حادِث الطائرة الأوكرانية.. هل إيران وحدها المسؤولة؟

22.01.2020

المُعطيات الجديدة حول حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية فوق إيران تعزز الشكوك حول الجهة المسؤولية فعلاً عن المتسبّب بالحادث. احتمال التشويش على الرادارات الإيرانية لحظة الحادث تزيد من التساؤلات، لكن لماذا اعترفت إيران بالمسؤولية عن الخطأ البشري؟

اعترفت إيران رسمياً بمسؤوليتها عن إسقاط الطائرة الأوكرانية ليلة الردّ الصاروخي على قاعدة "عين الأسد" في العراق، على أنه حادث وقع عن طريق الخطأ. لكن مُعطيات جديدة تكشَّفت عند أكثر من جهةٍ أعادت زَرْع شكوكٍ كبيرة حول حقيقة ما جرى.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال الأسبوع الماضي إنه في الوقت الذي وقع فيه الحادث، "كانت توجد ست مُقاتلات إف-35 (أميركية) على الأقل في الجو داخل الحدود الإيرانية". وهو وإن استدرك بالقول إنها معلومات لم يتم التحقّق منها بعد، غير أنه بمُجرَّد إعلانها فقد تغيَّر اليقين الذي ساد في الأيام التي سبقته، والقائِل بأن إيران مسؤولة بشكلٍ تام عن الحادث.

كلام لافروف الذي ثبَّت خلاله الموقف الإيراني الرسمي القائل بأن الحادث وقع بفعل خطأ بشري، سلَّط الأضواء على مسؤولية الانتهاك الأميركي للقانون الدولي من خلال التحليق المُستفزّ فوق دولة سيِّدة، والتسبّب بخطأ أدَّى إلى وقوع عشرات الضحايا، فيما لو تم التحقّق من المعلومات التي أشار إليها.

تساؤلاتٌ أخرى تُعزِّز ما كشف عنه لافروف، وهي تتحدَّث عن عمليات تشويش تعرَّضت لها أنظمة الدفاع الجوي الإيراني من قِبَل الولايات المتحدة ليلة الحادث، أدَّت إلى إسقاط الطائرة. هذه التساؤلات تحدَّث عنها مُتخصِّص عَمِل سابقاً في مُكافحة الإرهاب مع جهاز "سي آي إيه" وهو فيليب غيرالدي في صحيفة "هيرالد تريبيون" الأميركية. يقول غيرالدي إن واشنطن لديها قُدرات كبيرة للتشويش وتغيير الإشارات المُتعلّقة بجهاز التردّدات والنظام الدفاعي الجوي الإيراني.

ولأن مصدر التشويش لايزال مجهولاً على الأقل تقنياً، فإن مجموعة من المُعطيات تُعزِّز احتمال تدخّل جهة أخرى غير الدفاع الجوي الإيراني ما أدى إلى إسقاط الطائرة التي كانت تتَّجه من طهران نحو كييف، على أن تُتابع رحلتها إلى تورنتو الكندية، ما يعني أن اتجاه الطائرة منطقياً يأخذ مسار الشمال الغربي من طهران باتجاه كييف، وهذا يعني أن احتمال الخطأ عند طاقم الدفاع الصاروخي بالخَلْط بين صاروخ مُعادٍ موجّه إلى طهران وطائرة ركاب مدنية غير منطقي. ثم إن الخَلْط بتحديد الهدف بين احتمالي طائرة مدنية ومُقاتلة حربية ضعيف، نظراً إلى فارِق الأحجام بين الطائرتين على الرادار، والأهم فارِق السرعة بين كل منهما.

مُعطى آخر يزيد من الشكوك حول المسألة، وهو أن اعتراف إيران بالخطأ تضمَّن الإشارة إلى أن الحادث نجم عن "خطأ بشري"، في حين أنه من المُفترَض أن يعمل نظام الدفاع الصاروخي بصورةٍ أوتوماتيكيةٍ (نظام تور الروسي)، وهذا ما يقود إلى القول إن التشويش المحتمل الذي تعرَّضت له الرادارات الإيرانية ألزم الطاقم المسؤول عنها باعتماد القيادة البشرية بدلاً من تفعيل الحساسية الأوتوماتيكية، تجنّباً لخطأ ما قد يحدث.

لكن درجة الاستنفار العالية، وضغط الوقت، بالإضافة إلى الأخبار التي تم تداولها عن التفاف الطائرة باتجاه العودة إلى المطار، تشكّل مُعطياتٍ ضاغِطة على الجهاز البشري المولَج استخدام نظام الدفاع الصاروخي وإطلاق النار على مصادر الخطر المُقدَّرة في لحظة الحادث. وحيث أن الطائرة كانت لا تزال فوق العاصمة الإيرانية لحظة الحادث، فإن الوقت الذي كان مُتاحاً أمام مُطلِق الصاروخ لا يتعدّى الثواني المعدودة.

ثم إن انتشار مقاطِع فيديو "مُعدَّلة" للحظة إصابة الطائرة وسقوطها، يُشير إلى تدخّل ما بعملية تظهير الحَدَث في اتجاه مُحدَّد، تبيَّن في وقتٍ لاحقٍ أن التوقيت الظاهِر عليها لا يُطابِق وقت إصابة الطائرة وسقوطها.

على الرغم من كل هذه المُعطيات، اعترفت إيران بالمسؤولية الأخلاقية عن الخطأ الذي أدَّى إلى إسقاط الطائرة، وهذا يُعبِّر عن مسؤوليةٍ عالية لم نشهد مثيلاً لها عند دول أخرى في حالاتٍ مُشابهة، بل أن ردود الفعل التلقائية للدول في مثل هذه الحالات يكون الإنكار، والحديث عن أن التحقيقات هي التي ستكشف الحقائق، ثم تأخذ تلك التحقيقات سنواتٍ قبل أن يتم الاعتراف بالخطأ إن حَدَث ذلك. وربما يعود هذا النموذج من التعاطي المسؤول مع الحَدَث إلى العُمق العقائدي لنظام الجمهورية الإسلامية الذي يولي اهتماماً بالغاً للرأي الشرعي الديني في المسؤولية عن سقوط ضحايا.

ولاستكمال المسار الدولتي لتتبّع حقيقة ما جرى، أعلنت السلطات الإيرانية عن توقيف أشخاص يُشتبه في علاقتهم بالحادث، بمُوازاة تشكيل محكمة خاصة تُشرِف على التحقيقات بغية جلاء الحقيقة. فهل تتعاطى الدول الأخرى مع إيران على القدر نفسه من المسؤولية؟.