هل ستكون لبنان ساحة لحرب وتحالفات الطاقة الجديدة

21.02.2018

يتشكل صراع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط، وليس بين إسرائيل وسوريا أو إسرائيل وإيران فقط. وينطوي هذا الصراع مثل معظم الصراعات هناك على معركة من أجل الموارد الهيدروكربونية-النفط والغاز. يتركز النزاع الجديد بين إسرائيل ولبنان حول الترسيم الدقيق للمنطقة الاقتصادية الخاصة بكل من البلدين. وتشمل الجهات الفاعلة الرئيسية في الوقت الحاضر بالإضافة إلى حكومتي إسرائيل ولبنان، كل من روسيا وحزب الله اللبناني وسوريا وإيران والولايات المتحدة في الخفاء. وترتبط الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على القواعد الإيرانية المزعومة أو معسكرات حزب الله داخل سوريا، ارتباطاً وثيقاً بهدف إسرائيل لمنع الربط البري بين إيران والبنية التحتية لحزب الله في لبنان عبر سوريا. يمكن أن يؤدي هذا الوضع إلى حرب أكبر وأكثر بشاعة لا أحد يرغب بها. 

تغيرت الجغرافيا السياسية للنفط والغاز في البحر المتوسط في عام 2010 بشكل كبير. وكان ذلك عندما اكتشفت شركة للنفط من ولاية تكساس الأمريكية وتدعى "نوبل إنرجي"، كمية ضخمة من الغاز الطبيعي قبالة شواطئ إسرائيل في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويسمى بحقل "ليفياثان"، وهو واحد من أكبر حقول الغاز المكتشفة في العالم منذ أكثر من عقد من الزمن. وأكدت الشركة نفسها في وقت لاحق وجود موارد كبيرة من الغاز في المياه القبرصية بالقرب من حقل "ليفياثان" الإسرائيلي، ويدعى حقل "أفروديت". وأدى الشلل السياسي داخل لبنان والحرب في سوريا إلى منع لبنان من البحث بنشاط عن إمكانية وجود النفط والغاز قبالة سواحلها. ومع هذه التغييرات كلها تتصاعد التوترات بين إسرائيل ولبنان، وتتدخل روسيا في لبنان بشكل جريء.

وقع الرئيس اللبناني ميشال عون، في حفل رسمي في بيروت في 9 شباط، الاتفاقيات الأولى مع شركة "نوفاتيك" الروسية للحفر بحثاً عن النفط والغاز في القطاع البحري المُعتبر أنه جزء من المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان. وسبب هذا الحدث هجوماً حاداً من وزير الدفاع الإسرائيلي "أفيغادور ليبرمان" الذي وصف مناقصة التنقيب عن النفط والغاز في لبنان بأنها استفزازية للغاية.

وتجري مناقصات الطاقة في لبنان في ظل علاقات دفاع جديدة مثيرة بين روسيا ولبنان، مما يخلق حساباً سياسياً جديداً تماماً في منطقة البحر المتوسط.

ثروات حوض بلاد الشام

ما هو واضح في هذه المرحلة، بعد ثماني سنوات من الاستكشاف البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط، هو أن المنطقة غارقة بالمركبات الهيدروكربونية، وهو أمر لم تتمكن إسرائيل أو لبنان من اكتشافه. وسيكون تطوير مصادر الغاز الطبيعي بالنسبة للبنان هبة من السماء. فتعرضت لبنان منذ الحرب الأهلية عام 1975 لانقطاعات في الكهرباء، ويتعين على البلاد أن تشهد يومياً انقطاعاً كهربائياً لأن ذروة الطلب تتجاوز الإنتاج بهامش كبير. ويجب على لبنان استيراد وقود الديزل الباهظ الثمن في ظل غياب الغاز والنفط، ويسبب هذا خسارة سنوية للاقتصاد تقدر بنحو 2.5 مليار دولار. يعد لبنان واحداً من أكثر البلدان المثقلة بالديون حيث تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي حوالي 145%. وقد جمدت الحرب السورية والمأزق السياسي اللبناني الداخلي عمليات اكتشاف مصادر الطاقة.

وأجرت شركة "سبيكتروم" البريطانية دراسة استقصائية جيوفيزيائية في القسم البحري اللبناني في السنوات الأخيرة، وتم تقدير أن المياه اللبنانية يمكن أن تحتوي على ما يصل إلى حوالي 25 تريليون قدم مكعب من الغاز. ويمكن لتطوير احتياطات لبنان من الغاز أن يغير الاقتصاد اللبناني بأكمله. وتحول الحرب السورية والشلل السياسي داخل لبنان حتى الآن دون استغلال المنطقة البحرية. 

وتعتبر التوقعات واعدة بما فيه الكفاية لأنه يوجد اتحاد دولي بقيادة شركة "توتال" الفرنسية العملاقة، وشركة "إيني" الإيطالية وشركة "نوفاتيك" الروسية، وهي شركة نفط خاصة قريبة من فلاديمير بوتين، ويعمل هذا الاتحاد للحصول على حقوق الحفر. وأعلنت شركة توتال أنه سيتم حفر أول بئر في العام المقبل في المنطقة "بلوك 4"، وهو قطاع بلا منازع، وأن بئراً ثانياً سيكون في المنطقة "بلوك 9"، وهو قطاع يقع ضمن منطقة تطالب بها إسرائيل، وسارعت شركة توتال إلى أن توضح أن الحفر سيتم على بعد 15 ميلاً عن المنطقة المتنازع عليها والتي تطالب إسرائيل بها. ومع ذلك فإن إسرائيل تحتج بشدة على الحفر. ويوجد في لبنان نزاع حدودي مع إسرائيل على مساحة تبلغ 330 ميلاً مربعاً. 

الحاجز الروسي بين حزب الله وإسرائيل

بالنظر إلى احتمال نشوب نزاع على موارد الطاقة في المنطقة، فقد رحب لبنان بمشاركة شركة روسية نفطية كبرى في تطوير مواردها البحرية، وفي نفس الوقت أذنت الحكومة الروسية لوزارة الدفاع الروسية بإقامة معاهدة تعاون عسكري تتضمن إطاراً شاملاً للتنسيق مع الجيش اللبناني. ويُقال إن هذا الإطار يشمل المناورات العسكرية المشتركة والاستخدام الروسي للموانئ والمطارات اللبنانية أيضاً. 

ويُذكر أن التعاون الروسي اللبناني يشمل أيضاً تبادل المعلومات حول وسائل الدفاع وتعزيز القدرات الأمنية الدولية. وتفعيل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتحسين التعاون المشترك في مجالات تدريب الكوادر والتدريبات العسكرية وبناء القوات المسلحة، وتبادل الخبرات في مجال تكنولوجيا المعلومات، وإنشاء آلية للتعاون بين جيوش البلدين.

هذا بالإضافة إلى أن القواعد الروسية الدائمة الآن في سوريا – قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط – تعتبر خطوة رئيسية من جانب روسيا لإقامة دور دائم في المنطقة كوسيط سلام. هذه الصفقة بين روسيا ولبنان ليست موافقة لرغبات نتانياهو. وتشير الهجمات الإسرائيلية المأساوية داخل المجال الجوي السوري منذ 10 شباط إلى ما يبدو أنه قرار إسرائيلي استباقي في محاولة لعرقلة خطوط الإمداد الإيرانية – السورية – اللبنانية التي يمكن أن تدعم حزب الله في لبنان والتي بدأت تظهر في الأشهر الأخيرة.

إسرائيل تحذر بوتين من حزب الله

إذا كان من المقرر الدخول في حرب جديدة بين إسرائيل وسوريا ولبنان، فلن تكون حرباً للسيطرة البسيطة على موارد النفط والغاز، بل الهدف الرئيسي هو حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، والذي يقف إلى جانب الجيش السوري وروسيا في الحرب السورية. وإذا نجح لبنان في تطوير موارد الغاز في المنطقة البحرية، فيمكنه أن يقطع شوطاً طويلاً لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد اللبناني، وتخفيف البطالة المرتفعة، وكما يرى نتانياهو فإن ذلك سيزيد من ترسيخ حزب الله الموالي لإيران كعامل رئيسي للاستقرار.

وقبل وقوع الغارات الإسرائيلية الأخيرة داخل سوريا، نشرت الصحف الإسرائيلية عناوين إخبارية استفزازية مثل صحيفة "جيروساليم بوست" الناطقة بالإنكليزية والتي نشرت مقالاً بعنوان " خمس أسباب تجعل إسرائيل مستعدة للحرب مع حزب الله في لبنان". وطرحت إسرائيل في الأسواق في أيلول من العام الماضي لعبة تحاكي الاشتباك مع حزب الله. ومارست القوات الإسرائيلية التحول من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم وتنفيذ مناورات معدة لتضاريس جنوب لبنان.

وظهرت في تشرين الثاني الماضي جبهة ثانية في الحرب الإسرائيلية المحتملة ضد حزب الله، وذلك عندما استدعى ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" إلى الرياض لقراءة بيان استقالته. وحذر الحريري من أنه ما لم ينهي حزب الله دعمه للقوات المعادية للسعودية في اليمن ومشاركته في الحرب السورية، فإن السعودية مستعدة لفرض عقوبات اقتصادية شديدة على لبنان كما فعلوا مع قطر. ومن شأن هذا أن يكون أمراً مدمراً لأن الاقتصاد اللبناني يعتمد على تحويلات من حوالي 400 ألف لبناني يعملون في الخليج ويرسلون إلى بلادهم ما يصل إلى 8 مليار دولار سنوياً. 

وكان نتانياهو في هذه المرحلة في تحالف مفتوح مع الأمير السعودي محمد بن سلمان، ومع واشنطن في ظل المعارضة لإيران والنفوذ الإيراني في سوريا وكذلك لبنان واليمن، بعد زيارة نتانياهو السرية إلى الرياض في أيلول الماضي.

ومع إعلان إدارة ترامب عن عدائها المتزايد لإيران، فضلاً عن اعترافها الاستفزازي الشديد بالقدس كعاصمة لإسرائيل، فإن الشروط المسبقة لحرب إسرائيل الثالثة في لبنان وهي الحرب التي تدعمها واشنطن في الخفاء، بحجة المطالبة بالمياه الإقليمية البحرية اللبنانية، يمكن أن تتصاعد إلى حرب أوسع نطاقاً في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد تكون روسيا هي العائق الوحيد أمام الصراع الجديد في الشرق الأوسط، من خلال إدراج الوجود العسكري الهائل فضلاً عن وجود الطاقة في لبنان في هذه المرحلة.

إن التصعيد الدراماتيكي للهجمات الإسرائيلية على دمشق وإسقاط طائرة إسرائيلية من طراز (F-16) في سوريا، وهي المرة الأولى منذ عام 1982، والاستجابة الإسرائيلية غير المتناسبة ضد الأهداف السورية، كل هذا يشير إلى مدى تفجر المنطقة بأسرها. وكما أشار "غسان قاضي" في كتابه "مدونة الصقر" مؤخراً، في تحليل ممتاز للوضع في المنطقة: "إن التصعيد الأخير بين سوريا وإسرائيل ليس تمهيداً لحرب أكبر. لا أحد يريد الحرب، على الأقل ليس الآن لأن الجميع يدركون الضرر الذي سيلحق بهم، وتجري إسرائيل الاختبارات في المياه وفي الجو لقدرات الدفاع الجوي في سوريا، وفوق كل شيء اختبار تصميم موسكو على إيجاد توازن حقيقي للشرق الأوسط". ويبدو أن إسرائيل استخدمت ذريعة الطائرات الإيرانية بدون طيار وإطلاق النار على طائرة إسرائيلية من طراز (F-16)، للبدء بتحقيقات تجريبية للاستجابة الروسية والإيرانية المحتملة.

ليس واضحاً بعد إذا كانت روسيا قادرة على احتواء هذه القوى ومنع الحرب الشاملة. وإن توقيع روسيا على تعاون عسكري مع لبنان وفي نفس الوقت فوز شركة روسية رائدة في مجال الطاقة بحقوق الحفر لاستخراج النفط والغاز، ليس قراراً حديثاً، بل هي خطوة محسوبة في واحدة من أكثر الأراضي المتشابكة في العالم. ونأمل أن تنجح روسيا في احتواء هذه الحرب لصالح البشرية.