ضربات استراتيجيّة للمشروع العثمانيّ الجديد في سورية واليمن
التزامن بين تحرير قسم استراتيجي من منطقة ادلب السورية وبين تحرير منطقة نهم اليمنية يختزن إصرار هذين البلدين على تحرير اراضيهما المحتلة، هذا في التقليد الوطني.
اما في العمق، فيبدو وجود إصرار من اليمن وسورية على وقف الزحف العثماني الذي بدأ يتمدّد في العالم العربي، مستغلاً التراجع السعودي الأميركي بموازاة انكفاء آلياتهما الإرهابية التي يدعمونها في داعش وهيئة تحرير الشام والنصرة المنهارة بمعدلات كبيرة.
لقد تبين أن الهجومين الكبيرين على اليمن في 2015 وسورية في 2011 ارتديا شكل مشاريع سياسية كانت تبدو واحدة وتبين آنفاً أنها تتمحور في مشروع أميركي كبير يحتوي الخصوصيات السعودية – الإماراتية الإسرائيلية والتركية.
لكن ما دفع هذه الوضعية الى التفتت هو خسارة الإرهاب الداعشي وحوامله من هيئة تحرير الشام والنصرة في ميادين سورية وتراجع التحالف العربي المدعوم من الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) في اليمن.
لقد استفاد الأتراك من التركيز على ضرب المحاور السعودية الإماراتية في سورية فعبأوا الفراغ الناتج من تراجعهما محتلين محافظات واسعة في شمالها الغربي وحدودها وأنحائها الشرقية متعاونين مع الاخوان المسلمين والتركمان السوريين الى حدود دمجهما في الجيش التركي.
لجهة اليمن، هناك حزب الإصلاح الاخواني الذي تمكن بدعم تركي بالتمويل والسلاح والتدريب من التحول قوة ضاربة تنتشر في محيط عدن ومحافظات الجوف وحضرموت ونهم والكثير من مناطق جنوبي اليمن.
لقد بدا بوضوح أن المشروع العثماني يريد بقوة الاحتفاظ بإدلب السورية رافضاً الالتزام بوعوده لروسيا بسحب إرهابييه منها بموجب اتفاق سوتشي منذ مطلع 2019.
فيما كان يخطط في اليمن للاستفادة من تعثر السعودية والإمارات في هجماتهما في الساحل الغربي لإنجاز نقلة نوعية تُحدث صدمة كبيرة على مستوى الحرب السعودية الإماراتية الأميركية على اليمن وقد تؤدي الى إنهائها.
هناك إذاً مشروع تركي – اخواني للسيطرة الكاملة على إدلب وإسقاط العاصمة صنعاء من بوابة محافظة نهم.
على المستوى السوري تحرّكت منظمات الارهاب الاخوانية فجأة في أرياف مدينة حلب وإدلب وحاولت اقتحام مراكز الجيش السوري المنتشر في تلك المناطق.
لقد تفاجأ الضامنون الروس لاتفاق سوتشي بهذا الهجوم مطلقين تصريحات اتهمت تركيا مباشرة بالتخلي عن التزاماتها.
وفجأة بدا أن الجيش العربي السوري كان متهيئاً لمثل هذه المحاولات بدليل تمكّنه من هزيمتها ومسارعته الى شن هجوم مضاد كان واضحاً أنه ناتج من تخطيط عسكريّ لتحرير سورية وليس مجرد ردة فعل على هجمات إرهابية.
ما فعله الجيش السوري في إدلب كان إنجازاً استراتيجياً تجسّد بالتقدم المظفر نحو ثاني أكبر مدينة في إدلب ونجاحه في السيطرة عليها، الى جانب نحو ثلاثين قرية ويواصل معاركه لتحرير مدينة سراقب عازلاً مراكز المراقبة التركية في المناطق المحرّرة عن مثيلاتها في الأنحاء الأخرى التي لا تزال خاضعة للاحتلال التركي الاخواني الارهابي.
هذه المعركة سدّدت ضربة قوية للمشروع التركي الاخواني ولم تكن مجرد احتلال محاور، لأن الجيش العربي السوري تمكّن من تحرير خط حلب إدلب – حماة – حمص – دمشق حتى الحدود الأردنية المعروف بالـ M5.
بما يؤدي الى المزيد من التحام سوري سوري على حساب تضييق حركة الإرهاب مؤدياً الى تعزيز التطور الاقتصادي في هذه المنطقة وعاملاً على دفع المشروع الاخواني العثماني الى ما وراء حلب نحو الشمال، وأيضاً نحو ما تبقى من أجزاء محتلة من إدلب.
لا بد من الإشارة الى ان الجيش العربي السوري يواصل حملته لتحرير مدينة سراقب التي لم يعد يبعد عنها إلا كيلومترات قليلة. وهذا أيضاً انتصار استراتيجي لأنه يؤدي بدوره الى فتح طريق الـ M4 الرابط بين حلب – إدلب باللاذقية على الساحل السوري، بما يمكن اعتباره نجاح الدولة السورية بربط كامل مناطقها الكبرى ببعضها بعضاً مع اتجاه الى خنق المشروع التركي الاخواني وإلحاقه بالمشروع السعودي الوهابي الداعشي.
على مستوى اليمن، بدا أن المشروع العثماني الاخواني أراد تحقيق ضربة نوعية تقع على رأس القوى العاملة في جنوبي اليمن من خلال التغطية الاميركية وهو إسقاط العاصمة صنعاء في هجوم مباغت وضخم يستهدف مناطق في نهم على بعد نحو عشرين كيلومتراً تقريباً، لكن النتيجة بدت مذهلة.
على الرغم من ان المهاجمين زادوا عن 45 ألف اخواني ومرتزق تجمّعوا في 16 لواء و20 كتيبة بدعم طائرات التحالف الدولي وقوات عبد ربه منصور هادي، لكن جيش دولة صنعاء اليمني مع المؤتمر الشعبي وقوات أنصار الله صدّوا الهجوم الكبير موقعين آلاف القتلى والأسرى والجرحى.
هذا الجانب المباشر من الموضوع، وما هو أكثر أهمية منه فهذا الهجوم المضاد الذي شنّه أنصار الله والجيش اليمني والتحالفات ونجحوا فيه بتحرير منطقة نهم بكاملها على مساحة 25 كلم2 ناقلين الحرب الى محافظات الجوف وحضرموت محررين مديريات في الجوف وصرواح ومحزر ومأرب وحزم الجوف وكامل نهم جبال البياض ويام والخلق والصفنة والقتال مستمرّ.
ماذا يعني هذا النصر في عملية البنيان المرصوص؟
عسكرياً ابتعاد القتال عن صنعاء العاصمة اليمنية بتحرير نجران منذ أشهر عدة والآن بتحرير نهم وفتح جبهات مع القوى العسكرية للمشروع العثماني الاخواني والمشروع السعودي الأميركي في مناطق تربض على احتياطات هائلة من النفط يؤكد خبراء انها تفوق احتياطات السعودية.
بذلك يتمكّن اليمنيون من حماية أجزاء بلادهم المحررة في الساحل الغربي صلة وصلهم مع الخارج ومحافظة نهم رأس حربتهم لتحرير كامل اليمن.
عملياً، تكشف هذه العمليات العسكرية في اليمن وسورية أن المشروع العثماني الاخواني تلقى ضربة على أمّ رأسه من هرواة شديدة الوقع صنعتها الجيوش السورية واليمنية في جهادية عالية الكعب لن تستكين إلا مع تحرير بلادها من كل أنواع المشاريع المرتبطة بالعمق بالجيوبوليتيك الأميركي لخدمة الكيان الإسرائيلي.