كيف أحبط حزب الله خطة الحريري ـ جنبلاط لتصفية وهاب؟

05.12.2018

هل هو تنفيذٌ لقرار قضائي بجلب الوزير السابق وئام وهاب للمثول أمام فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي للتحقيق معه أم تنفيذٌ لقرار سياسي باغتيال رئيس حزب التوحيد جسدياً أو سياسياً؟ وهل فعلاً اتخذ رئيس حكومة لبنان العتيدة سعد الحريري قراراً كهذا؟ وما علاقة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط؟ وهل يتجرأ الحريري على اتخاذ قرار كهذا من دون تغطية أو ربما طلب مباشر من جنبلاط؟ وماذا عن تزامن العملية مع زيارة «زعيم المختارة» الى بيت الوسط؟ ولماذا أُخفي الأمر عمداً عن رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري المعنيين الرئيسيين بالسلم الأهلي، علماً أن قرارات كهذه تحتاج عادة الى توافق سياسي مسبق! فهل ورط زعيم الاشتراكي رئيس المستقبل كما ورط الرئيس فؤاد السنيورة في القرارين الشهيرين في 5 أيار 2008؟

وهل هي ردة فعل محلية من ثنائي الحريري جنبلاط للتخلص من وهاب أم ثمة أبعاد خارجية للأحداث الدراماتيكية خلال الأيام القليلة الماضية والتي جاءت استكمالاً لما شهدته شوارع بيروت وبعض المناطق من أعمال شغب نفذتها ميليشيات المستقبل؟ وهل تقاطعت مصالح المختارة بيت الوسط مع تنفيذ رغبات اقليمية، عبر اصابة عصفورين بحجر واحد؟ الأول التخلص من معارض جنبلاط على الساحة الدرزية و«العدو اللدود» للحريري في ملفات الفساد؟ أما الحجر الثاني فخلق بلبلة أمنية لإحراج حزب الله حكومياً وحرف الأنظار عن فشل الحريري بتأليف الحكومة والتخفيف من وطأة الضغوط والاحراج عليه لا سيما أن الحريري بات يعيش في طوق سياسي من جهة نواب اللقاء التشاوري وحزب الله ومن جهة ثانية الوزير جبران باسيل والرئيس عون الذي طلب من الرئيس المكلف مباشرة استقبال النواب السنة والحوار معهم.

مصادر مطلعة كشفت لـ»البناء» عن خطة مدبرة من الحريري وجنبلاط لتصفية وهاب حليف حزب الله جسدياً أو سياسياً إلا أن حزب الله أحبط هذه الخطة عبر تحرك سياسي سريع باتجاه بيت الوسط والمختارة، حيث تبلغ المقران رسائل حازمة من مستويات قيادية عليا في الحزب بإيقاف العملية الأمنية في الجاهلية بأسرع وقت ممكن وأن الحزب لن يسكت عن استفراد وهاب ولا اللعب بالأمن الذي يعتبره الحزب خطاً أحمر. كما حذر الحزب من أن استمرار هذا الأمر سيؤدي الى فتنة كبيرة ويستدرج ردود فعل مقابلة». تهديد حزب الله دفع بالحريري للطلب من قيادة قوى الأمن الداخلي بمغادرة بلدة الجاهلية، على أن يصار الى ايجاد مخرج قضائي لإنهاء القضية.

سلسلة من الأسئلة تزاحمت خلال عطلة نهاية الأسبوع، أما النتيجة فهو قتل مرافق وهاب الشهيد محمد بو دياب على يد فرع المعلومات بسلاح أميري بحسب وهاب استناداً الى تقرير الطبيب الشرعي الذي عاين الجثة حيث أُصيب بطلقِ ناري في خاصرته من قناص بسلاح «اي 4» من مسافة ليست بقريبة ما يعزز فرضية اصابته عمداً من عناصر المعلومات وربما كان المقصود وهاب!

وتتّسع دائرة الأسئلة لتعود بالذاكرة التي تختزن الأحداث المحلية الى سنوات عدة خلت: هل تحرك المعلومات ضد حالة الموقوف الارهابي أحمد الاسير الذي قطع طريق بيروت – الجنوب لأشهر عدة وأطلق عبارات مذهبية وكلام مسيء بحق قيادات لبنانية كبيرة وهدد السلم الأهلي واعتدى على مراكز الجيش وقتل ضباطه وجنوده؟

أين كان «المعلومات» عندما تمادى صقور المستقبل كالنائب السابق خالد الضاهر والوزير الحالي معين المرعبي وغيرهم في تخوين الجيش والتحريض عليه والدعوة الى طرده من بعض المناطق الشمالية وصولاً الى الاعتداء عليه وعلى عناصر قوى الأمن الداخلي أسراً وقتلاً وذبحاً وتنكيلاً وتمثيلاً بالجثث في عرسال على يد الإرهابيين، فلمَ لم يتحرك «الشرف العسكري» لقيادة «الفرع» والحس الوطني لمرجعيته السياسية آنذاك للتوجه بمئة آلية لتحرير عناصر الأمن الداخلي والجيش من قبضة تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين؟ ولماذا رُسِمت الخطوط الحمر السياسية أمام الجيش حينها بذريعة الفتنة المذهبية؟ ولماذا لم يُطبَق هذا المعيار على الجاهلية؟ مع فارق بأن وهاب ليس إرهابياً أو فاراً من وجه العدالة بمعزل عن إساءته للحريري بينما أولئك النافخين في بوق الفتنة من بعض نواب المستقبل والإرهابيين قتلوا الجيش وهددوا أمن الوطن ووجدواً من ينصُب لهم محمية سياسية وأمنية وقضائية! وأين كانت «الشعبة» في جولات العنف في طرابلس والاشتباكات المسلحة في طريق الجديدة…

وتنسحب ذاكرة الاحداث التي مازالت حية الى واقعة توقيف الامن العام اللبناني الارهابي الفار من العدالة شادي المولوي في طرابلس حيث قامت الدنيا وقتذاك ولم تقعد. وحينها اعتقله الامن العام بناء لاشارة قضائية وبعملية امنية نظيفة لم تسقط فيها قطرة دم واحدة وبآلية فقط لا مئة، وحينها تعرض الامن العام لحملة شعواء وتم إخلاء سبيل المولوي بضغط سياسي على القضاء وتبين لاحقاً أن المولوي أمير النصرة في الشمال خطط لعمليات إرهابية عدة!

التساؤلات لا تتوقف حول خفايا «القرار الأسود» في الليلة الظلماء الذي كاد يُشعل الجبل بفتنة قد تمتد شرارتها الى مناطق أخرى في بلد يحمل أرضاً مذهبية وطائفية خصبة لتلقف أحداث كهذه والتفاعل والتعامل معها بشكل سلبي…

فلماذا لم يترك الحريري وجنبلاط للقضاء أن يأخذ مجراه ولماذا أُقفِلت ابوابه أمام المعالجة السياسية القضائية للقضية؟ وما يُثير الاستغراب أكثر ما كشفه وهاب عن مراسلة هاتفية بينه وبين وزير العدل يتمنى خلالها الأخير على وهاب الاتصال بمدعي عام التمييز سمير حمود للاتفاق معه على آلية لتنفيذ المذكرة القضائية، ما يعني أن وهاب أراد المثول أمام القضاء واضعاً نفسه تحت سقفه، فيما لم يُجِب حمود على الاتصال فاسحاً المجال أمام المعلومات للتحرّك أمنياً وعسكرياً، ما يؤكد أن ثمة أمراً دُبِر على عجل للايقاع بوهاب ولذلك أُريد له التمنع عن الحضور للجوء الى هذا العمل الأمني.

أما المُتباكون على السلم الاهلي وأمن اللبنانيين: فلماذا عارضوا لسنوات دخول الجيش الى عرسال لإنهاء تنظيمي النصرة وداعش؟ وأليس من اتخذ قرار اجتياح الجاهلية هو نفسه من وضع خطوطاً حمراً على الجيش في عملية الجرود صيف الـ 2017 بقرار أميركي واضح؟ واستطراداً لماذا لم نرَ هذه الحَميّة الوطنية عندما كان الحريري مُحتجزاً في السعودية حيث تعرض للتعذيب والتنكيل والإذلال من السعوديين باعتراف فرنسي؟ وللتذكير فقط بأن المعلومات لم يحذُ حذو الأمن العام واستخبارات الجيش بالمسارعة الى نفي خبر محاولة اغتيال الحريري في بيروت كما ادعت المملكة وتماهى معها وزير الاتصالات جمال الجراح.

تكثر الأسئلة ولا تجد أجوبة لها، هل تحول فرع المعلومات آلة تنفيذية لقرارات الرئيس المكلف وقيادة المستقبل؟ وهل ستكون قرارات الحكومة المرتقبة على غرار هذه القرارات الهوجاء، هل هكذا ستُبنى دولة القانون والمؤسسات في العهد الجديد؟