بانتظار العيد الحقيقي ... بعد أن دمرت الإمبرالية أفراح الأعياد

25.05.2020

عشر سنوات وتمر الأعياد على سوريتنا كطقس وعادة متوارثة لشعب صبر وصمد و قهر الكثير من المظلوميات والتآمرات و أثبت عمقه وتجذره وانتماءه.

مرت السنوات و مرت المناسبات بظروف معقدة وسلوكيات مختلفة تبعا لتغيرات بنيوية ساهمت في تعقيد المشاكل، فمن بلد يتباهى بمؤشراته الاقتصادية التي تتمايز على مستوى المنطقة، وعنده ميزان تجاري رابح مدعوم بأمن غذائي كامل و صناعة تحويلية وغذائية وهندسية متميزة، وبنية تحتية قوية في بلد عمت الكهرباء كل جغرافيته وغطت مياه الشرب مناطقه وانتشرت المدارس والجامعات بكل مساحته و خدماته الصحية، وتمايزت لتكمل طبيعته وتاريخيته الدينية كمنطقة لانتشار الديانات الروحية وانتشار روائع آثرية تدل على عمقه الحضاري.

كل ذلك ساهم بتشكيل منتج سياحي تفوق بتكامله رغم الحروب على بلدنا، ولتجتمع كل هذه التمايزات و تتحد مع سياسات اقتصادية اجتماعية لتشكل طبقة وسطى قوية شاملة صلبة يعجز العدو عن تهشيمها، إلا عبر أسلحة غير تقليدية،  وقد تجاوزت حدود الـ ٩٠ بالمائة وكلنا يعلم أن الطبقة الوسطى ببعديها الأخلاقي والمالي تعتبر عماد النمو والتنمية والتماسك الاجتماعي و جسر التطور والارتقاء بكل أبعاده متحصنة بمنظمات و أحزاب ومجتمع أهلي متناغم و بطقوس و عادات داعمة و مقوية.

لذلك كان الهدف الأهم للمشروع الإمبريالي العالمي تهشيم وتفكيك هكذا تماسكات لفرض أجندات تحافظ على المعادلة العالمية المتمثلة بثنائية التزعم القيادي العالمي بعد الحرب الباردة، وانحسار نموذج الثنائية من جهة، و الإعلان عن وفاة أي نهج يضم بروحانيته مواجهة النموذجي الليبرالي بقديمه المدعي بحرية اقتصادية عبر حرية السوق (السوق تنظم نفسها) وبتنظيرات لإنسانية منافقة و لديمقراطية كاذبة، و بفرض نموذج يصطفي أشخاص تتجاوز الانتماءات المحلية والوطنية لتتماهى مع هذه المشاريع، و تكون نواة لضرب الدور المؤسساتي والذي يشكل جدارا لمواجهة هذا المشروع.

ومن أهداف الخط المعادي تخسير القطاع العام و تقويض الصناعات و زيادة الضرائب، وتسليع كل شيء حتى حياة الإنسان، عبر رفض دور الحكومات بالتوزيع العادل و حماية المواطنين عبر الخدمات الاجتماعية المجانية من تعليم وصحة و دعم مواد أساسية، و بالتالي منع تكوين الإنسان المتجذر المنتمي والمحقق لحقوقه ووجوده وهو أكبر عدو لقوى عالمية لا تقبل دولنا إلا أسواق استهلاك وأرض لنهب الثروات وكلنا وجد الوقاحة العلنية لممارسات تسبق العصور الجاهلية للتوحش بسرقات علنية وأساليب همجية تخالف كل الشرائع والقوانين الدولية نابعة عن دول تتدعي الحضارة والإنسانية.

وأنتجت هذه السلوكيات فوضى عالمية كبيرة زادت من الفقر و هشمت الطبقات الوسطى و نشرت الفوضى بالمجتمعات و أفرزت مالكي أموال أغلبهم لم يمروا بتتطور تاريخي بنيوي وبالتالي أبعد ما يكونوا عن الانضباط السلوك القيمي والاخلاقي والوطني.

وخسرت البلدان أهم طريق للسير قدما نحو النمو والرفاه والتقدم و ليعم الضياع والفوضى بديلا عن الاستقرار، ولتكون الأعياد طقوسا متوارثة لاستمراريات مكتسبة عوضا عن مناسبات منتظرة لتعبر عن عمق إنساني منتشي بتحقيق رغباته وإشباع متطلباته الإنسانية.

فأي أعياد في أجواء أذلت العباد وأي أعياد في مجتمعات عم بها الفقر والعوز و تشردت العباد، و أي أعياد لأناس فقدوا كل شيء وأصبحوا عبئا على البلدان والعباد بأيادي سوداء و أفكار سوداء و غيوم سوداء.

في انتظار العيد من جديد عبر الخلاص والانتصار على كل هؤلاء عابدي الأموال، أدوات ما بعد العولمة ولن يكون خلاص بلا مناص إلا عبر برنامج يعيد الصلابة لطبقة وسطى مسيطرة ويعيد الدور للمؤسسات و يجعل القانون فوق العباد.

في ظل انتظار العيد قد تكون الغيوم السوداء ديكور هوليودي وخلفها أمطار خيرة تعيد الزرع و تعيد الاعياد كسلوك عميق إنساني معبر وليست كطقوس عابرة.