إذا وقعت الحرب، لا تلقي اللوم على "المجمع الصناعي العسكري" - الأمور أسوأ مما كنت تعتقد

17.08.2017

في الوقت الذي تقرع فيه الطبول منذرة بما يمكن أن يسمى "حرب صغيرة رائعة" ضد كوريا الشمالية، فإنه من المناسب تقييم الجهود الجارية والتي تبدو بأنها  ناجحة لتجريد الرئيس دونالد ترامب من سلطته على أي غريب أو أي شخص من السلطات الأمنية الوطنية التي تعمل ضد رغبات ما يسمى المجمع الصناعي العسكري، أو هيئة التصنيع العسكري. إن إجراء بحث على غوغل عن «المجمع العسكري الصناعي» وعلاقته مع «ترامب» قد يظهر ما يقارب  450000 مقال من جميع المصادر وحوالي 26000 مقال من مصادر الأخبار فقط.
وقد تم وصف ترامب خلال حملة عام 2016 وفي الأسابيع الأولى من إدارته بأنه يمثل تهديداً لهيئة التصنيع العسكري. ولكن مع مرور الوقت، تم تعيين المزيد من الجنرالات وشخصيات المؤسسة (بما في ذلك بعض ممن يزعم أنه مرتبط  بجورج سوروس) ضمن إدارة ترامب في حين تم طرد العديد من الموالين له في إدارته، إنه ليس بأمر غريب أن تبدو سياسة ترامب أقل استمراراً من سابقاتها (على سبيل المثال، الترحيب بالجبل الأسود في الناتو). يقول البعض الآن إن ترامب هو أفضل صديق لهيئة التصنيع العسكري  وربما كان دائما كذلك.
وهناك من ينكر أن هيئة التصنيع العسكري موجودة بالأساس. ويشير أحد المدونين المحافظين والذين كانت كتاباتهم  مؤيدة للحرب و للتدخل القضائي  إلى وجود هيئة التصنيع العسكري ك «أسطورة» تم بناؤها عن طريق «المؤامرة». و من المناسب الإشارة إلى أن هذا المفهوم (هيئة التصنيع العسكري) قد تم استخدامه فيما مضى  عندما تم تحذير الرئيس دوايت آيزنهاور من رحيله الوشيك من البيت الأبيض  في عام 1961، لأن الجيش في ذلك الوقت استهلك حوالي 10 % من الناتج  الأمريكي المحلي الإجمالي. ولكن الآن، وعندما تكون النسبة  3.2% فقط، أي أقل من 600 مليار دولار سنويا، فإن المصطلح يفترض أن يكون غير قابل للتطبيق. (هناك من يجادل بأن التكلفة الحقيقية سنويا أكثر من 1 تريليون دولار، ولكن لماذا المراوغة؟!.)
هناك شيء من الحقيقة في النقاشات التي تشير إلى المال. . إن وجود عدو عالمي مسلح نووياً على شكل اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية جعل الميول يتوجه نحو المغامرة. إن أخطر أنواع القتال هو رغبة هيئة التصنيع العسكري بالانخراط في المعارك  للحصول على مكافأة الميزانية. وتفيد التقارير أنه عندما قام أحد الضباط الصغار بتبليغ  الجنرال كورتيس ليماي وهو رئيس القيادة الاستراتيجية للقوات الجوية، بأن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية هو «العدو» فإن ليماي قام بمقاطعته وصحح له قائلاً: «أيها الشاب، الاتحاد السوفياتي هو خصمنا. أما عدونا فهو البحرية».

ولكن مصطلح "المجمع العسكري الصناعي" هو مصطلح قديم لا يصف تعقيد وتأثير الهياكل الحالية. في الواقع، حتى في أيام الرئيس أيزنهاور كانت هيئة التصنيع العسكري أكثر من مجرد مجمع بسيط يتكون من البنتاغون والمقاولين العسكريين بل كان هيئة  شملت عضواً أساسياً ثالثاً وهو لجان الكونغرس التي توفر الأموال التي تشكل شريان الحياة لهيئة التصنيع العسكري. (وتشير التقارير إلى أن مسودة سابقة من الخطاب استخدمت مصطلحات مجمع "العسكرية-الصناعية-الكونغرس" ، كوصف أكمل لما أصبح يسمى "المثلث الحديدي"فيما بعد، وردا على سؤال  الإغفال عن النص النهائي، يقال أن أيزنهاور قد أجاب: «كان أكثر من كاف أن نتأقلم مع الصناعة العسكرية والخاصة، ولم أستطع أن أتأقلم مع الكونغرس أيضا».
لم يتوقف المثلث الحديدي عن التوسع خلال الحرب الباردة فقط، عندما جعل إنتاج الأجهزة العسكرية نفسها كنواة لصنع المال من هيئة التصنيع العسكري، بل تضخمت أعماله إلى أبعاد أكبر بعد أن تم ابتداع العدو وتحديده  باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية الذي انهار في عام 1991. في حين أنه في لحظة ساطعة قصيرة كانت هناك مناقشة ساذجة حول «توزيعات السلام» التي من شأنها أن توفر الإغاثة لدافعي الضرائب الأمريكيين الذين قاموا برفع عبء "صراع طويل الأمد" ضد الشيوعية، ولكن الفكرة تلاشت بسرعة. وبدلا من ذلك، لم يكتف الجانب «المعقد» لهيئة التصنيع العسكري بالحفاظ على نفسه - أولا في العراق لمحاربة «العدوان المجرد» من قبل صدام حسين في الكويت، ثم في البلقان في التسعينات كجزء من عزم الناتو على الخروج من منطقة العمل »- ثم تشعبت إلى مناطق« سهلة »من السيطرة.
في الربع الأخير من القرن الماضي،  بدأت  هيئة التصنيع العسكري تصبح في عهد آيزنهاور كيانا هجيناً متعدد الأوجه، يشمل نطاقا مذهلا  في كل من القطاعين العام والخاص. كما وبدأت تتشكل ملامح ما سماه عضو الكونغرس السابق مايك لوفغرين "بالدولة العميقة" (والتي من خلال جهود لوفغرين أصبحت كلمة شائعة منذ ذلك الحين) ويدل هذا المصطلح (الدولة العميقة) على مجتمع من الخبراء الذين يهيمنون على تفكير وسائل الإعلام السائدة كما و تمتد لتشمل عناصر من الفروع الثلاثة للحكومة الأمريكية، والأعمال التجارية الخاصة (وخاصة الصناعة المالية والمقاولين الحكوميين وتكنولوجيا المعلومات)، ومراكز التفكير والمنظمات غير الحكومية (وكثير منها  "غير حكومية" ولكن تمويلها يكون من قبل الوكالات الرسمية الأمريكية و "حلفاءها"، والأقمار الصناعية، والعملاء)، والتعليم العالي (وخاصة المستفيدين من المنح البحثية الضخمة من وزارة الدفاع)، والحزبين السياسيين ونشطاء الحملات السياسية، بالإضافة إلى العديد من جماعات الضغط، واستطلاعات الرأي، والأطباء، و وسائل الإعلام، والمحامين، وغيرهم من الموظفين.
إن مقارنة هيئة التصنيع العسكري في عام 1961 مع سليلتها أو ما يدعى بالولاية العميقة اليوم، يشبه إلى حد كبير  مقارنة الحصان والعربات التي تجرها الدواب مع سباقات الفورمولا (سباق السيارات). هذا ويتمتع مديرو الولاية العميقة بالسلطة والامتيازات التي كان من شأنها أن تجعل  أعضاء نومينكلاتورا السوفياتية القديمة يخجلون.
في الواقع، فإن تشابه زحف الولاية العميقة مع نظيرها السوفياتي  واضح من خلال مشروعها في السعي إلى العلامة التجارية الأمريكية المعارضة كنوع من الخيانة. وكما قال دانيال ماك آدامز من معهد رون بول للسلام والازدهار:
"لن تقوم الحكومة أبدا بتجميع وتحليل واستهداف منافذ الأنباء الخاصة لأنها تحيد عن خط واشنطن الرسمي الجديد فقط".
"ربما ليس بعد. لكن بعض المنظمات الأميركية الممولة من منظمات «غير حكومية» تقوم بذلك بالفعل".
"إن صندوق مارشال الألماني لديه علاقة أقل مع ألمانيا في هذه الأيام مما كان عليه إبان تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية كنوع من التقدير لصندوق مارشال الأمريكي. و يتم تمويله هذه الأيام من قبل الحكومة الأميركية والحكومات المتحالفة (وخاصة في البلطيق التي تكره روسيا)، ومؤسسات المنح الجديدة، والمجمع الصناعي  العسكري. من خلال مشروعها "التحالف من أجل تأمين الديمقراطية" الذي أطلق عليه السوفييت ما يسمى ب "هاميلتون 68: أداة جديدة لتتبع التضليل الروسي على تويتر».
"هذا المشروع يتحكم ب 600 حساب على تويتر والتي ابتدعها صندوق مارشال الألماني لتكون " حسابات  تشارك في تعزيز النفوذ الروسي وتهدف إلى التضليل » ولن يتم إخبارنا ما الهدف الأساسي من هذه الحسابات أو كيف يتم اختيارها أو إلى أي مدى يمكن أن تصل!!!!!.

"إن ما يدعو للسخرية هو أن ما يسمى بصندوق مارشال الألمانية يستخدم نفس التكتيكات التي يتم استخدمها في الولايات المتحدة لإسكات وسائل الإعلام والآراء المعارضة!"
استسلمت نومينكلاتورا السوفياتية دون قتال. ولكن من غير المرجح أن يفعل نظيرها الأمريكي مثلها. حيث أن قرار ترامب في البدء بالقتال أو البقاء ساكناً لا يزال قيد المناقشة. ويشير البعض إلى أن ترامب قد استسلم بالفعل عندما قبل بالتوقيع على مشروع القانون الأخير الذي يفرض عقوبات على روسيا وإيران وكوريا الشمالية. ولكن في كلتا الحالتين، الحرب أو لا، الأمور سوف تصبح مستعصية للغاية.