهوما أكاديميا.
ويشير الكتاب المذكورون أعلاه أيضا، إلى أنه في أيلول/سبتمبر 2000، توقف الإسرائيليون عن التوهم بأن الفلسطينيون شركاء في عملية السلام، في الوقت الذي سلط "الربيع العربي" فيه الضوء على تأثير الحركات الإسلامية ذات الأيديولوجية الراديكالية المعادية لإسرائيل وللغرب، والتي بدأت في الانتشار في المنطقة بعداء شديد تجاه الكيان الصهيوني.
ولهذا السبب، فإن إسرائيل بدأت بالتعامل مع عقيدة المقاومة، التي تتبعها حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وعدد من المنظمات في المنطقة، على أنها انعكاس للتوجه في المنطقة.
لذلك، فإن المنظمات غير الحكومية الفلسطينية وفي الدول العربية المجاورة، وفقا لرؤية إسرائيل، هم أعداء يريدون تدمير الدولة اليهودية، في حين ان اسرائيل لا يمكنها القيام بأي شيء على الجبهة السياسية للحد من هذا الخطر.
وكعنصر لهذه الاستراتيجية، تعتزم اسرائيل استخدام القتل المستهدف، عن طريق نسخ أسلوب عمل الطائرات الأمريكية من دون طيار في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق.
وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ "قص العشب"، كانت له قصة طويلة. ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، وضع عقيدة إسرائيل الأمنية على أساس افتراضين رئيسيين، هما:
1.  العداء العربي تجاه دولة إسرائيل من المرجح أن بستمر لعقود.
2. إسرائيل تعاني من عقدة نقص مزمنة، سواء من حيث المساحة أو السكان.
عدم التماثل في الموارد مع العدو العربي، أجبر بن غوريون على الوصول لاستنتاج مفاده أن إسرائيل لن تكون قادرة على إملاء شروط السلام مع جيرانها، حتى في ظل استخدام القوة المفرطة.
عقدة "النقص المزمنة" المذكورة سابقا، والتي تتعلق بمساحة إسرائيل، ترتبط بانعدام الرغبة لدى إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
المقاومة غير المركزية والمبادرات الفردية
مفهوم "المقاومة غير المركزية"، تم تطويره من قبل ضابط المخابرات الامريكية يوليوس لوي آموس في الستينات، من خلال دراسة الأنشطة السرية للشيوعيين الأمريكيين، إذ اتضح أنهم صمموا شبكة من الخلايا الصغيرة التي لا تتصل مع بعضها البعض. في وجود مثل هذه الشبكة التي لا تملك هيكلا هرميا واضحا، رأى آموس تهديدا حقيقيا للأمن القومي. فعالية الشيوعيين تم الوصول إليها، عبر السرية المطلقة، ففي حال كشف خلية، يبقي القسم الآخر بعيدا عن الخطر، ويواصل الضغط من أجل مساعدة زملائه، وتحقيق أهدافهم. كان الشيوعيون الأمريكيون في ذلك الوقت متغلغلون في كل طبقات المجتمع، من الحمالين في المتاجر وحتى أعضاء في مجلس الشيوخ، وبالتالي فإن تأثير نشاطهم كان ملحوظا جدا. لذلك فإن حافز تطوير نظرية وأساليب الحرب الشبكية لدى الجيش الأمريكي، تم الحصول عليه من شيوعيي الولايات المتحدة، الذين تلقوا دعما من المخابرات السوفيتية.
في عام 1983، نشر العضو في جماعة كو كلوكس كلان الأمريكية، لوي بيم، مقالة "المقاومة غير المركزية"، مقترحا التخلي عن أي تسلسل هرمي، ذلك أن النموذج التقليدي للتنظيم الهرمي، يشكل تهديدا خطيرا للجماعة وأعضائها. لوي بيم كان معاديا للنظام الأمريكي، ولكنه استخدم ثماره في الترويج لأفكاره. واقترح إنشاء مجموعات صغيرة من شأنها أن لا تكون ذات صلة ببعضها البعض، ووظيفة الوسيط، يمكن أن يقوم بها الجهاز الدعائي. بيم اقترح استخدام نهج ذي مستويين للنضال الثوري؛ الأول من شأنه أن يمثل "أجهزة المعلومات" على الأرض، والتي تقوم "بنشر المعلومات من خلال الصحف، والنشرات، والحواسيب، وما إلى ذلك". ويجب على أجهزة المعلومات هذه ألا تنفذ أي أعمال غير قانونية، وإنما لتوفير القيادة والعمل لأغراض الدعاية والتجنيد. وأما الثاني فيتكون من المشغلين الفرديين والخلايا الصغيرة "الشبحية" التي من شأنها تنفيذ العمليات. هؤلاء الناس يجب أن يكونوا حذرين للغاية، وملتزمين، وعليهم عدم الكشف عن هويتهم، وعدم التواصل  بأي علاقات مع النشطاء "على الأرض".
في النصف الثاني من العقد الأول للقرن 21، بدأت الولايات المتحدة ايلاء اهتمام بظاهرة الإرهابيين، الذين يتصرفون من تلقاء أنفسهم، دون الانتساب لأي منظمة.
وأطلقوا وصف "الذئب الوحيد"، على الشخص الذي يتصرف وفقا لإرادته، دون أوامر أو حتى علاقات بمنظمة.
وحسب اعتقاد فريد بورتون وسكوت ستيوارت، الخبراء الأمريكيين في مجال الإرهاب من مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية الأمريكي "ستراتفور"، فإن "الذئاب الوحيدة" بسبب الطابع الخاص بهم، يشكلون تحديا خطيرا جدا للمهنيين العاملين في مجال إنفاذ القانون وحماية أمن الدولة. ذلك أن التكتم وعدم وجود اتصال، يمنع التسرب السابق لأوانه لخطط الهجمات، من قبل المخبرين أو عن طريق الوسائل التقنية، وبالتالي، فإن سلامة التنفيذ يتم توفيرها بشكل فائق.
هذه "الذئاب الوحيدة" يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع. الأول: الإرهابيون الفرديون، الذين يعملون بشكل مستقل وبمعزل عن المجموعة (من حيث الإعداد، واختيار الهدف، وما إلى ذلك)، وأحيانا يمكن أن يلجأ الأفراد لخطوة جذرية نتيجة لأحداث معينة داخل مجموعة معينة، ولكن المبادرة تكون ذاتية. النوع الثاني: إرهابيون فرديون ذوي اتصال بالقيادة، ويمكنهم الحصول على التدريب والوسائل التقنية من المجموعة، كما تدلهم المجموعة على الهدف، ولكن الهجوم، يتم تنفيذه بشكل فردي. والنوع الثالث: يتألف من مجموعات تتكون من فردين يعملان بشكل مستقل عن الجماعة.
ووفقا لوجهة نظر أخرى، الذئب الوحيد يختلف عن "الخلايا النائمة"، ذلك أن العميل النائم، هو عنصر يتم زرعه في جماعة أو منظمة، وهو لا يتخذ أي إجراءات (أحيانا لفترة طويلة) حتى يحين وقت يتلقي فيه إشارة معينة أو يقع فيه حدث معين. الذئب الوحيد، هو ناشط مستقل، يتواجد بالفعل في مجموعة مستهدفة معينة، وهو قادر على التفعيل الذاتي في أي وقت. بالإضافة إلى ذلك، "العميل النائم" أو غيره من العملاء السريين، يتم تدريبهم وإرسالهم من قبل منظمة. ووجود هذه الصلة مع المنظمة، يعني أنه بحكم التعريف لا يمكن أن يكون ذئبا وحيدا.
ووفقا لمحللين من الولايات المتحدة، المشكلة الرئيسية للذئاب الوحيدين، هي انعدام إمكانية اكتساب المهارات اللازمة لنجاح الأنشطة الإرهابية. في حين، أن التدريب العسكري والقتالي، ليس ضروريا بنسبة 100٪. على سبيل المثال، ارتكب جوزيف بول فرانكلين سلسلة من جرائم القتل (ربما نحو عشرين في عدة دول) وعمليات سرقة، وكان يختار أهدافه من كبار الشخصيات، مثل فيرنون جوردان ولاري فلينت، ورغم أنه أصاب كلا منهما بجروح خطيرة فقط. ما يعني أن نقص الخبرة المناسبة يمكن أيضا أن يكون عقبة أمام الذئاب الوحيدة. مفجر الجامعات والطائرات الشهير، ثيودور كاتشينسكي، خلال 18 سنة، تمكن من قتل ثلاثة فقط. معظم القنابل التي قام بتركيبها، لم تنفجر. من ناحية أخرى، محاولات شراء الأسلحة والذخيرة يمكن أن تلفت انتباه جهات الأمن.
حتى الآن لا يوجد مصطلح "تطريف الفرد". الشخص إما أنه وحيد بالفعل، ومن ثم يصبح متطرفا، أو أن عوامل خارجية تحفزه. وكقاعدة عامة، الناس المختلون عقليا، لديهم قلق أقل على سلامتهم وهم أكثر عرضة للتطرف. محاولات الحصول على تواصل ودعم ممن يماثلهم، تؤدي إلى خلق مفترقات طرق أيديولوجية حيوية. ظواهر مماثلة لوحظت بين جماعات حليقي الرؤوس العنصرية، والأصوليين اليهود، والإسلاميين المتطرفين.
وفقا لبيانات جامعة فيكتوريا في أستراليا، قام "الذئاب الوحيدون"  ما بين عامي 1968 و2011، بتنفيذ 198 هجمة في 15 بلدا. ما يشكل معدلا صغير نسبيا (فقط 1.8٪ من 11235 عملا إرهابيا مسجلا)، ويرتبط هذا بحقيقة أن "الذئب الوحيد" لا يمكنه تصنيع العبوات الناسفة والحصول على المكونات المطلوبة لذلك بشكل ذاتي.
رغم أن موضوع الذئاب الوحيدة، تم تضخيمه إلى حد ما في أوساط منظمات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة، فإن عددا من الباحثين يعتقدون أن التدابير التي تستخدم لمواجهة هذا النوع من العنف المتطرف في هذا البلد، تأتي بنتائج عكسية، هناك احتمالات بأن واشنطن نفسها يمكنها أن تستخدم عملاء بالوكالة في بلدان أخرى، قد يبدون وكأنهم ذئاب وحيدين.
ويبقى السؤال، من الذي نفذ عمليات بروكسل يوم 22 آذار/مارس؟ هل هم ذئاب وحيدة، أم عملاء إرهاب الدولة، أم منفذو استراتيجية منظمة معينة؟ واذا نظرنا لطريقة التنفيذ، يتضح أنه تم في بلجيكا تنفيذ نهج هجين.