الأميركيون يتعثّرون مجدداً في الشرق

25.12.2019

اعتقد الأميركيون أنهم على وشك إسقاط معادلات القوة الاساسية في اليمن والعراق وإيران وسورية، ولبنان مستفيدين من انتفاضات جماهيرية ذات طابع مطلبي او من خنق اقتصادي الى درجة العودة الى استخدام هجمات إقليمية وداخلية وإرهابية لاسقاط حتى بلد واحد.

هؤلاء هم الأميركيون الوحيدون القادرون في الموازنات العالمية الحالية، على تجديد آلياتهم الخاصة بتدخلاتهم في كل مرة يتراجعون فيها. وهذا طبيعي في دولة أميركية تمتلك أهم امبراطورية اقتصادية كونية وعسكرية وثقافية تسيطر على المأكل والملبس ومختلف شؤون الحياة واللهو.

إن هذا التراجع الأميركي الحالي ابتدأ مع نجاح اليمن في الصمود بدءاً من 2014 وحتى اليوم واجتياز إيران أشرس حصار أميركي غربي يستهدفها منذ 1980 بدعم خليجي مفتوح.

فيما لا تزال معادلة القوة الأساسية في العراق عصية على الأميركيين على الرغم من الانتفاضات الجماهيرية التي تجتاز بلاد ما بين النهرين منذ ثلاثة شهور.

اما سورية فيستعمل الأميركيون مجموعة آليات في وقت واحد لإرهاق جيشها العنيد.

لم يعد ينفعها تحريك الكرد والترك والإسرائيليين والإرهاب والمعارضات في وقت واحد لمنع الجيش السوري من تحرير إدلب ولم يعد مفيداً لها تصعيد «البكائيات» على مدنيي إدلب وسيلة لدعم إرهاب هيئة تحرير الشام المشتقة من «القاعدة» نسيبة داعش الوهابية التي تستوطن ادلب، كما ان السرقة الأميركية للنفط السوري في شرق سورية، لا تحبط إصرار الدولة السورية على تحريري الناس والأرض والثروات في كل نقطة سورية أينما كان موقعها في الجغرافيا السورية.

ماذا عن لبنان؟ دفع الأميركيون طويلاً نحو التأسيس الداخلي لفراغ سياسي في المؤسسة الدستورية الوحيدة القادرة قانونياً على إنتاج القرار السياسي والاقتصادي والأمني.

لذلك دفعوا في اتجاه استقالة حكومة سعد الحريري وكان لهم ما أرادوا لسيطرتهم على كامل المحور اللبناني الذي ينتمي إليه «السعد» معاودين الدفع باتجاه تعطيل أي تشكيل لحكومة جديدة بمراوغات قادها سعد الحريري كان يقترح خلالها أسماء لرؤساء حكومات جديدة معاوداً حرقها بوسائل مختلفة، وذلك بالتزامن مع انتفاضات جماهيرية مطلبية كانت تريد إسقاط كامل النظام الطائفي.

ما استدعى تسلل الأحزاب الطائفية الموالية للأميركيين، الى صفوفها، فأصبحت قوات جعجع من قيادات الحراك الشعبي إنما على أساس توجيهه نحو مهاجمة سلاح حزب الله ودوره، وكذلك فعل الحزب الاشتراكي الجنبلاطي الذي بذل جهوداً كبيرة لركوب موجة الشارع.

أما حزب المستقبل الحريري فتسلّل بدوره الى التظاهرات الشعبية متخفياً بشعارات وطنية، لكنها سرعان ما سقطت وعادت الى طابعها المذهبي مع محاولات استدراج لصدامات مع مذاهب إسلامية أخرى لتفجير لبنان وبناء الظروف الملائمة لتدخل أميركي وغربي.

لقد تملك سعد الحريري شعور بالخوف على سقوط الحريرية السياسية، وذلك عندما نجح الدكتور حسان دياب بنيل 69 صوتاً من النواب كلفوه بتشكيل حكومة جديدة، ما جعله يستثير الشارع بتحشيد مذهبي غير مسبوق يروّج بوجود استهداف من التيار الوطني الحر وحزب الله اللذين يريدان «التهام حقوق الطائفة السنية» كما يقول المتظاهرون وهنا يستخدم الشيخ سعد السيطرة السياسية لحزب المستقبل في المناطق السنية وقوة دار الإفتاء على الماكينة الدينية في القرى والأرياف وتمويل تحرّك المعترضين وانتقالهم ونفقاتهم من «الطربوش حتى البابوج»، كما يقول المثل الشعبي، فيكون الشيخ سعد اقتبس من السياسة اللبنانية التقليدية أسلوبها في التحشيد الذي يجمع بين السياسة والدين والمال.

انما ما هي نتائج هذه الآليات الأميركية الجديدة في هذا المدى الواسع الذي يربط بين إيران واليمن بلبنان عبر العراق وسورية؟

يمنياً لم يعد لدى العدوان السعودي – الإماراتي الأميركي أساليب جديدة لإسقاط دولة صنعاء لأنها استهلكت كامل البدائل ولا يستطيع محور العدوان انشاء كانتونات في المناطق التي يحتلها في جنوبي اليمن لانها لن تكون الا تطويلاً فاشلاً للحرب وليس وسيلة لإنهاء الصراع بالتسوية، فأنصار الله يرفضون اي تسوية تستولد الكثير من كانتونات تخضع للنفوذ السعودي والإماراتي وتمنح الأميركيين السيطرة على الخط البحري الرابط بين عدن وهرمز.

وبذلك يمكن الجزم بأن نتائج الحرب على اليمن لم تؤد أغراضها للفريق الخليجي الأميركي المعتدي، لكنها تميل الى الاعتراف بقدرة دولة صنعاء على التعطيل التدريجي للمشروع الأميركي.

اما لجهة إيران المحاصرة بشكل دائم منذ 1980 والمخنوقة منذ عامين، فهي من القوة بحيث إنها دفعت الأميركيين للاستعانة بعُمان واليابان لعقد تسوية معها وصولاً الى حدود التفاهمات الإقليمية.

فوزير خارجيتها ظريف هو اليوم في مسقط يزور سلطاتها وذلك بعد زيارة قام بها رئيس الحكومة الياباني الى طهران وزيارة أخرى للرئيس الإيراني روحاني الى طوكيو، انها رحلات مكوكية لأغراض تتعلق بالتسوية الأميركية الإيرانية بما يؤكد سقوط كل الآليات التي استعملها الأميركيون للقضاء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

كما ان العراق بدوره هو عقدة للأميركيين لأن التظاهرات الشعبية فيه انما تندلع لإبعاد فريق لمصلحة فريق مشابه له في المحور المعادي للأميركيين، لذلك فإن الأميركيين يريدون الفراغ في العراق لا الحل، فيما يريد المتظاهرون الحل وتلبية حقوقهم من خلال تشكيل حكومة جديدة.

وتشكل سورية هنا استثناء، لأن الأميركيين استنفدوا فيها كل آليات التفجير من احتلال وغزو تركي وإرهاب كوني وسوري وغارات إسرائيلية وتدخّلات أوروبية وخليجية وأردنية، لم يتبق شيء لم يستهلكه البيت الأبيض وها هم اليوم يسرقون النفط السوري كاشفين أنهم ليسوا أكثر من لصوص وقراصنة على مدى تاريخهم الاستعماري. وهذا بدوره قابل للمعالجة العسكرية بعد تحرير إدلب.

ماذا عن لبنان؟ يبدو أن التشكيل السريع المرتقب لحكومة حسان دياب، من شأنها تعطيل اللعبة الأميركية بخنق لبنان اقتصادياً ومن خلال تأجيج العلاقات بين الطوائف.

على ان تتمكن الدولة من تأمين مستورداتها من الصين وروسيا وفرنسا مع العثور على اسواق جديدة في العراق والأردن، والمسارعة الى استثمار وطني رشيد للغاز على غير طريقة التحاصص السياسي والطائفي في لبنان.وهكذا بالإمكان الجزم أن الآليات التخريبية الجديدة للأميركيين ومحاورهم ذاهبة الى فشل ذريع مقابل صعود كبير للمنتصرين، وخصوصاً في سورية وإيران ركيزتي جبهة الصمود في الشرق الاوسط.