بعد ميناء الفجيرة واستهداف أنصار الله للنفط السعودي.. الحسابات تربك الأطراف

15.05.2019

بعد عمليات ميناء الفجيرة الإماراتي التي ضربت عدد من السفن في الخليج، وإعلان أنصار الله أمس الثلاثاء مسؤوليتها عن استهداف مضختي نفط رئيسيتين في منطقة الرياض بالسعودية بواسطة 7 طائرات دون طيار، تعقدت حسابات السعودية والإمارات.

وكتب علي فواز في موقع "الميادين نت"، بمعزل عن تعدد التأويلات حول الجهة التي تقف وراء تفجيرات ميناء الفجيرة، إلا أن خلاصة ما حدث عبر استهداف منشآت أرامو وقبلها ميناء الفجيرة، تثبت أن وعود مايك بومبيو بتعويض النفط الإيراني احترقت، وأن إمدادت النفط من السعودية والإمارات غير مستقرة.

"المستقبل سيثبت أن مصادر النفط في الإمارات والسعودية ستكون الأقل استقراراً على مستوى العالم". هكذا عبّر حشمت الله فلاحت بيشة بتاريخ 24 نيسان/ أبريل الماضي على تويتر. عشرون يوماً كانت كافية كي يثبت المستقبل القريب صحة توقعات رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني. غداة حادثة ميناء الفجيرة عاد فلاحت بيشة ووصف الانفجارات بأنها دليل على أن "أمن جنوب الخليج هش كالزجاج".

يومان فصلا انفجارات ميناء الفجيرة عن استهداف منشآت لأرامكو في السعودية بواسطة طائرات مسيّرة. الاستهداف الذي تبنته "أنصار الله" اليمنية الثلاثاء أدى بحسب وزير الطاقة السعودي إلى توقف محطتين عن ضخ النفط. الخسائر الناتجة عن توقف إمدادات النفط انعكست تراجعاً في قيمة الأسهم المتداولة في البورصة السعودية.

بين الحادثتين أوجه تشابه. رغم اختلافهما في الحيثيات والظروف إلا أنهما تتقاطعان في خلاصة جوهرية. كلاهما استهدف منشآت حيوية نفطية تتجاوز انعكاساتها السعودية والإمارات لتطال أوروبا وأميركا والصين وسائر الدول المستوردة للنفط. المنشآت المستهدفة في الحالتين تمثّل خطوط إمداد بديلة عن مضيق هرمز. واحدة تطل على خليج عمان والأخرى على البحر الأحمر. بهذا المعنى يمكن تصنيفهما عمليتين نوعيتين من حيث التنفيذ، استراتيجيتين من حيث القرار والنتائج.

كشفت عملية ميناء الفجيرة عن جهة محترفة تقف وراءها. عملية دقيقة وموضعية وفائقة التخطيط. تحتاج بحسب خبراء عسكريين إلى قدرات استخبارية وأمنية. هي أيضاً مدروسة حيث تجنّبت بشكل مقصود على ما يبدو عدم وقوع إصابات واستهدفت ناقلات فارغة من حمولتها، ربما لتثبيت التهمة على إيران، أو لترك رسالة مشفّرة. في هذا الإطار برزت تصريحات إيرانية حول الفاعل. المتحدث باسم البرلمان الإيراني بهروز نعمتي اتهم، الثلاثاء، إسرائيل بالوقوف وراء الاعتداء. كما نقلت وكالة إيرنا للأنباء عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس، قوله إن الهجمات ربما نفذها "مخربون من دولة ثالثة يسعون لزعزعة استقرار المنطقة".

في هذا السياق قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن بلاده تشعر بالقلق إزاء ما وصفها بالأعمال التخريبية المثيرة للشك في مياه الخليج. وأكد أن هناك من يسعى إلى إثارة التوتر في المنطقة عبر تنفيذ أعمال تخريبية.

بعكس عملية أرامكو لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الفجيرة. بشكل لافت محمّل بالدلالات لم تتهم السعودية ولا الإمارات ولا الولايات المتحدة إيران رسمياً عن العملية. بقيت الجهة المنفذة متوارية خلف التحليلات. مسؤول أميركي مقرب من الاستخبارات صرّح لوكالة الأسيوشيتد برس إن "​إيران​ المشتبه به الرئيسي في الاعتداءات لكن لا دليل لدى ​واشنطن​ على ذلك".

تفجيرات ميناء الفجيرة يقف وراءها جراح محترف. يصحّ ذلك في حال كان الهدف من ورائها ردع أميركا أو دفعها إلى حرب مع إيران أو كانت الغايات خارج سياق الاشتباك الأميركي الإيراني المباشر. في حال كان الهدف إشعال الحرب، فإنها بحسب الخبراء أدت إلى نتائج عكسية. برّدت الرؤوس الحامية ولجمت مسار التصعيد. تضافر المتضررون إلى البحث عن مخارج وحلول على وقع توتر متصاعد تقوده أميركا ضد إيران، وإجراءات مضادة متدرجة دشّنتها الأخيرة.

بموازاة ذلك اختبرت الحادثة احتمالات الحرب ووضعتها على المحك. يرى خبراء في هذا الإطار أن الحادثة شكّلت ذريعة لأميركا في حال كانت نواياها تميل إلى الحرب. في هذه الحالة سوف تستغل واشنطن الحادثة وتهيئ أجواء المعركة عبر اتهام إيران. في حال العكس، حتى لو كانت إيران وراءها فسوف يتم تجهيل الفاعل.

في غياب المعطيات الدقيقة تتعدد الاحتمالات وتتفرع منها تعقيدات لا تنتهي. كل احتمال له ما يبرره وما يدفع إلى الاعتقاد به. أن يكون عمل مدبّر من داخل محور أميركا- السعودية- الإمارات، أو أن يكون الفاعل طرفاً ثالثاً إما لإشعال الحرب أو تفاديها، أو أن يكون "أنصار الله" في إطار الحرب على اليمن أو إيران بهدف الردع، أو لأسباب أخرى كثيرة ومتعددة. في هذا الإطار يبرز تصريح المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران. يقول براين هوك إن بلاده لن تتجاهل الاعتداءات الإيرانية. البارز في كلامه ما يلي: "لا يمكن للإيرانيين أن ينظموا ويدربوا ويجهزوا وكلاءهم ثم يتوقعون أن نصدق أن لا دور لهم". كلام أعقبه تصريح لمسؤول أميركي الثلاثاء مفاده أن "وكالات الأمن الوطني (الأميركية) تعتقد أن متعاطفين مع إيران ربما هاجموا ناقلات النفط وليس القوات الإيرانية.

كأي عملية دقيقة بقي الوضع بعد حادثة الفجيرة تحت العناية الفائقة والمتابعة المركزة مع إدراك تام لخطورة المضاعفات التي قد تنجم عنها. تطورات الساعات التالية كانت بنظر المراقبين فرصة لتتبع المؤشرات والاتجاهات المحتملة. على نحو مفاجئ ودرامي لا يقلّ خطورة عن انفجارات الجميرة أعلنت "أنصار الله" عن عمليتها النوعية. اشتعل النفط السعودي وتوقفت الإمدادات وتراجعت البورصة.

بعكس الحادثة الأولى تأتي عملية استهداف أرامكو بتوقيع واضح وسياق بيّن. وضعته "أنصارالله" في إطار العدوان على اليمن وحق الردّ المشروع. إلا أن العملية تزداد أهمية وخطورة في ظل المتغيّرات التي تحدث في المنطقة، وتكتسب زخماً مضاعفاً في توقيتها الزمني الذي يأتي بعد يومين على العملية الأولى. نفط السعودية والإمارات لم يعد آمناً. المصالح الأميركية باتت مستهدفة، ومعها مصالح أوروبا امتداداً إلى دول شرق آسيا.

بالعودة إلى قرارات الإدارة الأميركية بتصفير عائدات النفط الإيراني المرفقة بعقوبات على المخالفين، وعد مايك بومبيو زبائن إيران بتعويضهم من النفط السعودي والإماراتي. وعود صدّقت عليها كل من الرياض وأبو ظبي. خلاصة ما حدث في الساعات الأخيرة اشتعال النفط البديل واحتراق الوعود. هي "بروفة" لموجة الخسائر التي يمكن أن تجتاح العالم في أي حسابات خاطئة.