حرب موازية... المركزي السوري يكشف حقيقة أسعار الدولار... والإنتاج هو "سلاح الردع"
صرح حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، أن هذا الارتفاع وهمي وليس له أية مبررات اقتصادية وليس له أي مستند على الأرض إطلاقا، وإنما بعض المضاربين تعودا على سياسة معينة للمصرف في الماضي، وأكد أنه يمكن التحكم بسعر الصرف من خلال تحفيز الاقتصاد الوطني.
تصريحات حاكم المصرف المركزي جاءت بعد ارتفاع في سعر صرف الدولار الذي تجاوز منذ يومين عتبة 600 ليرة للدولار الواحد مما أحدث ضجة في الأوساط السورية.
وبعد إطلاق الحكومة السورية خطوات استراتيجية أهمها مكافحة التهريب لتعزيز المنتج الوطني وكذلك تعزيز أرباح وإنتاج القطاع العام الصناعي في الفترة الأخيرة ودعم الإنتاج الزراعي السوري، وإطلاق مشاريع إعادة إعمار في الكثير من المحافظات، فإن الاقتصاد السوري يتمتع بمرونة إنتاجية وناتج محلي بغض النظر عن سعر الصرف في السوق السوداء وهذا عامل هام جدا ويلعب دورا هاما في التخفيف من سلبيات سعر الصرف بحسب الخبراء، مع تأكيدهم على ضرورة دعم التصدير بشكل حقيقي ونتائج وخلق أسواق خارجية ودعم القطاع العام الصناعي بإزالة الروتين من أدائه وتحويل شركاته كافة إلى رابحة.
وبالإضافة إلى العقوبات، بحسب حاكم المصرف المركزي السوري فإن سبب الارتفاع هو المضاربين وبعض ممن تراكم لديهم مبالغ لا بأس بها من الدولارات تعودوا على سياسة معينة بالماضي للمركزي بأنه عندما يخلق نوع من التوتر في سوق القطع الأجنبي ويصل الفرق إلى ما بين 30 وخمسين ليرة سورية كان يبادر المركزي لتحريك النشرة أو ضخ عشرات أو مئات الملايين من الدولارات لكن اليوم لا يتقبل هؤلاء أن هناك سياسة جديدة للمركزي تقول إن كل دولار موجود لدى المركزي والدولة السورية هو من حق المواطن والاقتصاد السوري من نفط ودواء ومستلزمات إنتاج ولسنا معنيين بوضع هذا القطع الأجنبي بجيوب المضاربين والقلة من التجار ممن يتخيلون أن المركزي سينجر لهذه اللعبة ويرفع سعر الصرف أو يضخ دولارات.
وأضاف قرفول أن تلك الحملة تترافق مع قانون العقوبات الأمريكي "سيزر" الذي فرض على سوريا معربا عن "أسفه لتماهي البعض سواء عن قصد أو غير قصد مع تلك الحرب الاقتصادية التي تشن على سوريا".
وأشار إلى أن "السياسة النقدية هي بخدمة السياسة الاقتصادية ولا يمكن أن نوجه جميع الموارد لتكون بخدمة سعر الصرف" موضحا أنه "يمكن ضبط سعر الصرف من خلال السياسات التي انتهجها مصرف سورية المركزي والتي تستهدف بالدرجة الأولى خلق الحوافز بالاقتصاد الوطني ودفع العجلة الاقتصادية واستئناف النشاط الاقتصادي عبر تأمين وصول العديد من الأفراد والشركات إلى مصادر التمويل".
وأضاف: أن "الحكومة قامت بكل الجهود الممكنة لدعم قطاع الصادرات من خلال دعم المزارع وتأمين الكهرباء والوقود وتوفير كل الشروط للاشتراك بالمعارض وتحمل نفقات النقل الجوي بما فيها الدعم المباشر للصادرات وبالتالي فكما كنا نسمع من خلال تقارير اتحاد المصدرين فصادراتنا تصل إلى أكثر من 100 دولة وتصل قيمتها إلى أكثر من 4 أو 5 مليارات دولار وهذه المبالغ الكبيرة هي من حق الدولة السورية والمواطن والاقتصاد السوري".
وكان تقرير لمركز "كاتيخون" للدراسات كشف أسبابا هامة في ارتفاع سعر الصرف وتحدث عن بعض العوامل التي حرمت الدولة السورية من إيرادات هامة من القطاع الأجنبي ومن هذه العوامل محاربة القطاع العام الصناعي خلال سنوات طويلة لمنعه من الربح والمنافسة والتصدير وتكبيله بالروتين "القاتل" من خلال "الإبقاء على آليات الأداء والمناقصات الموضوعة منذ 50 عام حيث يحتاج تأمين "براغي" لمناقصة قد تمتد لوقت كبير يقتل المنافسة ويؤخر الإنتاج"، كما تطرق التقرير إلى مشكلة في عدم التمكن من اختراق الأسواق الخارجية في العراق وروسيا وإيران ولبنان والكثير من الدول المستعدة لاستقبال الإنتاج السوري، ولفت المركز إلى موضوع التأخير الكبير في إطلاق معمل العصائر حيث تشتهر سوريا بإنتاج الحمضيات وهذا حرم سوريا من إيرادات هامة بالدولار.
وكان رئيس الوزراء السوري عماد خميس أكد الشهر الماضي أن الحكومة السورية الحالية أمنت تمويل احتياجات البلاد من النفط وباقي الاحتياجات من دون أن تستخدم احتياطي النقد الأجنبي (الدولار)، بينما استخدمت الحكومة السابقة 17 مليار دولار خلال عامي 2012 و2013.
ونقلت صحيفة "الوطن" السورية عن رئيس الوزراء السوري إشارته خلال اليوم الثاني من الدورة الثالثة عشرة للمجلس العام لاتحاد نقابات العمال إلى أن سوريا تحتاج لنحو 200 مليون دولار أمريكي شهرياً للنفط، و400 مليون دولار سنوياً للحبوب، في وقت كانت الموارد أقرب إلى الصفر"
وبحسب الصحيفة، ذكر خميس أن الحكومة السابقة سحبت 17 مليار دولار من الخزينة لتأمين متطلبات البلاد بين العامين 2012 و2013، بينما لم تسحب الحكومة الحالية دولاراً واحداً من الاحتياطي، ومع ذلك تم تأمين استقرار النفط لعامين.
واعتمدت الحكومة السورية الحالية على مصادر أخرى غير احتياطي سوريا من الدولار لتأمين القطع الأجنبي اللازم لتمويل فواتير استيراد النفط ومواد الطاقة اللازمة وغيره من الحاجات الأساسية للمجتمع.
حيث ارتفعت في السنوات الماضية تحويلات السوريين من الخارج إلى داخل سوريا وخاصة أن هناك أعداد كبيرة من المغتربين السوريين، ومن ناحية أخرى تحسن واقع الصادرات السورية قليلا في السنوات الثلاثة الأخيرة (وهي التي تعتبر أهم مصدر محلي لتأمين القطع الأجنبي)، بالإضافة إلى أن تحسن الإنتاج الزراعي والصناعي في سوريا بعد تحرير الكثير من المناطق السورية أدى إلى تخفيف فواتير الاستيراد لبعض المواد وخاصة بعد إطلاق الدولة السورية لحملة كبيرة لإنهاء ظاهرة التهريب كليا.
وحول قوة الاقتصاد الإنتاجي السوري قال الدكتور والخبير الاقتصادي شادي أحمد لوكالة "سبوتنيك":
يتميز الاقتصاد السوري قبل الحرب بأنه اقتصاد إنتاجي، بمعنى أن الاقتصاد الإنتاجي كان يمثل أكثر من 70% من الناتج القومي، حيث شكلت الزراعة حوالي 27% من الناتج القومي، وشكلت الصناعة أيضا رقم موازي، وبلغ عدد المنشآت الصناعية قبل الأزمة حوالي 135 ألف منشأة وبلغ إنتاج القمح حوالي 4 مليون طن، ولكن هذا الاقتصاد الإنتاجي تضرر نتيجة الحرب".
وأضاف الخبير: "والآن بدأت ورشات معينة بإعادة العديد من المعامل والمنشآت الزراعية إلى الإنتاج، ولكن حتى الآن لم يصل الاقتصاد الإنتاجي إلى مستوياته الأساسية قبل الازمة، وهو قد يساهم في تحقيق حد يسير من المتطلبات التي نحتاجها في سوريا ولكن لا يمكنه أن يلبي جميع الاحتياجات السورية، وهذا يعود لعدة أسباب أهمها فقدان الليرة السورية لوظيفتها الاستثمارية حيث كانت الليرة السورية تغطي حوالي 80 بالمئة من التكلفة الاستثمارية للمنشأة وأصبحت الآن لا تغطي 30 %.
وتابع: "إذا يساهم الإنتاج السوري بالتخفيف من وطأة التضخمات الكبيرة التي يمكن أن تنشأ بالاقتصاد ولكنه لا يمكن أن يحل الآن الأزمة السورية الاقتصادية بشكل كامل".
وختم قائلا: "لولا الإنتاج الحقيقي الآن (تحديدا الزراعي والصناعي) لكان سعر صرف الدولار الآن 1500 إلى 2000 ليرة سورية، ولكن بنفس الوقت يجب أن يكون هناك ورشة أكبر لاستعادة المؤشرات الاقتصادية الأساسية".