تحرير إدلب على ضوء قمة سوتشي وخطاب الرئيس الأسد

19.02.2019

قبل أن تنعقد في سوتشي القمة الثلاثية بين روسيا وإيران وتركيا، تعدّدت اتجاهات التوقعات منها وتضاربت المواقف حول ما يمكن ان تعتمده القمة من قرارات تعني سورية عامة ومصير ما تبقى من حالات إرهابية فيها ووضع إدلب بشكل خاص.

فمن جهة ذهب البعض للقول او لانتظار قرار من سوتشي يغطي ويدعم عملية عسكرية سورية لاستعادة إدلب ومنطقتها واجتثاث الإرهاب منها، وهو فعل لا يمكن للأمور أن تستقيم في سورية بدونه، ومن جهة أخرى رأى البعض أنّ محاذير العمل العسكري كبيرة وكلفته عالية على أكثر من صعيد عسكري ميداني أو استراتيجي أو سياسي أو اجتماعي إنساني. وبين هذين الحدّين كانت مواقف أخرى تقترب من مسألة العمل العسكري أو تبتعد عنه كلّ بحسب الخلفية التي ينطلق منها.

أما قمة سوتشي فقد قاربت الأمر دون ان تعتمد أيّ من الحدّين وذلك انطلاقاً مما يملك المشاركون من معطيات ويتمسكون به من مواقف ويرونه من مصالح فجاءت القرارات او لنقل التفاهمات فيها وسطية تتسم بالهدوء الحذر الذي يحاكي واقعية ميدانية قائمة وبشكل يبتغي منه المعنيون في القمة سدّ باب الذرائع أمام أطراف آخرين من خصوم الدولة السورية وأعدائها، فاتجهت القمة لاعتماد استراتيجية «الخطوة خطوة لتحرير إدلب»، بحيث يكون فيه التنفيذ المستقبلي بصيغة وأسلوب وشركاء حدّدوا بشكل مغاير لما كانت عليه الأمور في منظومة خفض التصعيد او اتفاق سوتشي الثنائي بين بوتين وأردوغان.

فالصيغة الجديدة كما يبدو مما تسرّب أو أعلن عنها تنطلق أولاً من الإقرار بـ «تعثر تنفيذ اتفاق أيلول/ سبتمبر بين موسكو وأنقرة حول إدلب، بل وشهد الوضع هناك تدهوراً ملحوظاً بعد بسط جبهة النصرة الإرهابية سيطرتها على نحو 90 من أراضي المنطقة»، على حدّ قول لافروف الذي أكد أيضاً بأنّ القمة أكدت الحاجة إلى عمل عسكري مشترك تنفذه القوات الروسية مع القوات التركية بشكل يراعي:

أولاً: حماية المدنيين والعمل وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني ومنع ارتكاب ما ارتكبه التحالف الأميركي الدولي من مجازر بحقهم خاصة في الرقة التي بدأت فضائحها تزكم الأنوف لا سيما بعد أن نشر الضابط الفرنسي مقالاً حولها عرّضه لعقوبة من قيادة جيشه.

ثانياً: اجتثاث الإرهاب كلياً من إدلب حيث «لا يمكن الصبر إلى ما لا نهاية على وجود الإرهابيين في إدلب» كما قال لافروف أيضاً.

ثالثاً: احترام السيادة ووحدة الأراضي السورية والمحافظة عليها ومنع تشكل أيّ حالة أو ظاهرة انفصالية أو محاولة قضم لأيّ جزء من هذه الأراضي.

أما التنفيذ الميداني فإنه سينطلق من مفهوم منظومة أستانة وما اعتمدته من مناطق خفض التصعيد، ويأخذ بالاعتبار الواقع المستجدّ بعد سيطرة جبهة النصرة على إدلب، كما انه يعتمد سياسة المراحل المتتابعة المنسّقة ذات الأطراف المتعدّدة والتي ستكون في مرحلة أولى روسية – تركية، ثم تكون في مرحلة ثانية سورية روسية وتكون القوات الروسية العاملة على الأرض هي الجسر التي يتمّ عبره الانتقال من المرحلة الأولى الى المرحلة الثانية، وبعدها تكون المرحلة الثالثة والأخيرة حيث تنحصر المهام الميدانية التنفيذية بالقوات السورية وتكون القوات الروسية في موقع الاحتياط.

وستمرّ المرحلة الأولى في خطوات متتابعة تبدأ بتحديد مناطق خفض التصعيد على الخرائط، يليها التعيين والتنفيذ على الأرض، وبعدها يتمّ تسيير دوريات روسية تركية مشتركة لفرض مقتضيات هذه المناطق، ثم تنتهي بمعالجة الحالات الخارجة على نظام قواعد خفض التصعيد. بما في ذلك وجود الأسلحة الثقيلة.

من يدقق في هذه الخطة التي اعتمدت في سوتشي مؤخراً يقف على وجوه الوهن الكثيرة والعميقة فيها ما يجعل من الثقة بنجاحها أمراً منخفض السقف، خاصة في وجود أردوغان الذي لا يمكن ان يكون محلّ ثقة فهو محترف في الانقلاب على التفاهمات والاتفاقات وفي عرقلة تنفيذها ويعمل ظاهراً وفقاً لما يعقد من تفاهمات مع روسيا وإيران، أما باطناً فينفذ مشروعه الخاص الذي يتقاطع بشكل أو بآخر أو يتطابق الى حدّ بعيد مع الاستراتيجية الأميركية الرامية الى إطالة أمد الصراع ومنع سورية من العودة الى وضعها الطبيعي، ومن هنا تأتي الأهمية الفائقة لكلام الرئيس بشار الأسد خلال استقباله لممثلي الإدارة المحلية السورية ونظرته الى أردوغان وموقفه من مسألة التحرير.

فالرئيس الأسد أكد بوضوح قاطع بأنّ أردوغان «أجير أميركي» يعمل وفقاً للأوامر الأميركية، وأنه كان ولا زال يعمل ضدّ مصلحة سورية وانّ هذا «الاخواني» على حدّ تعبير الرئيس الأسد لن يكون محلّ للثقة في أيّ عمل يقوم به إذ انه لا يعدو كونه أداة بيد أميركا تستعملها ضدّ سورية. وهنا سترسم علامات الاستفهام الكبرى حول «التناقض» بين مواقف إيران وروسيا من تركيا، وموقف سورية منها وكيف يمكن أن نوفق بينهما؟

اننا نرى انّ ظروفاً أملت على روسيا وإيران التعامل مع تركيا بهذا الهدوء واللين أملا في التخفيف من عدائيتها وتعطيل بعض أنشطتها العدوانية وجذبها الى منطقة وسط بينهما وبين أميركا وإدخالها في موقع رمادي منخفض الضرر ولذلك يعملان معها في استانة بمرونة وحذر تحدوهما الرغبة في إبقاء تركيا ضمن مثلث استانة والاتكاء عليها لتجنّب الضغوط الدولية التي تتعرّض لها إيران وروسيا حيث انّ تركيا توفر متنفساً لهما خلال الحرب الاقتصادية والسياسية التي تشنّها أميركا عليهما، إضافة الى رغبتهما أيضاً بالقيام بمحاولة ميدانية أخيرة تهدف الى استعادة إدلب بوسائل أقلّ كلفة دون تحميل القوى المسلحة السورية خسائر إضافية في مسالة قد يكون حلها ممكناً بثمن أقلّ خاصة انّ هناك نوعاً من الطمأنينة للنتائج في عملية التحرير حتى ولو تأخرت بعض الوقت.

اما سورية المعني الأول بتحرير أرضها فأنها لا تجد نفسها مضطرة لإعطاء التركي بطاقة ثقة او ائتمان سياسي او عسكري او استراتيجي لا بل ترى انّ من مصلحتها ان تبقي التركي على قناعة بانّ سورية لا تثق به، فإذا صدقت تركيا هذه المرة مع إيران وروسيا ونفذت ما تقتضيه خطة التحرير خطوة خطوة يكون الأمر جيداً وربحاً لسورية دون ثمن، وان نكلت تركيا على عادتها فإنّ سورية لا تكون خسرت رهاناً، بل تكون استفادت من الوقت لرفع مستوى الجهوز وضمان فرص النجاح بكفة أقلّ من أجل تحرير إدلب عسكرياً. ما يعني انّ اتفاق قمة سوتشي وسياسة الخطوة خطوة هي الفرصة النهائية والأخيرة لتحرير إدلب قبل انطلاق العملية العسكرية الموعودة، ويكون موقف الرئيس الأسد من تركيا بحزمه ووضوحه، بمثابة ربط نزاع وتوفير وقت إضافي لروسيا وإيران في عملهما مع تركيا، دون ان يعطي التركي فرصة الظنّ بأنّ بأمكنة ان يخدع سورية بمناورته.