حزب الله وأكراد سوريا...

18.01.2019

رغم كلّ «الصعصعات الإسرائيلية» عسكرياً تجاه سورية المنتصرة على المشروع الصهيوني الذي قادته أميركا بأموال وتآمر الأعراب، وترجم بعدم تقسيم سورية، وتثبيت قوة ومقدرة الوحدة السورية بضمانة قيادة وبقاء الرئيس بشار الأسد، رغم كلّ ما أصاب المجتمع السوري من تهشيم وتشرذم، واهتزاز بعمق مفهوم الوطن والوطنية، وهذا يتطلب مع الأيام المقبلة إعادة تأهيل، ووضوح العلاج بجرأة الاعتراف حتى لا يتراكم الخلل!

رغم كلّ ما ذكرنا، وما يحاول الإعلام الأعرابي المرتزق من تزوير للحقائق، ورغم الرسائل الأميركية لبعض الدول العربية، وآخرها البرقية السرية التي كشفتها جريدة «الأخبار» إلى الدولة اللبنانية، تعيش سورية النظام والدولة والوطن والسياسة شبه استقرار مرحلي يبشر بالإيجابيات المقبلة، والتي تصبّ في صالح البلد، ويستطيع المراقب أن يعتبر أنّ الوضع السوري أكثر من جيد، وأعمق من استقرار ينتظر التغيّرات الجذرية لمصلحة المحور الممانع في سورية، ولمصلحة الدولة السورية!

واليوم كلّ الأنظار السياسية تتجه إلى سورية من خلال الوضع الكردي، وكيفية تعامل الدولة السورية معهم، ورؤية الأكراد مع الوطن السوري ووجودهم، وأيّ مصير يرسمونه بأنفسهم لأنفسهم!

إلى الآن لم يستفد الكردي من كلّ التجارب رغم أنه فيها، واستُغلّ استغلالاً حتى الرمق، ولم يعرف مفاتيح خلاصه، وهو يعتقد أنّ إنقاذه يكمن بالمشروع الأميركي مع أنّ أميركا باعته، وتعتبره مجرد دمية لا حول له، ويساعد على بقاء هذه الغباشة الكردية انفصام المفهوم الوطني لديه، وعدم قراءة التاريخ والجغرافيا، واستخفافه بما حصل له، وما ينتظره، وبما أنه لم يقرأ كلّ هذه التفاصيل، ولم يتعلم منها ومن تجربة أكراد العراق ستبقى حركة الأكراد في سورية خارج لعبة الزمن، وستشكل له الضرر الأكبر في الأيام المقبلة، وهو من سيمنح حصول هذا الضرر!

بعد إعلان ترامب الإنسحاب الأميركي الإرهابي من سورية وقع تُبّع أميركا بالخوف الأكبر، وبصدمة مثيرة ومحتومة، وأكثر من أربك وتضرّر هو المشروع الكردي في سورية فرداً وجماعة ووجوداً وحلماً، وهذا الحال لجم الواقع الكردي، وجعله يعود إلى الحضن السوري مهرولاً عجوزاً!

الجانب السوري تعامل مع العودة الكردية بتحفظ، وقلق، وعدم ارتياح، وهذا أشعر الأكراد بأنّ سورية تحاسبهم على فعلتهم، وحماقتهم تجاه الأرض السورية التي احتضنتهم، مما ولد عدم ارتياح في كلّ الجلسات التي حصلت بين الطرفين، ولم يتوصلا إلى نتائج تذكر!

الجانب الكردي لم يتمكن من التفاهم مع السوريين، وطلب المساعدة من حزب الله، لا بل طلبها مباشرة، وهو من أصرّ أن يكون التفاهم مع الحزب، وكان لهم ذلك، ولكن!

منذ الاجتماع الأول طلب الفريق الكردي من حزب الله أن يقدّم اقتراحات، ومع أن يكون هو أيّ الحزب من يتواصل ويتفق مع الجانب السوري، وكلّ ما يجده مناسباً سيتعامل الأكراد بايجابية معه، لا بل سيتمّ التنفيذ بثقة عارمة بموقف الحزب!

قدّر حزب الله الثقة والطلب والطالب، وأخذ على عاتقه المبادرة، وبدأ عملية التفاوض والتفاهم، ووجد مرونة كبيرة وراحة لدوره من الجانب السوري، ولكن الصدمة كانت من الجانب الكردي الذي تغيّر بسرعة البرق بعد التهديد الأميركي للجانب التركي إذا قامت بضرب الأكراد!

انقلب الأكراد على ما اتفقوا عليه مع حزب الله، وعادوا إلى نغمة أنّ مصالحهم تحميها أميركا فقط!

مؤسف أنّ الأكراد حتى الآن لا يعرفون مصلحتهم، ورغم تجريبهم الجانب الأميركي، وبيع هذه الأخيرة لهم بسهولة المصالح فرّطوا بالامل الأخير لهم، وبمصير وجودهم في عدم احترام اتفاقهم مع جهود حزب الله، وهذا التصرف سيعرّضهم إلى خطر كبير، خاصة أنّ الجانب التركي لن يقدّم لهم ولغيرهم الجانب الآمن، لكون تركيا تعتبر الأكراد خطراً قومياً استراتيجياً على تركيا، لذلك خط الرجعة الكردي بعد الصدمة الأميركية القريبة لهم، وقريباً جراء انطلاقة عمليات التفجير التي بدأت كون الأميركي يُنظر إليه كمحتلّ ستعمل أميركا على التخلي عنهم، وهذا سيعيق وجودهم أكثر!

نعم خط الرجعة الكردية إذا قرّرت العودة إلى أحضان حزب الله سيكون مكلفاً، وما استطاعوا نيله اليوم من الصعوبة نيله غداً!